بعد 20 عاماً، كشفت القناة “12” العبرية في تحقيق صحفي عن تفاصيل عملية اغتيال الضابط في استخبارات الاحتلال، يهودا أدري، من قبل الشهيد حسن أبو شعيرة، المعروفة لدى جهاز “504” الإسرائيلي باسم “مصيدة العسل”.
أدري الملقب لدى ضباط الوحدة، التي عمل فيها لأكثر من 27 سنة، باسم “الأب”، غيرت عملية اغتياله “نظرية الاستخبارات الإسرائيلية في التعامل مع العملاء”، حسب مزاعم القناة.
في البداية، استعرضت القناة في التحقيق، الذي ترجمه موقع “الهدهد” بداية أحداث الانتفاضة الثانية، التي اندلعت عقب اقتحام المسجد الأقصى من قبل أرئيل شارون، وعمليات إطلاق النار المستمرة التي تعرضت لها مستوطنة “جيلو” القريبة من بيت لحم.
الجنرال عاموس ملكا الذي شغل منصب رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية “أمان”، حتى بداية الانتفاضة، وصف عمليات إطلاق النار على مستوطنة “جيلو”، حينها، بأنها ذات “أهمية عالية جداً”، لدى الجيش، ويشير إلى رقبته لتوضيح خطورة العمليات عليها.
يزعم يوآف مردخاي، القائد السابق لمنطقة الوسط في الوحدة “504”، أن الجيش الذي امتنع عن الدخول إلى المناطق المصنفة “A”، في بداية الانتفاضة، طلب من الأجهزة الاستخباراتية “توفير معلومات عن منفذي عمليات إطلاق النار”.
وكشف أنه طلب من الضباط المسؤولين عن “تشغيل العملاء”، حسب وصفه، تجنيد عملاء من بين صفوف الخلايا الفدائية الفلسطينية، واشتركت في حملة “تجنيد العملاء”، الأجهزة الأمنية الإسرائيلية كافة (الشرطة، المخابرات، مكاتب الحكومة.
بدأت حكاية “مصيدة العسل”، بعد أن تلقى الضابط يهودا إدري، الذي وصفته القناة بأنه أحد “المنسقين البارزين والقدماء في الوحدة 504 لتجنيد العملاء”، على تقرير في عام 2000 من شرطة الاحتلال، حول “طلب غريب” لأحد سكان بيت جالا يعمل في دار المسنين في مستوطنة “جيلو”، بأنه “مهتم لمساعدة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لوقف عمليات إطلاق النار تجاه المستوطنة”.
يقول مردخاي إن إدري وصل عن طريق الشرطة، إلى شخص لديه “ماض جنائي واعتقل سابقاً مرتين”، حسب زعمه، وجنده للعمل لصالح الاستخبارات الإسرائيلية.
أحد ضباط الوحدة، الذي لم تكشف القناة عن اسمه أو صورته، قال إن الشهيد أبو شعيرة كان يحمل الرقم “524”، ووصفه بأنه “شاب صغير يعيش في منطقة هامة بحق داخل الصراع، في مخيم عايدة، وبدأت الاتصالات معه في نوفمبر 2000”.
ويعود بذاكرته إلى ما قاله يهودا عن أبو شعيرة، بعد اللقاء الأول: “قال اسمع هو شاب صغير، عرص معرص كما يقولون، أنا لم أعلم كيف أشتم رائحته بالضبط، لكنه ظهر لي بالعمر والمظهر الخارجي، والتصرف والملبس، أنه يتحرك مع الأشخاص الذين يهموننا، وهو لا يزال ليس معنا، لكنه يشتم رائحة شخص قادر على أن يبدأ العملية معه، وهكذا بدأ الأمر يتدحرج”.
وكشف مردخاي أن المقابلة الأولى بين يهودا وأبو شعيرة بدأت فعليا، بعد شهرين أو ثلاثة من اندلاع الانتفاضة، وزعم أن “أبو شعيرة قال لإيهود إنه من سكان بيت لحم، وكان ناشطاً في السابق مع حركة فتح، وأنه يعرف أسماء النشطاء في التنظيم، حينها طلب منه إيهود تزويده بالمعلومات، وسوف نفحص ما هو مستوى تقاريرك، ووفقاً لذلك نقرر كيف ستتطور الأمور”.
وأضاف: “لدينا مثل هؤلاء المئات، قليلون من يتحولون من داخل المئات، إلى عملاء وجواسيس يزودونا بالمعلومات الاستخباراتية”، حسب زعمه.
ورداً على سؤال كيف يجندون؟ يقول مردخاي: “في الدورات بالشاباك والموساد والوحدة، أنا أقول: إذا كان من الممكن أن نعلمهم كيف يحبون، هذا أمر يجب أن نشعر به كثيراً… من أجل تجنيد إنسان، يجب أن تلمسه، والوصول إليه بأعماق النفس والنجاح بفهم ذلك، مثل طبيب نفسي جيد، ما الذي يدفعه ويحركه”.
من جانبه، يصف الجنرال (احتياط) دورون عمير، قائد الوحدة “504” سابقاً، تجنيد العملاء عملية تجنيد العملاء:”عليك أن تشعر على ذلك الجرح الخاص به، التعامل معه لكن عدم معالجته، التعامل معه بأن لا يؤذيه عندما يكون على تواصل معك، ومواصلة ترك هذا الجرح قائماً”.
15 آذار/ مارس 2001، كانت المقابلة الثانية بين أبو شعيرة والضابط المسؤول عنه، كما يروي مردخاي، ويقول إنها “تركزت على معرفة من هو الشخص، من ابنه؟ كم يكسب وأين يكسب وما هي علاقته بعناصر التنظيم؟”.
ويكشف ضابط آخر عمل في الوحدة، ولم تكشف القناة أيضاً عن هويته أو صورته، أن التعرف على حياة العميل من أجل تحقيق هدفين هما “التعرف على الدوافع للعمل مع الاستخبارات، والبحث عن المخاطر والفرص”، ويتابع: “أريد أن أعرف أي نوع من الاستخبارات التي سأحصل عليها منك، أريد أن أعرف من تعرف، وأنا أستطيع أن أكشف من يهددك كعميل”.
وكشفت القناة عن جانب من محاضر ملف أبو شعيرة، لدى استخبارات الاحتلال، وجاء في جزء منها: “المصدر يحاول دوماً أن يشرح لنا لماذا هو يتعامل معنا، هو يخشى أن الجيش لو حاصر بيت جالا عموما، لن يستطيع الوصول إلى العمل في جيلو، وأوضحنا له أنه طالما على تواصل معنا، سوف نؤمن له الاستمرار بالعمل في دار المسنين، وربما نساعده اقتصاديا، في هذه المرحلة يقول إنه لا يريد أخذ المال لأن هذا ليس هدفه، لكن نجحنا في منحه هاتفاً وبطاقات شحن بقيمة 60 شاقل”.
يقول مردخاي: “النظرية تقول إن الضابط المشغل للعميل عندما يعود من المقابلة، يسألوه: هل أخذ؟ لأن فعل أخذ المال صعب على العملاء”.
ويوضح ضابط آخر عمل في الوحدة: “المال يرمز بالنسبة للعملاء، كونهم يعملون عندنا، معنا، بمفهوم معين… خائنون نعم خائنون، وليس مهماً كم يكون المبلغ، ممكن أن يكون دولار أو 10,000 دولار، هذا الأمر هو بمثابة نهر صغير يصعب عليه عبوره”.
تكشف القناة أن اللقاء الثالث بين يهودا وأبو شعيرة، جرى في 23 آذار/ مارس 2001، ويصف دورون عمير هذه المقابلة بأنها “كانت الأولى التي يقول فيها إنه لأول مرة يحتك بالجهاد الإسلامي، وبدأنا نرى اتجاهاً مثيراً للاهتمام، والأحاديث القليلة التي خرجت منه في هذه المقابلة، والشاباك قال: والله… كأنما يوجد شيء مثير للاهتمام هنا
مردخاي يقول إن أبو شعيرة عاد في تلك الفترة ليكون أحد “عناصر التنظيم”، حسب وصفه، ويردف قائلاً: “بالنسبة لي من هذه المقابلة، القيمة الأهم كانت اسم رياض العمور، رئيس التنظيم بالمنطقة، شخصية هامة بحثنا عنها وكانت أحد الأهداف الهامة للشاباك، كان يعرف عاطف عبيات القائد الأكبر في التنظيم بمنطقة بيت لحم”، ويزعم أن أبو شعيرة “التقى مع العمور وعبيات وعرضوا عليه أن يحتفظ بالسلاح في المنزل”.
وفي محاضر ملف أبو شعيرة، كتب ضابط استخبارات الاحتلال: “المصدر أخبرنا أنه استضاف رياض العمور، قائد كبير بالتنظيم، وزوجته على وجبة عشاء بالمنزل، ونجح في أن يحصل منه على معلومات قليلة، وذكر أن العمور حذر جداً رغم كونهم أصدقاء، هو يؤمن أن يستطيع التقرب من التنظيم، لكن سيفعل ذلك بحذر”، وعلق مردخاي على المعلومات: “نحن فهمنا أنه لم يعد عميلاً ينقل المعلومات، هو ليس عميلاً موجوداً بالشرفة ويقول: أرى سيارة بيجو وينزل منها عدة رفاق ملثمين بالكوفية، هو يعرف عنهم، لقد جلس قبل ليلة معهم وسمع منهم أنهم سيخرجون… بالنسبة لنا كمشغلين هذا رائع، لأنه دخل إلى دائرة أصحاب الأسرار”.
ويتابع: “بعد أسبوع من اللقاء، حضر قائد الموقع ويهودا وقالوا لي: اسمع العميل الذي التقيناه، يتصل، وبدأ بتقديم تقارير دقيقة”، حسب زعمه.
ويتنقل التحقيق مجداً إلى ملف أبو شعيرة: “بعد ظهر يوم الثامن عشر من إبريل، وبعد عملية لخلية رياض العمور، المصدر أخبرنا عن الحادثة، عملياً المصدر يدعي أنه قادر على منحنا الإنذار، في كل مرة تخطط خلية العمور لتنفيذ عملية”.
وعن دور يهودا في مواجهة عمليات المقاومة، يروي عاموس ملكا: “عندما سمع ضابط الاستخبارات، عستيون، أنهم أطلقوا النار على شخص في طريق الأنفاق، ما الأمر الأول الذي قام به؟ اتصل على ايهودا ادري”.
ويكشف مردخاي أن “يهودا نظم ترتيبات هاتفية، مع أبو شعيرة، وأعطاه رمزاً للبلاغات ليخبر عن أماكن إطلاق النار، تجاه مستوطنة جيلو”، ويشير إلى أن الاستخبارات “تخبر العميل عن طريق الصور الجوية، عن المواقع الجغرافية المختلفة، في المناطق المستهدفة”.
يزعم التحقيق أن أبو شعيرة، حتى بعد شهرين من الاتصال بالاستخبارات الإسرائيلية، “رفض أخذ المال مقابل المعلومات التي قدمها”، ويضيف أنه “في اللقاء الخامس الذي جرى، في بداية شهر مايو/ أيار 2001، نجح يهودا بإقناعه بأخذ مبلغ 200 دينار”.
ويتابع أن الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية كلها أصبحت تعلم عن مصدر يهودا “المليء بالمعلومات”، حسب وصفها، وقررت الوحدة إجراء “فحص معمق لبراعة العميل مصيدة العسل والتأكد من أنه مجند بشكل كامل”.
وقال إن “هذه هي المرة الأولى التي ينضم فيها يهودا إلى ضباط كبار من الوحدة”، ويكشف ضابط من الوحدة حضر اللقاء مع أبو شعيرة: “خلال المحادثة شعرنا أن العميل ليس معنا، حتى النهاية، رافقنا شعور أنه لا يكشف كل شيء عن نفسه وعلى علاقاته بالتنظيم، تقديرنا أنه كان يختبرنا، لذلك لم يكشف حتى الآن عن كل الأوراق”.
وأشار مردخاي إلى أن أبو شعيرة “كشف عن أشياء لم يقلها من قبل”، من قبيل أن “رياض العمور يعتمد عليه في تنقلاته بين بيت لحم والخليل”، ويضيف ضابط آخر أن “يهودا تعامل مع أبو شعيرة في هذه المرحلة، بشكل حازم وبصلافة، وقال له: نحن لا نصدق كل قصصك، حط كل اشي على الطاولة، تعال نتحدث بشكل مفتوح”.
وزعمت استخبارات الاحتلال أن أبو شعيرة قال للضباط إنه “شارك في عمليات إطلاق نار تجاه مستوطنة جيلو، وأن التنظيم زوده بهاتف من أجل تحضير الطريق لعمليات إطلاق النار”، وتابع الضابط: “قال ربما يطلبون مني إطلاق النار”.
ورداً على سؤال حول تشغيله مصدراً ربما تسبب بقتل مستوطن خلال عمليات إطلاق النار، قال: “يوجد هنا نوع من عدم الانسجام، أنت تريد مصادر جيدة، أنت ملزم أن يبلغك ويكون في قلب الحدث، غير ذلك لن تحصل على المعلومات الاستخباراتية”، واستدرك: “توجد مسألة، أين يتم تخطي الخط الأحمر؟ ماذا يفعل وأي تأهيل تعطيه إياه، اللعبة رقيقة جداً”.
- قبل المرحلة الأخيرة من الحكاية، يكشف ضباط استخبارات الاحتلال الشهود على تلك المرحلة، أن “ايهود قرر إجراء فحص الكذب لأبو شعيرة من أجل ترقيته في العمل”، لكن بقيت لديه “شكوك بأنه لا يقول الحقيقة أو كل القصة”، حسب وصفهم.
تروي محاضر التحقيق أن أبو شعيرة أبلغ عن “صفقة سلاح” مرتقبة بين خلية للمقاومة وتاجر من النقب، وهو ما أثار “شكوك” جهاز “الشاباك”، الذي لم يرصد أي اتصالات بين الجانبين، ومنذ تلك المرحلة اعتبر أبو شعيرة “مصدراً إشكالياً” بمستوى خطورة عالية”.
في 14 يونيو 2001، خرج يهودا مع حارسين مسلحين إلى “نقطة تواصل” قرب حاجز الأنفاق، الرابط بين القدس وبيت لحم، يكشف ضابط رافق إيهود في الرحلة: “سافرنا في مركبة تشبه مركبات الأجهزة الأمنية الفلسطينية، كان إيهود يقودها، وبعد أن وصلنا إلى منطقة اللقاء، وصل أبو شعيرة وشخصناه من بعيد، واستقبلته في نقطة خارج المركبة ثم أدخلته فيها، وعلى ما يبدو أنه تفاجئ، ودار جدل بينه وبين إيهود لفترة طويلة، وعاد إلى داخل المنطقة، ونحن وقفنا في نقطة التواصل لفترة، وصلت إيهود مكالمة من أبو شعيرة وحاول خلالها إقناعه بالعودة إلى السيارة”.
ويضيف: “أبو شعيرة عاد إلى المكان، الباب الخلفي كان مفتوحاً قليلاً، والنافذة الأمامية كذلك”، وعن هذا اللقاء يقول مردخاي: “مد يده إلى جيبه، وقال لإيهود أنت لا تصدقني؟ أنظر إلى فوارغ الرصاص، أحضرتها لك من كل خلايا إطلاق النار”.
وعن عملية الاغتيال كشف الضابط الذي كان في المركبة: “ألقى عدة فوارغ ونظرات حادة، كان ذلك نوعاً من التضليل، والأمر التالي الذي سمعته هو أصوات إطلاق نار… أطلق رصاصتين على إيهود، من مدى قريب جداً، فتحت الباب وأطلقت النار عليه، وواصل الانسحاب من المنطقة، أطلقت نحوه كامل مخزن الرصاص الذي معي، وحينها وقع على الأرض”.
عند عودته إلى المركبة، كما يروي، وجد الضابط يهودا قد قتل وأحد أعضاء الطاقم غارقاً بدمه، ويقول ضابط آخر إنه “تلقى اتصالاً من شخص لم يكشف عن هويته، أخبره أن يهودا تعرض لإطلاق نار، قلت له مصدوماً: ماذا؟ ما هي حالته؟ ما وضعه؟ قال لي: لا أعلم، هو على الأرض قلت له: هو على قيد الحياة، حاول أن تساعده، أغلقت الاتصال وتواصلت مع قائد المنطقة، وأخبرته عن ما جرى”.
يروي مردخاي: “كنت في المكتب والضابط يصرخ علي: العميل أطلق النار على يهودا، العميل أطلق النار على يهودا.. صدى الصوت يتردد بأذني حتى اليوم”، ويقول: “أشعر أنني المسؤول عن عدم عودة يهودا إلى بيته، أعيش بجرح لا أعتقد أنه سوف يلتئم، هذه مسؤولية لنا كجهاز، والزمن لا يعالج”.
ورداً على سؤال حول ما الذي جرى في هذه العملية، قال ضابط من استخبارات الاحتلال: “جزء من الجواب لن نعرفه للأبد”.
وتعليقاً على وصف ما حدث مع أبو شعيرة بالفشل، يقول الضابط الذي رافق يهودا قبل اغتياله: “خرجنا إلى نشاط عملياتي لإحضار عميل للتحقيق، وعدنا بضابط قتيل، تم خرق دوائر الحراسة والتأمين، من حدد نقطة الالتقاء هو أبو شعيرة، وهذا غير سليم مهنياً”