الحدث

الأزمة “مع الهيكل السياسيّ”

وليد شقير-نداء الوطن

يخضع المَخرج لاستقالة وزير الإعلام جورج قرداحي للتجاذب بين القيادات المارونية في شكل يؤدي إلى تردده وإلى ابتداع حجج تأجيل هذه الخطوة، رغم أنه من المؤكد أنها لن تؤدي إلى حل الأزمة مع دول الخليج، لكنها ربما تفتح باب البحث والحوار لتحديد أسس هذا الحل. بل ربما تكون تعويضاً عن استقالة الحكومة نظراً إلى تخوف الدول الغربية المعنية بوضع لبنان من تحولها إلى الحد الأدنى المطلوب إزاء تشدد الموقف الخليجي. والخشية من إطالة أمد الفراغ من بعدها، هو السبب وراء طلب الجانبين الأميركي والفرنسي من الرئيس نجيب ميقاتي عدم الإقدام على هذا الخيار.

مع اتساع رقعة القائلين بأن الأزمة أكبر من استقالته هناك من يعتقد أن القيادات المارونية تتزاحم على توظيف تنحيه، وعلى بيع هذه الورقة سواء للأميركيين أو للدول الخليجية، أو بتركها في يد “حزب الله” الذي يرفض هذا الخيار ويوظفه بدوره في صراعه مع الدول الخليجية على الساحة اللبنانية. بل أن “الحزب” يصعد الموقف ويبلغ وزير الإعلام أن وزراءه يستقيلون إذا استقال هو، ما يعني سقوط الحكومة، ويبلغ ميقاتي في الوقت نفسه أنه لا يؤيد استقالته. فكيف يجمع بين “تطيير” الحكومة في الحالة الأولى ويطلب من ميقاتي بقاءها في الحالة الثانية؟ ولا يعني ذلك إلا أن الهدف إبقاء الأمور معلقة من دون معالجة. وأصلاً استقالت الحكومة أم لم تستقل فهي معلقة وتقوم بما يشبه تصريف الأعمال منذ أن قرر رئيسها عدم دعوتها إلى الاجتماع بعد أن قرر الثنائي الشيعي تجميد مشاركته في اجتماعاتها إذا لم تتم إقالة المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ.

فيما تشمل الاتصالات الدولية تجنيب لبنان الفراغ الحكومي المديد الذي قد ينعكس سلباً على استحقاقي الانتخابات النيابية والرئاسية، ويحول دون إدارة الأزمة المتفاقمة فيه، فإن هناك شكوكاً كبيرة حول ما إذا كان تنحي ميقاتي بفعل العجز عن إقالة قرداحي، بحجة أن حجم الأزمة بات أكبر من حصر العلاج بتنحيه، سيكون علاجاً لانهيار العلاقات اللبنانية الخليجية.

سواء صح تساؤل كثر عما إذا كانت استقالة قرداحي ستكون العلاج أم لا، فإن مصدر هذا التساؤل هو أن ردة الفعل الخليجية تفوق حجم كلام قرداحي نفسه وموقعه وتتعدى لبنان إلى المسرح الإقليمي.

قد يضيء بيان الخارجية السعودية عن “تجاهل السلطات اللبنانية للحقائق” وتذكيره باحتضان “الحزب” للحوثيين على الأراضي اللبنانية تدريباً وتسليحاً وتوجيهاً، وقول وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود إن المشكلة هي في هيمنة “حزب الله” على السلطة اللبنانية، على الأبعاد الإقليمية الراهنة للأزمة. بل إن الوزير بن فرحان قال كلاماً يفيد بأن الأمر مرتبط بتغيير جوهري في السلطة المنحازة إلى إيران، حين قال إن أصول الأزمة ترجع إلى التكوين السياسي اللبناني الذي يعزز هيمنة جماعة “حزب الله” المسلحة المدعومة من إيران… والقضية أوسع بكثير من الوضع الحالي ومن المهم أن تصيغ الحكومة في لبنان أو المؤسسة اللبنانية مساراً للمضي قدماً بما يحرر لبنان من الهيكل السياسي الحالي، الذي يعزز هيمنة “حزب الله”. وهذا يطرح المشكلة اللبنانية برمتها. وقد يكون على لبنان أن يتحسس مدى ثبات الوعود التي أعطيت له بمحاولة التخفيف من أزمة الطاقة فيه، سواء باستجرار الكهرباء من الأردن، أو الغاز من مصر. فالدول العربية المعنية قد تكون محرجة إزاء دول الخليج في ظل استمرار أزمة لبنان معها.

ما قاله قرداحي صادف مع تصعيد إيران مواقفها وتحريكها لأدواتها في السياق الإقليمي، سواء في اليمن بمحاولتها إحكام الطوق على مأرب، أو في لبنان بشلّ “الحزب” للحكومة وللقرار اللبناني، وتصعيد هجومه على حليف رئيسي هو حزب “القوات اللبنانية” رداً على التجرؤ على سطوته، في حادثة الطيونة.

ثمة تفسير آخر للأبعاد الإقليمية للتشدد السعودي والخليجي، يستند إلى معطيات عن أن المفاوضات السعودية الإيرانية توقفت في موضوع اليمن عند إبلاغ طهران الرياض أن معالجة موقف الحوثيين فيه، يتطلب تفاهماً مع “حزب الله” لأنه مرجعيتهم. والرياض تدرك مثل غيرها أن الأخير لا يتحرك من دون أوامر إيرانية، وأن طهران تعتمد على حرية الحركة التي يتمتع بها “الحزب” بحكم الغطاء الرسمي الذي يتمتع به في لبنان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى