كلير شكر-نداء الوطن
تساجل الوزراء عبر منصات التواصل الاجتماعي، حول ما اذا كان يفترض التعامل مع الأزمة الناشئة مع المملكة العربية السعودية، على قاعدة “وقفة عزّ” أو “وفاء”. اذ اعتبر وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية أنّ “السيادة الوطنية واستقلالية القرار وكرامة لبنان، تسمو على كل اعتبار، فألف نعم ونعم للندية في العلاقات الدولية القائمة على الاحترام المتبادل، وألف لا ولا لإذلال وطن وشعب جُبِل على حرية الرأي والتعبير، وألف نعم ونعم لشدِّ الأحزمة وعدم الخضوع للابتزاز، فما الحياة إلاَّ وقفة عز”.
فسارع وزير الصحة فراس الابيض إلى الردّ مؤكداً أنّه “صحيح الحياة وقفة عز، وهي أيضاً وقفة وفاء، وأقولها كلبناني أقام وعمل في المملكة العربية السعودية لسنين، مع كامل التقدير لكل ما قدمته وتقدمه دول الخليج للبنان، من دعم وإعمار ومنح، وفرص عمل”.
وانضمّ وزير البيئة ناصر ياسين إلى النقاش الافتراضي مشيراً إلى أنّه “لا تُدار الأوطان بتغريدات “بطولية” وأوهام الانتصارات، بل بحكمة وتروٍّ لمعالجة الكم الهائل من الأزمات، المزمن منها والمتجدد، وبحوار مع الأشقاء العرب لإعادة الثقة معهم، وبانفتاح على المجتمع الدولي”. ولكن أياً من الوزيرين المحسوبين على رئيس الحكومة السابق سعد الحريري لم يقرب من حافة التهويل بالاستقالة بعدما حسم وزير الاعلام جورج قرداحي الجدل مؤكداً أنّ استقالته من الحكومة غير واردة.
بالنتيجة، يمكن القول، إنّ حكومة نجيب ميقاتي “امتصت” صدمة التصعيد، معتبرة أنه غيّر ردّاً على تصريحات وزير الاعلام ازاء الحرب القائمة في اليمن، خصوصاً وأنّ ما قاله سبق تعيينه وزيراً، فضلاً عن أنّ مواقفه لم تتضمن أي إساءة للملكة السعودية، فبدا ردّ فعلها كمن ينتظر الآخر “على الكوع” ليشنّ عليه هجوماً بمعزل عن طبيعة الخطوة التي أقدم عليها المبادِر.
ولهذا يقول أحد وزراء الثنائي الشيعي إنّ الطابة ليست في ملعب الحكومة كما يعتقد البعض، وبالتالي إنّ استقالة وزير الاعلام أم استقالة الوزراء، أو حتى استقالة الحكومة بأكملها، لن تساهم في معالجة الاشكالية الحاصلة، والتي تتخطى بنظره كلام وزير الاعلام أو الاعتراض السعودي على الحكومة ومكوناتها أو سلوكها. بنظره، المسألة أبعد من كل هذه التفاصيل اللبنانية التي لن تقدّم أو تؤخر في موقف المملكة، ولذا فإنّ الاقدام على أي خطوة من جانب الحكومة، لن يكون مفيداً، لا بل سيكون بمثابة تنازل مجّاني، عن خطأ لم يُرتكب أصلاً.
وفق تقديره، فإنّ السعودية كانت ترصد أي “زحطة” مقصودة أو غير مقصودة، عفوية أو مبرمجة، قد تحصل، لكي تشنّ حملة ضدّ لبنان وتحضّ دول الخليج على مواكبتها ودعمها في هذه الحملة، لكون الاعتبارات التي تملي عليها هذه الهجمة تتخطى المسألة اللبنانية، وموقف الحكومة أو أي من وزرائها من حرب اليمن الموصوفة دولياً بأنّها عبثية، ذلك لأنّ حسابات الرياض تتصل بالحرب المشتعلة باليمن، لا بلبنان الذي تتعاطى معه من منظار خصومتها لـ”حزب الله” لا أكثر.
ويقول إنّه حتى لو لم يُكشف عن مواقف وزير الاعلام، التي سبقت تعيينه وزيراً، لكانت السعودية “اخترعت” أي سبب لتشعل أزمة بوجه الحكومة اللبنانية التي لم تباركها بالأساس ولم تمنحها تأييدها رغم كلّ المحاولات الفرنسية، ذلك لأنّ العقدة عالقة في خشبة الملف اليمني، لا اللبناني، وبـ”حزب الله”، لا بالحكومة أو وزرائها. ولهذا، يبدي الوزير اقتناعه أنّه مهما حاولت الحكومة “ترقيع” الوضع مع السعودية ومعالجة الأزمة الناجمة عن كلام وزير الاعلام، فهي لن تتمكّن من ردع المملكة عن خيار التصعيد، الذي تحاكي فيه “حزب الله” لا اللبنانيين أو حكومتهم، لشؤون تتصل بالملف اليمني لا اللبناني… بدليل أنّ وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أكد أنّ “الاشكالية في لبنان أكبر من تصريح وزير وتكمن في سيطرة وكلاء ايران”.
ومع ذلك، يقول أحد المواكبين لملف العلاقة بين السعودية وميقاتي، إنّ هذا الجانب شكّل جزءاً من أسباب النقمة السعودية على الحكومة اللبنانية، نظراً لتردي العلاقة، أقلّه من الجهة السعودية، حيث يقول المواكبون إنّ التراكمات السلبية بدأت مع ترؤس ميقاتي حكومته الثانية التي وُصفت بـ”حكومة حزب الله” وحين اشتغلت خطوط التفاوض لتسميته مرة ثالثة رئيساً للحكومة قيل إنّه نقل إلى المسؤولين السعوديين حرصه على التشاور معهم في التفاصيل قبل الموافقة على تسميته، ولم يفعلها، فارتكبت الغلطة الاولى. وحين كشف النقاب عن تركيبة الحكومة وتبيّن أنّ الحصّة السنية هي بتوقيع الحريري، ارتكبت الغلطة الثانية كون السعوديين كانوا ينتظرون أسماء من تصنيف مختلف. ومع وصول البواخر الايرانية ونأي رئيس الحكومة بنفسه كانت الغلطة الثالثة. أما الغلطة الرابعة فكانت امساك رئيس الحكومة العصا من وسطها سواء في ما خصّ تحقيقات المرفأ أو استدعاء رئيس حزب “القوات” سمير جعحع أمام القضاء العسكري. إلى أن وقعت “واقعة” الكشف عن كلام وزير الاعلام الذي تعامل معه رئيس الحكومة بكثير من المنطق التسووي، على عكس رغبة السعودية. ولهذا كان لا بدّ من التصعيد من جانب الرياض كما يقول المواكبون الذين يعتبرون أنّ تردي العلاقة بين السعودية ورئيس الحكومة صبّ الزيت على نار الامتعاض السعودي.
وفي هذا السياق يشير هؤلاء إلى أنه قبيل اندلاع أزمة كلام قرداحي، كانت السعودية تستعد لسلسلة اجراءات تصعيدية تجاه لبنان، وتجاه ميقاتي بشكل خاص، ومنها مثلاً ترحيل أكثر من 1000 طرابلسي يعملون في السعودية، إلّا أنّ ولي العهد محمد بن سلمان رفض هذا الاقتراح.
وفي هذا السياق، يكشف هؤلاء عن زيارة سيقوم بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى السعودية قريباً ويحمل من ضمن ما يحمل ملف العلاقة السعودية – اللبنانية، وتحديداً السعودية – ميقاتي بعدما أودع السعوديون رزمة الأسباب التي دفعت بهم الى اعتماد هذا النهج في التصعيد.
وبناء على ما تقدّم، ولأنّ عودة ميقاتي إلى السراي كانت بدفع فرنسي ودعم أميركي (لا يزالان قائمين)، فإنّ الرجل لم يقدم على خطوة الاستقالة لأنّه مقتنع بأنّ رحيل حكومته ليس المطلب السعودي ولن يعالج الأزمة الواقعة. كذلك الأمر بالنسبة لاستقالة وزير الاعلام التي ستكون “أضحية مجانية”، خصوصاً وأنّ التصعيد السعودي بلغ اقصاه، وفق تقدير الوزير نفسه ذلك لأنّ الرياض لن تحرق كل مراكبها مع لبنان بحيث لن تصل الأمور الى حدّ ترحيل اللبنانيين الذين يعملون في الخليج. وينهي الوزير قوله بالتأكيد: الحكومة باقية و”يا جبل ما يهزك ريح”!