بعد نهاية أسبوع حافلة بـ”اللف والدوران” حول مسألة استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي من عدمها، انتهى مشهد التخبط الحكومي على سيناريوات مفتوحة على كافة الاحتمالات، بعدما أطاح رعاة قرداحي وحُماته السياسيين والإقليميين بكل صيغ الحلول الممكنة لتطويق ذيول الأزمة المتفجرة مع دول الخليج العربي رأفةً بالبلد المفلس وأبنائه المُعدمين… فلا مناشدة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وزير إعلامه “تقدير المصلحة الوطنية” نفعت، ولا حتى تمني بكركي عليه “تغليب مصلحة لبنان فوق أي مصلحة أخرى” لاقت آذاناً صاغية، ليأتي رد قرداحي بصريح العبارة عبر قناة “الجديد”: استقالتي غير واردة”.
وبعدما بدا من ميوعة في التعاطي الرئاسي والحكومي أمام هول ما قد تستجره القطيعة الخليجية العربية من ويلات على البلد، ذكّر البطريرك الماروني بشارة الراعي رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي بمسؤولياتهما المباشرة عن الإسراع في اتخاذ “خطوة حاسمة تنزع تفجير العلاقات اللبنانية – الخليجية دفاعاً عن لبنان واللبنانيين المقيمين في الوطن وفي الخارج”… بينما على الضفة المقابلة أمعن “حزب الله” في غرز “الخنجر اليمني” في خاصرة الحكومة بارتقائه في الموقف من تبني كلام قرداحي المؤيد للحوثيين في مواجهة “العدوان السعودي – الإماراتي”، إلى مرحلة تهويلية جديدة فرضها على جدول أعمال مجلس الوزراء تقوم على معادلة نقلتها أوساط “الحزب” إلى المعنيين ومفادها: قرداحي “يمثلني” وأي إطاحة به ستطيح بالحكومة!
وإذ سُرّبت معلومات صحافية مساءً تنقل صراحةً تلويح قرداحي بهذه المعادلة خلال مكالمته الهاتفية مع ميقاتي بسؤاله: “إذا أنا استقلت هل تضمن بقاء حكومتك؟”، سارع مكتب الإخير الإعلامي إلى نفي هذه المعلومات، بالتزامن مع تولي المسؤولين في “حزب الله” إطلاق رشقات تحذيرية غير مباشرة باتجاه السراي الحكومي، تصبّ في خانة شبك المصير الحكومي بمصير مقعد وزير الإعلام، بدءاً من رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” محمد رعد الذي كان الأكثر وضوحاً في التعبير عن هذا الاتجاه، من خلال تحذيره من أنّ الأزمة القائمة “لا تنتهي بإقالة أو باستقالة وزير إنما ربما بتصدع الوضع الحكومي برمته”، تلاه النائب حسن فضل الله بالتصويب على ما تمارسه “جهات في الحكومة” من ضغوط على قرداحي، متوجهاً إلى كل من يعنيه الأمر بالقول: “نحن نقف إلى جانب الوزير جورج قرداحي وسنتصدى ولن نخضع”.
وبينما كانت صور وزير الإعلام الممانع ترتفع في صنعاء حيث قررت جماعة “الحوثي” استبدال اسم “شارع الرياض” باسم “شارع جورج قرداحي”، كان وزراء الحكومة يتخبطون في حرب تغريدات وتغريدات مضادة على خلفية الموقف من الأزمة مع الخليج العربي، انطلاقاً من تغريدة تصعيدية دعا فيها وزير “حزب الله” علي حميه إلى “شد الأحزمة وعدم الخضوع للابتزاز فما الحياة إلا وقفة عز”، ليأتيه رد من وزير الصحة فراس أبيض من دون أن يسميه مدوّناً: “صحيح الحياة وقفة عز، وهي أيضاً وقفة وفاء” لما قدمته السعودية ودول الخليج للبنان واللبنانيين “من دعم وإعمار ومنح وفرص عمل”، ليتبعه وزير البيئة ناصر ياسين الذي يرافق ميقاتي إلى قمة المناخ بتغريدة بدت مضادة لتغريدة حميه، شدد فيها على أنّ “الأوطان لا تدار بتغريدات بطولية وأوهام الانتصارات”، وصولاً إلى وزير الداخلية بسام مولوي الذي دعا في تغريدته إلى أن “يتعظ الجميع فلبنان يستمد شرعيته العربية من علاقاته المميزة والعميقة مع السعودية ودول الخليج العربي، ولا يحتمل عزلته عن محيطه ولا يمكن لأحد تغيير هويتنا العربية”.
أما على مستوى الجهود الحكومية لمحاولة رأب الصدع مع العرب، وبينما اتكأ وزير الخارجية عبدالله بو حبيب على “تطمينات أميركية” بتأمين الغطاء لاستمرار الحكومة، نقلت مصادر وزارية إيلاء رئيس الحكومة أهمية كبيرة لنتائج لقائه المرتقب مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في سبيل تحصين الكيان الحكومي ومنع انفراط عقده، موضحةً أنّ “الأجواء الأميركية والفرنسية لا تزال حريصة على بقاء الحكومة بالتوازي مع تكثيف الجهود لتبريد أرضية الأزمة الخليجية تحت أقدامها”.
وفي حين يترقب المسؤولون الحكوميون خلاصة ما توصل إليه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان بشأن مستجدات الملف اللبناني، قطع بن فرحان الشك باليقين في معرض تشخيصه مسببات الأزمة اللبنانية مشدداً على أنّ المملكة العربية السعودية لم تعد ترى أي “جدوى” من التعامل مع لبنان في ظل “هيمنة وكلاء إيران” عليه، وخلص إلى التأكيد على كون الأزمة ليست بين السعودية ولبنان بل هي أزمة داخل لبنان نفسه، داعياً في هذا المجال إلى أن “تصيغ الحكومة اللبنانية مساراً للمضي قدماً بما يحرر لبنان من الهيكل السياسي الحالي الذي يعزز هيمنة “حزب الله”، لأنّ لبنان يستحق الكثير وهو قادر على تحقيق الكثير لو التفت قادته لمصلحة لبنان بدل المصلحة الشخصية أو مصالح دول أخرى مثل تمكين “حزب الله” من جميع مفاصل الدولة”.