مكافحة الإرهاب داخل الاتحاد الأوروبي ـ تدابير جديدة

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا  و هولندا

إعداد : وحدة الدراسات والتقارير “21”

مكافحة الإرهاب داخل الاتحاد الأوروبي ـ تدابير جديدة

تطمح المفوضية الأوروبية إلى أن تعمد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز الرقابة على الحدود الخارجية للتكتّل، والتعاون بين الأجهزة الأمنية لحماية الدول الـ 27 من أي تهديد إرهابي في المستقبل. كما صرحت رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين”، بأنّ رد الاتحاد الأوروبي يجب أن يتبع ثلاثة بنود رئيسية وهي ”المنع والحماية والرد” وهذا بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة في فرنسا والنمسا، كما دعا القادة والمسؤولون الأوروبيون في قمتهم المصغرة  إلى تكثيف الجهود والتعاون والتنسيق بشكل أفضل للتصدي لخطر الإرهاب الذي اصبح  يُهدد كل أوروبا.

واقع الارهاب في اوروبا

تم إطلاق اليوم الأوروبي لإحياء ذكرى ضحايا الإرهاب بعد تفجيرات العاصمة الإسبانية مدريد في 11 مارس 2004، ومنذ سنة 2005، يُحيّ الاتحاد الأوروبي في هذا التاريخ ذكرى ضحايا الاعتداءات الإرهابية. حيث شهدت مدريد في التاريخ المذكور سلسلة تفجيرات منسقة استهدفت شبكة قطارات في المدينة أسفرت عن مقتل 191 شخصاً وإصابة 1755 آخرين . ويعد هجوم مدريد سنة 2004 جزءًا من سلسلة طويلة من الأعمال الإرهابية المستوحاة من أيديولوجيات متطرفة مختلفة تؤثر على الأبرياء كضحايا.

ومنذ وقوع الاعتداءات التي تعرضت لها باريس في 13 تشرين الثاني 2015، والتي شارك فيها مقاتلون عادوا من سوريا، تعرّض الاتحاد الأوروبي مرارًا وتكرارًا لهجمات، أعلنت بعض التنظيمات الإرهابية عن وقوفها وراءها. ففي سنة 2019، تم تنفيذ سبع هجمات إرهابية نُسبت إلى “جهاديين”، ضربت عُمق بعض دول الاتحاد الأوروبي كما نجحت الأجهزة الأمنية في إحباط ضعف ذلك العدد.

اما في سنة 2020 تسببت عدة هجمات إرهابية في وقوع قتلى في أوروبا، مثل هالي وكاسل ولندن وليون وباريس وأوترخت، بالإضافة إلى هجمات إرهابية أكبر خارج الاتحاد الأوروبي.

وتجد أوروبا نفسها في هذه الأيام أمام تهديدات إرهابية غير مسبوقة وفي وقت واحد من خطر موجة متوقعة من اللاجئين الأفغان. تخشى أن تحمل بداخلها إرهابيين متخفين، سواء من المتسللين في موجة اللاجئين، أو تجنيد الإرهابيين لشباب موجودين على أراضيها لاستغلالهم كـ “ذئاب منفردة”، أو في نشر الإرهاب بها عبر الإنترنت.

اسباب التصاعد

ـــ تدفق المهاجرين إلى أوروبا سنة 2015 والذي شهد العديد من اللاجئين السوريين، وحماية أشخاص على صلة بحركات إرهابية. ما دفع الى سنوات من الانقسام بين دول الاتحاد حول كيفية الاستجابة لتدفق أعداد كبيرة من المهاجرين واللاجئين. وكان سبباً مباشراً في الانسحاب البريطاني من الاتحاد الاوروبي في استفتاء سنة 2016.

ـــ موقع  أوروبا بالقرب من القواعد الإرهابية ما جعلها أكثر قابلية للاختراق، سواء داخلياً من خلال عدم وجود عمليات تفتيش على الحدود عبر 26 دولة أو عبر طُرق المهاجرين التي يستخدمها عشرات الآلاف من الأشخاص كل سنة.

ـــ منح الحكومات الأوروبية في العقود الماضية حريات عامة لتلك التنظيمات والجمعيات المتعلقة بالإسلام السياسي والإخوان والتي كانت تعمل تحت إطار أجسام معارضة سياسية. إلاّ أنها اليوم أدركت ولو بشكل متأخر مدى خطورة هذا الفكر وتلك الجمعيات في نمو ظاهرة التطرف داخل مقراتها المغلقة وحلقاتها الضيقة، وربطها بالتنظيمات الإرهابية خارج أوروبا، ولربما ببعض الأحداث التي جرت في عدة دول أوروبية تتعلق بالتطرف.

الثغرات الامنية

منذ ما يقرب من 6 سنوات، تشهد القارة العجوز ارتفاعاً ملحوظاً في حوادث الطعن، بعضها إرهابية دامية، راح ضحيتها الكثيرون فيما أُصيب آخرين في حوادث وُصفت بـ”الفردية” وهذا انطلاقاً من:

ـــ الروابط الأمنية الضعيفة بين دول أوروبا، حيث تختلف القدرات الاستخباراتية على نطاق واسع بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة.

ـــ ضعف “التشريعات” في مواجهة التطرف والإرهاب بأوروبا . حيث العديد من الثغرات لا تزال باقية في البنيان التشريعي والتنفيذي الأوروبي لتعزيز محاربة الإرهاب والتطرف.

ـــ عدم تقاسم المعلومات ـ الاعتداء على مجلة “شارلي إيبدو” الفرنسية الساخرة سنة 2015 صدمةً كبرى، كشف حقيقة انعدام التعاون والتنسيق بين الدول الاعضاء حيث كانت الأجهزة انذاك تتنافس أحياناً ولا تتقاسم المعلومات في ما بينها بشكل جيّد بذريعة حماية مصادرها

ـــ الفشل المتكرر لأجهزة رقابية محلية في رصد ومكافحة غسل الأموال .

ـــ ضعف الرصد والمراقبة للعناصر الخطرة ـ الهجوم الإرهابي الذي شهدته فيينا مطلع تشرين الثاني 2020، وأسفر عن مقتل 4 أشخاص وإصابة 20 آخرين، خاصة بعد أن بينت التحقيقات أنّ منفذ الهجوم كان على صلة بالتنظيم، وأنه كان معروفاً لأجهزة الأمن وأراد السفر إلى سوريا للالتحاق بداعش.

ـــ تطبيق فتوى الإخواني ـ تطبيق ابتكره تنظيم “الإخوان” الإرهابي يُحرض على التطرف، احتل مراتب متقدمة في قائمة أكثر 100 تطبيق تم تحميله عبر متجريهما. خلال فترة الإغلاق التي تسبب بها وباء كورونا المستجد، بعد أن فشلت المنصات في الاستجابة لتحذيرات حكومية من إمكانية أن يكون التطبيق “بوابة للتطرف”. وعلى الرغم من دعوات السياسيين في جميع أنحاء أوروبا لإزالته من متاجر “أبل” و”غوغل“، فإنه لا يزال متوفراً في العديد من البلدان الاوروبية.

السياسات الجديدة لـ مكافحة الإرهاب والتطرف

كانت الموجة الأخيرة من الهجمات (في فرنسا والنمسا وألمانيا) على الأراضي الأوروبية بمثابة تذكير قوي بأن الإرهاب لا يزال يُشكل خطراً حقيقياً وحالاً. ومثلما يتطور هذا التهديد، يجب أيضا أن يتطور التعاون في مكافحة الإرهاب. ومن ثم قررت المفوضية الأوروبية تقديم عرض جدول أعمالها الجديد لمكافحة هذا الأخير المخطط له كجزء من استراتيجية الاتحاد الأوروبي، للاتحاد الأمني للفترة 2020-2025. يُركز هذا البرنامج، الذي عُرض في 9 ديسمبر 2020، على توقع ومنع وحماية والاستجابة للتهديد الإرهابي. وتعزيز ولاية اليوروبول، وتعزيز التعاون بين قوات الأمن، لاسيما في مجال مكافحة الإرهاب، كما ينبغي اقتراح قانون التعاون مع الشرطة في الاتحاد الأوروبي في الربع الأخير من سنة 2021.

مساعي المفوضية الأوروبية لمكافحة الإرهاب والتطرف ـ آليات

ـــ خلق هيئة رقابية جديدة لمراقبة عمليات غسل الأموال تتولى مسؤولية مراقبة عمليات غسل الأموال في المؤسسات المالية الاوروبية.

ـــ سجل مشترك لمكافحة الإرهاب لتسهيل عملية مقاضاة وإدانة المتشددين المشتبه بهم والأفراد العائدين من القتال مع تنظيم داعش في العراق وسوريا.

ـــ ربط مؤسسات التعاون الأمني بين دول الاتحاد الأوروبي.

ـــ إنشاء صندوق الأمن الداخلي الذي يهدف الى تعزيز تنفيذ استراتيجية الأمن الداخلي والتعاون في مجال إنفاذ القانون وإدارة الحدود الخارجية للاتحاد.

ـــ تعزيز التعاون الأمني بين الاتحاد الأوروبي ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لحماية أراضي الاتحاد من الهجمات الإرهابية  والذي يُعتبر خطوة استباقية لمحاربة التطرف والإرهاب.

ـــ إعتماد الميثاق الجديد حول الهجرة واللجوء  في دول الاتحاد الذي كشف عنه نائب رئيس المفوضية الأوروبية “مارغاريتاس شيناس”، يوم 21 أكتوبر  2020 . والذي من المتوقع أن تتضمن سياسته الجديدة آلية “تضامن إلزامية” تُجبر دول الاتحاد على التضامن والتعاون مع نظيرتها التي تقع “تحت ضغط” موجات المهاجرين المتلاحقة. وسيستبدل الميثاق الجديد “نظام دبلن” المعمول به حالياً للنظر في طلبات اللجوء بنظام “إدارة أوروبي جديد للهجرة.

ـــ تعهّد الاتحاد الأوروبي تقديم مساعدة بمليار يورو، تخصص قسم منها للاحتياجات الإنسانية الطارئة في افغانستان وللدول المجاورة لها التي استقبلت الأفغان الهاربين من طالبان، باعتبارها تحدي للأمن الأوروبي أكثر مما لأي منطقة أخرى.

في حين ينهي هذا التحسين في الترسانة القانونية والعملية الأوروبية في مجال محاربة التطرف والإرهاب، بأولوية الحفاظ على القيم الأساسية للتكتل والحريات العامة والفردية لمواطني دوله.

أسباب ودوافع اعتماد السياسات الجديدة

دفع تعرّض الاتحاد الأوروبي بعد الموجة الأخيرة من الهجمات (في فرنسا والنمسا وألمانيا)  اوروبا الى انتهاج سياسات امنية اكثر تشدداً وهذا  لعدة اسباب اهمها:

ـــ الهجوم الإرهابي الذي حدث مؤخراُ في العاصمة النمساوية فيينا كان له الأثر الأكبر في دفع أوروبا باتخاذ إجراءات شديدة وجديدة ضد المنظمات والجمعيات المتعلقة بالإسلام السياسي والتي باتت تنتشر بشكل إخطبوطي في عدة دول منسقة عدة مشاريع متشددة مع بعضها البعض.

ـــ ملف “العائدين من مناطق الصراع” يُمثل تحدياً للأمن القومي الأوروبي، على وجه الدقة، خصوصاً النساء، حيث من الممكن أن يُمثلن شبكة لنشر التطرف من جديد في المناطق التي يلجأن إليها.

ـــ دور اوروبا في التحالف الدولي ومحاربة ما يُسمى بـ”دولة الخلافة”  ما جعلها على رأس الأهداف الإرهابية سواء عند تنظيم القاعدة أو داعش وخاصة بعد الإطاحة بها في سوريا والعراق، عاد كثيرون إلى بلدانهم سواء عبر مراجعات صورية أو بالهجرة غير الشرعية وباتوا كامنين بانتظار فرصة. هؤلاء العائدين يظلوا في حالة كمون ولا يمكن تسميتهم بالذئاب المنفردة ولكن هم  “خلايا  نائمة“.

ـــ عودة طالبان الى الحكم احدث شعور في الاتحاد الأوروبي بالخطر الداهم في أفغانستان. فالاتحاد متأكد من أنّ تفاقم الأوضاع هناك سيؤدي لموجات من اللاجئين، سيلجئون بأغلبيتهم إلى الدول الأوروبية، والأمر نفسه يتعلق بقضية الإرهاب.

ـــ آلاف المقاتلين الأجانب الذين نجوا من المعارك في سوريا والعراق وعادوا، أو لم يتمكنوا من الذهاب كثرٌ منهم في السجن. بعضهم أُفرج عنه وسيتمّ الإفراج عن كثيرين من بينهم في السنوات المقبلة. هؤلاء يمثلون قنابل موقوتة إذا لم يتم تقييد حريتهم.

ابرز التقارير الإستخبارية التي حذرت من الارهاب والتطرف

حذرت عدة تقارير أمنية واستخبارتية في وقت سابق من خطورة انتشار التنظيمات الارهابية داخل اوروبا وعلاقة ذلك بزيادة وتيرة العنف والارهاب والتطرف تمثلت ابرزها فيما يلي:

ـــ تشديد رئيس وكالة مراقبة الحدود الأوروبية فرونتكس، “فابريس ليغيري”، على أوروبا أن تحمي نفسها من استقبال أشخاص على صلة بحركات إرهابية.

ـــ تصريحات أجهزة الاستخبارات والسياسيين التي تُعبر عن وجهة النظر الألمانية، والتي تعتبر الإخوان تنظيم متطرف، ويمارس العنف والإرهاب من أجل الوصول للسلطة في البلاد العربية، كما أنه يتبنى خطاباً متطرفاً في الداخل الأوروبي ويُقدم دعماً للتنظيمات الإرهابية في الخارج.

ـــ تحذير رئيس وكالة الاستخبارات الخارجية الألمانية (BND) أنه على الرغم من عدم وقوع هجمات إرهابية كبيرة في أوروبا والولايات المتحدة مثل الهجمات الدامية التي هزت البلدان الغربية قبل عقدين، إلاّ أنّ “إرهاب الإسلاميين” قد تطور وكلف حياة الكثير من البشر، كما ازداد عدد الإرهابيين والخطر الذي يشكلونه.

ـــ حذرت رئيسة مركز أبحاث الإسلام العالمي في فرانكفورت الألمانية وعضو المجلس الاستشاري العلمي للمركز النمساوي لتوثيق الإسلام السياسي، “سوزان شروتر” من خطر تنامي جماعة الإخوان داخل المجتمعات الأوروبية،  والتي تمثل أخطر تنظيم للإسلام السياسي في الغرب.

التقييم

في الحقيقة هناك وعي اوروبي حقيقي ورغبة اوروبية للوصول الى حل ورد جماعي لكن ما ينقص الاتحاد الاوروبي اليوم هو ليس الافكار والمشاريع والقوانين وانما الارادة السياسية والتطبيق الفعلي…وهو السؤال الذي يطرح نفسه ما الذي يدفع الاوروبيين ان لا يصلوا الى هذا الرد الجماعي ..؟ خاصة وأنّ الاتحاد اقام العديد والعديد من الاجتماعات بل ومنذ سنة 2015 أي منذ ان تزايدت الهجمات الارهابية في اوروبا. والجواب هو انعدام أهم احد الشروط التي يقوم عليها النظام الإقليمي، وهو “التعامل مع العالم الخارجي كوحدة واحدة” وهو ما يفتقده الاتحاد الأوروبي من خلال انعدام وجود اقتراب أوروبي امني موحد للتعامل مع القضايا الكبرى لاسيما الامنية منها، ما جعل وسيجعل العمل على صياغة سياسة امنية أوروبية موحدة فعالة قوية ومؤثرة، بعيدة التحقيق وهي تُشكل أبرز التحديات التي يُواجها هذا الاتحاد اليوم.

المعالجات

إنّ الإجابة عن هذا السؤال تنطلق من خلال دراسة الاتحاد الأوروبي من الداخل لا من الخارج، والبدء أولاً بقضية الهجرة التي كانت ولا زالت من القضايا التي تُثير انقساماً بين الدول الأعضاء ومطروحة على الطاولة الاوروبية. مروراً الى إلى تحقيق القوة التعاضدية من شاكلة 1+1=3 (ذوبان الهوية) التي عملت الولايات المتحدة الأمريكية على تحقيقها. وصولاً الى التعامل مع القضايا الكبرى بموقف واحد لا بموقفين.

Exit mobile version