باتت حكومة نجيب ميقاتي في وضع لا تُحسد عليه، حيث يمكن الجزم بأنه لم يمر يوماً عليها بشكل إيجابي، بسبب التوقيت الذي ولدت فيه، بالرغم من الضمانات الدولية التي تحدث عنها رئيسها عند تكليفه. هذه الحكومة كان من الصعب أن تولد لولا اللحظة الحرجة على مستوى الأزمة اللبنانية، التي تمثلت بقرار “حزب الله” إستيراد النفط من إيران، في مقابل سعي الولايات المتحدة إلى التخفيف من وهج هذه الخطوة، عبر الإعلان عن العمل على تأمين إستيراد الغاز من مصر واستجرار الكهرباء من الأردن.
على المستوى الداخلي، كل السجالات التي رافقت مرحلة تكليف ميقاتي، وقبلها مرحلة تكليف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، انتقلت إلى طاولة مجلس الوزراء، في ظل الإنقسام الحاد بين محورين: الأول يتضمن بشكل أساسي “حركة أمل”، “تيار المستقبل”، “الحزب التقدمي الإشتراكي”، بينما الثاني محوره “التيار الوطني الحر”، في حين أن “حزب الله” يفضل البقاء على الحياد.
خلال وقت قصير، تبين أن هذا الواقع من الممكن أن يقود إلى تفجيرها في أي لحظة، بحسب ما تشير مصادر سياسية متابعة لـ”النشرة”، الأمر الذي تمثل بتوقفها عن الاجتماع بعد الخلاف الذي وقع حول كيفية معالجة ملفّ التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، الذي انضم إليه على وجه السرعة ملفّ أحداث الطيونة المتفرّع عنه، في ظلّ التوتر الحاد بين حزبي “القوات اللبنانية” و”حزب الله”.
على الرغم من ذلك، تلفت المصادر نفسها إلى أنّ أكثر ما يهمّ ميقاتي كان الموقف الدولي من الحكومة، لا سيما السعودي، الذي كان سلبياً منذ اللحظة الأولى، إلا أن ما حصل مع وزير الإعلام جورج قرداحي أكد، بما لا يقبل الشك، هذا الموقف، لا بل أكد أيضاً أنّ هذه الحكومة، بالرغم كل محاولات الإنعاش، غير قادرة على إنجاز الحد الأدنى من المطلوب منها.
وتشير هذه المصادر إلى أنه على هامش هذه الأزمة كانت البلاد تشهد مواجهة من العيار الثقيل، عنوانها قانون الإنتخابات النيابية، بين أركان المحورين الحكوميّين، الأمر الذي تظهر بشكل واضح خلال جلسة المجلس النيابي الماضية، من خلال تبادل الإتهامات بين كل من نواب “حركة أمل” و”التيار الوطني الحر”، بعد أن كان موقف الأخير قد أجهض ما حكي عن تسوية تضمن عودة مجلس الوزراء إلى الإجتماع.
يوم أمس، برز إلى الواجهة مشكل إضافي، قد يكون نموذجاً عن الواقع الذي تمر به الحكومة، بين “حزب الله” و”تيار “المستقبل”، بعد أن تولى الأول الدفاع عن قرداحي، وصل إلى حدّ إشارة الثاني إلى أنّ كيله قد طفح من “السياسات العشوائية للثاني، سواء في الملفّات الأمنيّة والسّياسية والاقتصاديّة، وصولاً الى ملفّ العلاقات الخارجيّة واستنزاف قدرات الدولة اللبنانيّة على مصالحة المجتمعين العربي والدولي”.
وفي حين ترى المصادر السّياسية المتابعة أن هذا الموقف يأتي من باب المزايدة السياسية، على أبواب مرحلة الإنتخابات النّيابية، تشير إلى أنّ هذا السجال هو الأقصى منذ أشهر طويلة، حيث كان الحريري المرشح المفضل لـ”حزب الله” و”حركة أمل”، في كل إستشارات نيابية ملزمة لتسمية رئيس حكومة مكلف، وتعتبر أنه يعني، من حيث المبدأ، أنّه يريد الإستثمار في هذا الخلاف لإعادة لملمة وضعه الشعبي.
من وجهة نظر المصادر نفسها، هذا التوجه يعود بالدرجة الأولى إلى أن رئيس الحكومة السابق يدرك جيداً أنه لم يعد يستطيع الإستمرار في سياسة المهادنة، خصوصاً أن هناك على الساحة اللبنانية من هو مستعد للذهاب بعيداً في تقديم أوراق إعتماده للجانب السعودي، حيث أنّ الرياض، منذ أشهر، كانت قد حدّدت أنّ من يريد منها أيّ مساعدة عليه أن يعتمد سياسية مواجهة “حزب الله”.
في المحصّلة، لدى هذه المصادر قناعة بأنّ الإشتباك الجديد هو من نتائج حادثة الطّيونة، بشكل أو بآخر، حيث كان الحريري محرجاً في تبرير موقفه أمام جمهوره، الذي وجد أنّ هناك من يواجه “حزب الله”، بينما هو يتمسك بقرار المهادنة معه، الذي كان قد قاد إلى تراجع في شعبيته، وساهم في بروز العديد من الشخصيات التي تريد المزايدة عليه في هذا المجال.