نبيل عمرو – أساس ميديا
لقد تعزّزت نظريّة الرئيس الراحل بقدرٍ ما حين نسب الاختراق التاريخيّ الذي جسّدته المعاهدة المصرية – الإسرائيلية (معاهدة كامب ديفيد) إلى أميركا، وإلى إدارة جيمي كارتر.
ومن دون إنكار من جانبه لِما أنجزه جيش مصر العظيم في تشرين الأول (أكتوبر) من العام 1973، إلا أنّ ما عناه الرئيس السادات هو قدرة أميركا على الإعاقة، أي إنّها لو قرّرت أن لا تتمّ التسوية فلديها مئة في المئة قدرة على منعها.
استقرّ السلام بين مصر وإسرائيل، وخرجت الجيوش العربيّة الرئيسيّة من حالة الحرب التقليديّة، وثبُتت نظريّة أن لا حرب بدون مصر وأن لا سلام من دون تدخّل أميركا.
غير أنّ العرب، وهذه إحدى مثالب السياسة لدى نظمهم وأصحاب القرار فيها، لم يُحسنوا قراءة عمليّة صناعة السياسة في الدولة العظمى والمؤثّرات الحاسمة في بلورتها، فوقعوا جميعاً في حالات متكرّرة من خيبة الأمل، ليس لأنّ أميركا غدرت أو خدعت أو قصّرت، وإنّما لأنّ معرفتهم بمؤثّرات وآليّات صنع القرار فيها لم تكن كافية ولو بالقدر الذي لا يفاجئهم، ولأنّ لكلّ نظام عربيّ حساباته وطرق عمله ومستوى رهاناته على أميركا. إلا أنّ اللافت في كلّ تجارب العلاقات معها هي التجربة الفلسطينية التي شهدت في فترة قصيرة فصولاً أربعة يصلح كلّ فصل فيها لأن يكون مجمع دروس وعبر.
الفصل الأوّل هو حرب مباشرة وشديدة القسوة ضدّ الفلسطينيّين، وعميقة الانحياز حتى الاندماج مع الإسرائيليّين.
الفصل الثاني هو تهدئة هذه الحرب والدخول في عمليّة ترويض مكثّفة لتحويل الفلسطينيّين عن مسار القتال إلى مسار المفاوضات.
الفصل الثالث هو تبنّي منتج “أوسلو” ورعايته وتوفير ما يحتاج إليه من دعم لإيصاله إلى هدف إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وقد سُمِّي هذا الفصل بشهر العسل.
والفصل الرابع هو الذي نحن فيه الآن، وهو أسوأ الفصول الذي بدأ في عهد الرئيس دونالد ترامب الأكثر قسوة على الفلسطينيّين. وها هو يتواصل في عهد الرئيس جو بايدن الذي فيه قدرٌ من الالتباس. فهو الأسوأ من بين كلّ الإدارات التي سبقت ترامب، وهو الأفضل إذا ما كان المقياس هو ترامب.
تعوَّد أصحاب القرار الفلسطينيّون أن يخاطبوا أميركا كلّما اتّخذت إسرائيل قرارات قاسية بحقّهم، حتى بلغ الأمر بهم أن اعتبروا كلّ ما تفعله إسرائيل بهم هو تحدٍّ لأميركا أكثر ممّا هو تحدٍّ لهم. ومنهم مَن قال إنّ على أميركا أن تردع إسرائيل لوقف تطاولها عليها. وكلّما صدر موقف أميركيّ تلميحاً أو تصريحاً ينتقد سلوكاً إسرائيليّاً يجري تضخيمه كما لو أنّه انقلاب أميركيّ. حتى إنّ تساؤلاً ازدهر هذه الأيام يقول: “هل انتهى شهر العسل بين أميركا وإسرائيل؟”.
العلاقة الأميركية – الإسرائيلية لا شهر عسل فيها ولا شهر بصل. بل هي علاقة بين الدولة الأميركية العميقة ودولة إسرائيل، وهذا ما يجعل الاختلاف مع الحكومات الإسرائيلية مهما بلغت حدّته لا يصل حدّ التأثير على الدولة وقدراتها ووظيفتها الاستراتيجيّة التي صمّمتها أميركا ولم ولن تقصّر يوماً في خدمتها.
هذا هو الوضع الذي قصّر الفلسطينيون وكثير من العرب في فهم خلفيّاته وتوقّع معطياته، إذ يبدو أنّ التعوّد على الاستنجاد بأميركا بات أقوى حضوراً في السياسات من الحرج الذي يوفّره الاعتراف بالحقيقة بكلّ قسوتها.