الهدف إسقاط الحكومة
ناصر قنديل-البناء
– القرار السعودي بقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع لبنان، والسعي لتعميمه خليجياً، رداً على تصريح سابق لوزير الإعلام جورج قرداحي، هو كمن يطلق طائرة حربية بزعم ملاحقة عصفور يزعجه، لا يفسر إطلاقها حجم الهدف المدعى، فالقرار وما سبقه من حملة غضب مفرط يثيران تساؤلات أبعد مدى بكثير من الحدث ورد الفعل عليه، لو سلمنا باعتباره أزعج حكام السعودية، وأبعد مدى حتى من محاولة تحطيم الشخصية الوطنية وروح الكرامة فيها وإذلالها وصولاً لتطويعها، بداعي التمنين بالحاجة للمال، وفي توقيت تبدو السعودية مثقلة بهمها اليمني الآخذ في التسارع نحو الخسارة الكبرى، ويبدو لبنان في ظل حكومة تعاني صعوبة التعافي، فكلما تعافى فيها جرح تفتحت جروح، والمنطقة ولبنان على أبواب استحقاقات كثيرة، تتيح تفسير حال الاضطراب التي تعيشها قوى إقليمية ومحلية، ما يدفعها مواقف وخطوات تصعيدية تحتمل الكثير من المخاطرة والمغامرة وصولاً للمقامرة، كما كانت حال ما فعله التورط في مجزرة الطيونة، أملاً بتداعيات أكبر منها تجعلها في النسيان.
– لا يمكن النظر لحجم الضغط السعودي، والسعي لجعله خليجياً، بالتناسب مع ما تعلنه الحكومة السعودية عن إدارة ظهر تجاه لبنان، أو انزعاج مما يقال بحقها من قبل أطراف لبنانية، فالسعودية منخرطة عميقاً في السياسة اللبنانية، لكن على قاعدة لا للاستقرار في لبنان، ولا لحكومة، أي حكومة في لبنان، وألم يثبت أنه لم يكن مع الرئيس سعد الحريري حصراً، تحت شعار لا للحريري، بل لا للحكومة، لأن شرط اللااستقرار هو اللاحكومة، والذهاب إلى الضغط الأقصى في استعارة لمصطلحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، له وظيفة واحدة، هي الدفع بالانقسام اللبناني تحت عنوان الابتزاز الذي تمثله العلاقة مع السعودية، لوضع مستقبل الحكومة على بساط البحث، عبر دفع فريق لبناني للضغط باتجاه التضحية بالحكومة استرضاء للسعودية إذا تعذر ضبطها تحت سقف الرضا السعودي، وبعد إسقاط الحكومة وما يرتبه من فوضى وانهيار، وإقفال لباب البحث بالحلول السياسية والاقتصادية، والذهاب للانتخابات، يفتح الباب للتدهور الأمني، حيث القوى الحليفة للسعودية تحاول ملء الفراغ في ساحاتها الطائفية.
– خلال سنوات مضت على تولي العماد ميشال عون رئاسة الجمهورية، لم يقم الرئيس بزيارة أي من سورية وإيران، بل بادر في أول زيارة خارجية إلى زيارة السعودية، وضبط إيقاع علاقته بالعرب الآخرين وبسواهم، كالحال مع إيران، على ساعة توقيت عدم إزعاج السعودية، وعندما تحدث وزير الخارجية السابق بكلام تسبب بالغضب السعودي، كان يكفي الاعتذار عن مضمون عنصري ورد فيه بحق البدو، ذهب رئيس الجمهورية لطلب الاستقالة من الوزير شربل وهبة، وخلال كل الفترة الماضية قبل احتجاز الرئيس سعد الحريري وبعد احتجازه، ولبنان بكل أطرافه يدفع فواتير السير تحت سقف ما يرضي السعودية، لكن لبنان لم ينل من كل ذلك سوى المزيد من التجهم والعبوس والتعالي، ومن يراهن أن إقالة أو استقالة الوزير جورج قرداحي ستغير الوضع واهم ومشتبه، ومن يظن أن استقالة الحكومة سيغير الوضع سواء تجاه لبنان أو تجاه من يكون سبباً في استقالة الحكومة، رئيساً أو وزراء، سرعان ما سيكتشف أن لا شيء تغير سوى أخذ لبنان إلى الأسوأ، فليس ثمة مطلب سعودي واقعي من لبنان يتم الضغط لأجل تحقيقه، هناك قرار سعودي بالانتقام من الفشل في لبنان، بدفعه نحو الفوضى واللااستقرار، فما دامت السعودية تفشل في اليمن فيجب إسقاط لبنان على رؤوس أهله، هكذا ببساطة.
– كلام رئيس الحكومة تعليقاً على القرار السعودي عاقل وحكيم، تجاه تأكيد الحرص على السعي لفعل كل ما يخدم تحسين العلاقات مع السعودية، لكن دعوة وزير الإعلام للاستقالة تحت عنوان دعوته لتحكيم ضميره لفعل ما يخدم المصلحة الوطنية، في غير مكانها، وإن ذهبت الأمور بهذا الاتجاه ستكون إهانة مجانية ألحقها لبنان بنفسه بلا مقابل، أما إن تفاقمت الأمور وأودت بالحكومة ووصل رئيسها لحد الاستقالة، فلن تكون بعدها في لبنان حكومة وربما لا انتخابات، ولن يجد الذين فعلوا بنا ذلك لا باباً سعودياً مفتوحاً، وربما لا يجدون وطناً يرجعون إليه بعد السفر.