الحدث

اجتياح المولّدات: لا خيار أمامنا… سنُصاب بالسرطان!

الفلاتر تخفّف من انبعاث «الشحبار» والروائح من دون أن تلغيها (هيثم الموسوي)
الأخبار- رحيل دندش

300% هي نسبة الارتفاع في انبعاثات الغازات السامّة التي سُجّلت أخيراً مع زيادة ساعات استخدام مولّدات المازوت لتعويض انقطاع الكهرباء، ما يعني ارتفاع حدّة تلوّث الهواء بمعدل 8 أضعاف ما كان عليه سابقاً. يعني ذلك، زيادة سنوية لا مفرّ منها في أعداد المصابين بالسرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية والاضطرابات العصبيّة واضطرابات النمو لدى الأطفال والجلطات وغيرها

 

لن يمرّ وقت طويل قبل أن يسجّل لبنان 550 إصابة جديدة سنوياً بمرض السرطان، و3000 إصابة إضافية بمرض الانسداد الرئوي المزمن، ونحو 500 إصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، ناهيك عن ارتفاع في الإصابات بالاضطرابات العصبيّة واضطرابات النمو لدى الأطفال والجلطات، مع زيادة باهظة على الفاتورة الصحية تصل إلى 8 ملايين دولار سنوياً… نتيجة تلوّث الهواء الناجم عن اجتياح المولّدات الكهربائية مع الانقطاع شبه التام لـ«كهربا الدولة».
وقد شهدت سوق المولّدات الصيف المنصرم، ولا تزال، انتعاشاً غير مسبوق رغم ارتفاع سعر صرف الدولار إلى مستويات فلكية، إذ تنتشر هذه، بأحجامها المختلفة وهديرها الصاخب ودخانها الأسود، في كل مكان تقريباً: في الشوارع (مولّدات الاشتراك)، وداخل الأبنية وأمام المحالّ والدكاكين والملاحم وغيرها، من دون أي تنظيم أو رقابة، رغم وجود معايير وضعتها وزارة البيئة. ويصدر عن هذه المولدات التي يعمل معظمها 12 ساعة يومياً بالحد الأدنى، غازات وجزيئات وذرّات سامة هي عبارة عن خليط من الغبار وثاني أوكسيد النيتروجين NO2 وثاني أوكسيد الكبريت SO2 وثاني أوكسيد الكربون CO2 وهيدروكربونات عطرية متعددة الحلقات (PAHs). هذه الانبعاثات تتركّز في مناطق مكتظّة بالسكان وطرق ضيقة تخلو من الممرات الهوائية التي تساعد في تبعثرها وتجدّد الهواء. وقد زادت مستويات الانبعاثات السامة في الهواء بنسبة 300 في المئة أخيراً بسبب تشغيل المولدات لساعات طويلة، وأحياناً على مدار الساعة، ما سيرتب «تداعيات وخيمة على الأوضاع الصحية» وارتفاعاً في عدد الإصابات بأمراض السرطان وغيرها، وفق دراسة حديثة صدرت عن الجامعة الأميركية في بيروت (بإشراف أستاذة مادة الكيمياء المتخصّصة في تلوّث الهواء نجاة عون صليبا والباحثين قاسم إبراهيم الحسيني وميريام معماري وكريستال ملحم ومارك مرهج). علماً أن تلوث الهواء مزمن في لبنان، وتحديداً في بيروت، بسبب غازات المصانع وتلك المنبعثة من عوادم السيارات والمطامر. ومع هذا المستجد ستزداد المشكلة تفاقماً وتسفر عن «تلوّث حادّ في الهواء بمعدل 8 أضعاف ما كان عليه» سابقاً بحسب ما تشير الدراسة الجديدة.

«الوضع كارثي» تقول صليبا لـ«الأخبار»، إذ إن «لا خيار أمامنا… سنُصاب بالسرطان»، لافتة إلى أن تركيب «فلاتر» للمولّدات لضبط الانبعاثات السامة التي تصدرها يخفّف من تركيزها ولا يلغيها. ولكن، «على الأقل ليطبقوا القانون».
ويؤكّد خبراء أن التلوّث لا ينجم فقط عن المولّدات الصغيرة، كما يعتقد كثيرون، إذ إن كاتم الصوت الذي تُزوّد به المولّدات الكبيرة يوحي بأنها تؤدي إلى تقليل الانبعاثات، فيما الحقيقة أنه كلما زادت قوة المولد الكهربائي زادت انبعاثاته ومخاطره على الصحة والبيئة. ويؤكّد أحد تجار المولّدات لـ«الأخبار» أن كل مولّد بقوة تبدأ من 13 Kva إلى أقصى قوة (500 kva)، «يحتاج إلى تعديلات تساوي سعره على الأقل ليكون صديقاً للبيئة»، مشيراً إلى أن «الفلاتر تخفّف من انبعاث الشحبار والروائح من دون أن تلغيها».
ووفق منظمة الصحة العالمية، فإن تلوّث الهواء «قاتلٌ صامت» يتسبب بنحو 4.2 ملايين وفاة في السنة. وكانت دراسة أخرى للجامعة الأميركية في بيروت، عام 2012، حول نوعية الهواء في منطقة الحمراء، كشفت أن تشغيل مولّدات المازوت لمدة 3 ساعات فقط يومياً يزيد بنسبة 38 في المئة تعرُّض السكان لملوّثات خطيرة في الهواء مثل ثاني أوكسيد النيتروجين، وبمعدل أعلى بنسبة 50 في المئة من الحدود التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية واعتبرتها آمنة. كما أن أكثر من 96 في المئة من سكان العاصمة معرّضون لتنشق أكثر من 40 ميكروغراماً في المتر المكعب الواحد من الغازات الملوّثة على مدار السنة، ما يتخطى بأشواط الحد الآمن للتلوث الذي وضعته وكالة حماية البيئة الأميركية، وهو 12 ميكروغراماً لكل متر مكعب.
الدراسة تطرّقت أيضاً إلى الانعكاسات الاقتصادية للاستعانة بمولّدات المازوت لمعالجة أزمة الكهرباء، وحثّت على إيجاد حل للتعثّر الذي تعانيه مؤسسة كهرباء لبنان في تأمين التيار، «وهذا أكثر فائدة وأقل كلفة في المدى الطويل، في ضوء الكلفة الباهظة التي يتكبّدها لبنان نتيجة هذا التعثّر على صعيد الخسائر البشرية والاقتصادية». لذلك، فإن التوصية الأولى للدراسة حول الإجراءات التي من شأنها تخفيف تأثير تلوّث الهواء في لبنان على الصحة، هي «إنتاج الكهرباء عبر شبكة عامة بدلاً من بحث الأفراد عن حلول خاصة، يبقى معها التلوّث أقل بكثير من وجود المولدات الكهربائية بين المباني السكنية»، و«اعتماد مصادر الطاقة المتجددة والصديقة للبيئة». وعلى الصعيد الفردي، أوصت «الأشخاص الذين يقيمون على مقربة من مولّدات المازوت بإبقاء النوافذ مغلقة، وتشغيل المكيّفات، وفحص فلاتر المكيّفات بصورة منتظمة وتنظيفها عند الاقتضاء، فضلاً عن أهمية الانتقال الى الجبال والطبيعة لتخفيف حدة التلوّث وأضراره».

انتعاش سوق «الموتورات»
تعمل في لبنان نحو 15 إلى 20 شركة في تجارة المولّدات الكهربائية، حقّقت الصيف الماضي أرباحاً ضخمة نتيجة ارتفاع الطلب على المولّدات التي تعتمد غالباً على الديزل السائل من مختلف الأحجام، خصوصاً مع قدوم المغتربين صيفاً. وسُجّلت زيادة كبيرة في الطلب على المولّدات الصغيرة بقوة 3kva إلى 5kva التي تتميز بصوتها الهادر وتُستخدم خصوصاً في المحالّ الصغيرة والمتوسطة من متاجر وملاحم وصالونات حلاقة، وتراوح أسعارها بين 700 إلى 1500 دولار. أما المولّدات بقوة 13- 15- 20- 30- 45 kva فزادت مبيعاتها بنسبة 20 في المئة بحسب أحد التجار، وأغلبها يُستخدم في البيوت والفيلات، وتراوح أسعارها بين 6 آلاف دولار و 10 آلاف. نسبة الزيادة نفسها شهدتها مبيعات المولدات بقوة 60- 80- 100- 150- 200 kva المخصّصة للمباني والمؤسسات التجارية والمحالّ الكبيرة. أما المولّدات من فئة 350 kva إلى 500 kva التي يشتريها عادة أصحاب مولّدات الاشتراك فلم تشهد زيادة في الطلب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى