مصطفى الأنصاري
عندما قالت المجلة الأميركية الشهيرة “فورين آفيرز”، إن إيران على ما يبدو ستصبح دولة نووية في نهاية المطاف، لم تكن تتحدث من فراغ. هذا ما صادقت عليه جولة المبعوث الأميركي إلى إيران روبرت مالي، وهو الذي تباحث مع الخليجيين والأوروبيين في ما يمكن تسميته باليوم التالي لامتلاك إيران سلاحاً نووياً.
وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده عبر الهاتف فور نهاية جولته، وحضرته “اندبندنت عربية” حاول التركيز على جهود مباحثاته مع حلفاء واشنطن الإقليميين، إلا أن الصحافيين كان تركيزهم على شيء آخر هو “الخطة ب”، في حال لم ترغب طهران الدخول في مفاوضات جادة، وسط مسارعة خطاها نحو “القنبلة النووية”، أو ما هي ملامح اليوم التالي لإعلان الإيرانيين أنفسهم قوة نووية؟
هنا يجيب المبعوث بصراحة قائلاً، إن لدى بلاده مساراً آخر غير التفاوضي “لم يأمل أي شخص تحدثنا معه أن يحصل، ولكن قال الجميع إننا بحاجة إلى الاستعداد له على الأقل، وهو أن تختار إيران اتجاهاً مختلفاً وتواصل تأخير استئناف المحادثات أو تقديم مطالب تتجاوز معايير خطة العمل المشتركة الشاملة بشكل واضح”، لكنه رفض التصريح بتفاصيل ما يترتب على ذلك، لكن التكهنات تشير إلى أنه يبحث عملاً عسكرياً، بدليل أنه ذكر أن أحداً لم يأمل أن يحدث.
لغز “الأدوات الأخرى“
وأضاف “نحن نشعر بقلق متزايد من أن إيران تسلك هذا المسار، لذا وجب أن نناقش نهجنا تجاه هذا الواقع المختلف مع شركائنا وحلفائنا. هذا مسار مختلف. إيران هي من ستختار المسار الذي ترغب سلوكه. إذا اختارت المسار الثاني… اسمحوا لي أن أضيف أن الرئيس بايدن والوزير بلينكن قد قالا، إن لدينا أدوات أخرى في حال فشلت الدبلوماسية وسنستخدم تلك الأدوات لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، وسأكتفي بأن أشدد على هذا الالتزام”.
لكن الإشكال أن طهران ربما تصل إلى مرحلة الانشطار من دون أن تعلن ذلك، خشية ضغط دولي أو رد عن طريق هجوم سيبراني على الأقل، ولذلك كان التساؤل عما إذا كانت واشنطن ستدعم خطة هجوم عسكري إسرائيلي يتردد أنه أصبح واضح المعالم للرد، ليضيف مالي ” لم يقفل الباب أمام الدبلوماسية ولن يغلق أبداً. نحن منفتحون دائماً على الترتيبات الدبلوماسية مع إيران، ونعتقد أنه لا يمكن حل هذه المسألة إلا بالطرق الدبلوماسية.
السؤال هو أولاً ما إذا كان لا يزال يمكن إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، وكما قلت، تصبح الخطة أكثر هشاشة مع تسريع إيران خطواتها النووية واتخاذها خطوات لا تتسق أبداً مع الخطة، وتعيق عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي يتعين أن تكون عيون المجتمع الدولي وآذانه ليعرف ما يحدث في إيران”.
بين نفاد الصبر وتفضيل الدبلوماسية
سوى ذلك عاد المبعوث إلى السياق المعتاد نفسه للإدارة الأميركية، وقال “أعتقد أننا نتشارك نفاد الصبر. إن آخر جلسة للمحادثات في فيينا كانت منذ أشهر عدة. يمكننا أن نتفهم هذا الوضع الراهن في الفترة الانتقالية والانتخابات هناك. ولكن يصعب تفسير هذا الوضع في هذه المرحلة وإيجاد تفسير بريء لاستغراقهم كل هذا الوقت. وأعتقد أن كافة من تناقشنا معهم قد شعروا بالشيء عينه. يشعرون أنه من الضروري استئناف المحادثات في فيينا وبطريقة بناءة في أقرب وقت ممكن”.
ونقل أن الرغبة المشتركة لكافة من تحدث إليهم كانت العمل معاً للتنسيق عن كثب لمعالجة البرنامج النووي الإيراني، وأنشطة إيران الإقليمية إلى جانب البرنامج النووي، وأن “كافة من تحدثنا معهم يفضلون الدبلوماسية إلى حد بعيد وجهود محاولة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، وإيجاد طرق لإشراك إيران اقتصادياً بما يتسق مع إمكانية رفع العقوبات إذا حدث ذلك”.
مع إمكانية تحقق أحد المسارين التفاوضي في فيينا أو الردعي حسب ما فهم الإعلاميون من تصريحات مالي، فإنه على حد تعبير مسؤول كبير من إحدى دول مجلس التعاون الخليجي، “كل يوم يمر وتؤجل فيه إيران أو تماطل أو لا تتخذ موقفاً متسقاً مع موقف تفاوضي عادل للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، هو يوم تحرم فيه من تخفيف العقوبات، بالتالي من الفرص الاقتصادية التي ستتيحها العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. لذا كل يوم يمر هو يوم ضائع بهذا المعنى، وهذه رسالة واضحة سمعناها من شركائنا في دول مجلس التعاون الخليجي”.
المسؤول الأميركي يؤكد أنه سمع من بعض من تحدث إليهم من الخليجيين الذين تفاعلوا بشكل مباشر مع الحكومة الإيرانية الجديدة، أن “طهران تعبر عن رغبتها في تحقيق نتائج عملية وتصميمها في تحقيق نتائج مماثلة”، معلقاً بأنه على الرغم من رغبة أميركا هي الأخرى بالعودة إلى مسار فيينا، فإن “الوقت ليس في صالحنا. لقد قلنا ذلك وكرره الوزير مرات عدة، الوقت ليس في صالحنا. لا يمكن أن تدوم خطة العمل المشتركة الشاملة إلى ما لا نهاية”.
تراجع عن مثل الثورة العليا
وتنظر إيران بحسب وزير خارجيتها السابق محمد جواد ظريف إلى الاتفاق النووي مع الغرب باعتباره اختباراً ونقطة تحول في “طريق رفع مستوى الوعي والحكمة الوطنية للإيرانيين، الذين يرون أن الارتباط بالشرق والغرب في عالم السياسة لا طائل من ورائه”، في وقت كان المثل الأعلى للثورة الإسلامية هو إنكار قوة الغطرسة للحفاظ على استقلال البلاد. حسب التعريف الذي نشره ظريف لكتابه الجديد، الذي يروي فيه أسرار المفاوضات النووية.
في هذا السياق خلصت دراسة حديثة صادرة عن المعهد الملكي للشؤون الدولية “شاتام هاوس” في بريطانيا إلى أن الأمن الإقليمي في المنطقة يحتاج إلى إعادة نظر، وذلك بعد إجراء باحثي المعهد مقابلات مع 210 شخصيات سياسية واقتصادية من مختلف دول الشرق الأوسط.
وخلصت نتائجها التي قدمتها أخيراً في السعودية الباحثة التي شاركت في إعدادها سنام وكيل، إلى أن “خطة العمل المشتركة” على الرغم من الجدل الذي أثارته في منطقة الخليج إلا أنها جاءت في طليعة مقترحات “النموذج الأمني الأكثر نجاعة في الشرق الأوسط” بنسبة 45 في المئة، وفقاً لإجابات من استقصى المعهد آراءهم.
واعتبرت الدراسة التي استضاف مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث نقاشها أخيراً أن مشكلات الأمن الإقليمي في المنطقة العربية متعددة، وأنها تبعاً لذلك “بحاجة ماسة إلى إطار عمل للأمن”، إذ تشكل صراعاتها وحروبها المتعددة، والمنافسة الشديدة بين الدول الإقليمية الرئيسة وتحديات الحوكمة المستمرة، جميعها تهديداً عميقاً جداً لرفاهية سكان المنطقة وسبل عيشهم.
ورجحت الورقة في خلاصتها أن الظروف مواتية الآن من أجل “الوصول إلى إطار عمل أمني إقليمي يبدأ من الآن”، إلا أن ذلك سيتطلب استثماراً دولياً وإقليمياً في إدارة الصراع وبناء الثقة، لافتة إلى سحر “التبادل التجاري” والمصالح الاقتصادية في تراجع حدة الخلافات السياسية.
الحلول الإقليمية أكثر نجاعة
ولم تجد الباحثة وزملاؤها حرجاً في الإقرار بأن معالجة دور التدخل الإيراني في النزاعات والبلدان الواقعة خارج حدودها، هو مفتاح تلك العملية، ولكن إذا كان هناك أي احتمال للتحسن في العلاقات الإقليمية، “فلا تحتاج إيران فقط إلى الاعتراف بالتأثير العكسي لدعمها المالي والعسكري للجماعات التي تعمل بالوكالة في جميع أنحاء المنطقة، وإنما يتعين أيضاً على الدول العربية الاعتراف بأنها تتحمل مسؤولية القيادة، كما أن الحلول الإقليمية تحقق فرص نجاح أفضل”.
وتكمن الخطوة العملية لإنهاء الصراعات في المنطقة، ومن ثم إيجاد آلية مشتركة للتفاهم حول الأمن الإقليمي، في عودة واشنطن وطهران إلى الاتفاق النووي مجدداً، إلى جانب الشروع في مسارات لحل الأزمات الأخرى مثل “التركيز على الحروب في اليمن وسوريا، وبناء قدر أكبر من التضامن بين دول مجلس التعاون الخليجي، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وخلق تدابير بناء ثقة ذات مغزى” بين الدول، بحسب التقرير.
اللافت أن التقرير على الرغم من تأكيده أن الثقل الدولي مهم للتوافق بين القوى الإقليمية، إلا أنه لا يرى انسحاب أميركا في المنطقة عائقاً، فهي “ستستمر في مسارها المتمثل في فك الارتباط في الشرق الأوسط والمنافسة مع روسيا والصين في ظل رئاسة بايدن، لكن مع ذلك فإن تغيير الإدارة في واشنطن يخلق فرصة واضحة للتعاون متعدد الأطراف وإدارة الصراع في الشرق الأوسط، بالاعتماد على الموارد والدعم من أوروبا وروسيا والصين”.
المصدر: اندبندنت عربيّة