المصدر: صحيفة الاحداث
يصر الأمين العام للجامعة العربية احمد ابو الغيط منذ فترة على انه ليس هناك توافق حتى الآن بشان إمكانية عودة سوريا إلى الجامعة العربية وهو ما تمسك به مجددا خلال زيارته الأخيرة إلى تونس وتصريحاته المقتضبة حول هذا الملف.. إذ وبرغم المؤشرات الكثيرة حول ذوبان الجليد الحاصل بين دمشق وبين عدد من العواصم العربية فان موقف الجامعة العربية يظل جامدا ومغيبا عن جملة القضايا المصيرية في علاقة بسوريا وحتى بغيرها من القضايا التي لم تعد تقبل التأجيل والهروب إلى الأمام على امل ان تحدث معجزة تقود الى حل الملفات المستعصية والتي باتت تحتاج الى عقلية مختلفة وديبلوماسية متمردة على السائد والمألوف في ادارة دواليب الجامعة التي فشلت في مختلف الاختبارات السياسية خلال العقد الاخير وعجزت على المساعدة في حل الصراعات والخلافات وتفادي او التقليل من الخيارات العسكرية والحروب المدمرة والخراب الذي ادت اليه.
المثير في تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية وهو احد الاعضاء المؤسسين للجامعة انها اختارت الحل الاخطر والاسوأ الذي لم تذهب اليه منظمة الامم المتحدة التي لم تعلق عضوية سوريا وظل سفيرها في الامم المتحدة ناشطا ومواكبا لمختلف الاحداث الكبرى… لسنا في اطار استباق الاحداث او الانسياق وراء الاوهام اذ ورغم تعدد المؤشرات حول العلاقات السورية العربية فلا شيء يمكن ان يؤكد انعقاد القمة العربية في الجزائر ولا شيء يمكن ان يحسم بشان استعادة سوريا مقعدها في الجامعة العربية.. اذ يظل هناك فيتو خفي ليس من الواضح من يمسك به او من يصر على رفعه وهو فيتو يقف دون تحقيق هذا الهدف وربما يكون هدفه منح ما يكفي من الوقت للقوى الاقليمية والدولية في هذا البلد من إنهاء مخططاتها وتحديد ما ستكون عليه المعركة القادمة عندما يحين فتح الأبواب لإعادة اعمار سوريا.
كثيرة هي المؤشرات التي توحي بان عودة سوريا الى محيطها العربي باتت وشيكة في ظل تواتر اللقاءات والاتصالات بين دمشق وبين عواصم عربية كانت قبل سنوات تتصدر الموقف الرافض لعودة سوريا الى موقعها الطبيعي السابق في الجامعة العربية وتشترط الا يكون ذلك قبل اسقاط نظام الاسد والذي استطاع اليوم وبعد مضي عشر سنوات ان يكذب كل التنبؤات بان مصيره سيكون شبيها بمصير من سبقوه من رؤساء وقادة الدول العربية الذين سقطوا مع انطلاق ما سمي في حينه بموسم الربيع العربي الذي انطلق من تونس وانه سيلتحق اجلا او عاجلا ببن علي في تونس او مبارك في مصر او القذافي في ليبيا او كذلك عبد الله صالح في اليمن.. بل ان الرئيس السوداني عمر البشير غامر في 2018 بالسفر جوا ولقاء الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق عندما احتدت من حوله المظاهرات الاحتجاجية والمطالب بخلعه عن السلطة.. والبقية معلومة سقط نظام البشير وسجن الرئيس السوداني السابق الذي بات مطلوبا للجنائية الدولية وبقي الأسد في الحكم بعد أن تحركت إيران وروسيا لإنقاذه.
اليوم تعود بعض التحركات باتجاه إحياء العلاقات المجمدة مع سوريا وإعادة إحياء العلاقات الاقتصادية والتجارية بعد فتح الحدود مع العراق والأردن وعودة الحياة إلى العلاقات مع لبنان في خضم استفحال أزمة الوقود وتحرك حزب الله لتوريد حاجيات اللبنانيين وتخفيف وطئ الأزمة بتامين وصول حاجيات لبنان من الوقود من إيران الأمر الذي يبدو انه حرك سواكن واشنطن ودفعها لتوجيه إشارات خضراء خافتة بإمكانية تامين هذه الاحتياجات من سوريا عبر ما يسمى بخط الغاز العربي.. قبل قمة تونس العربي كان هناك بوادر مماثلة بعودة سوريا إلى موقعها في الجامعة العربية وهو ما كان الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي يأمل في تحقيقه وتصحيح موقف تونس التي انطلق منها إعلان ما عرف ببيان أصدقاء سوريا خلال زيارة هيلاري كلينتون بمقاطعة هذا البلد اثر اندلاع الاحتجاجات الشعبية التي ستتحول إلى احتجاجات دموية أنهكت الشعب السوري.
ولكن يبدو أن الموقف الخليجي الإماراتي والسعودي والقطري آنذاك لم يكن مستعدا للتراجع على خلاف سلطنة عمان التي لم تشأ قطع علاقتها مع دمشق.. وهو أيضا ما ذهبت إليه بعض الدول بينها الجزائر التي لم تقطع علاقاتها بسوريا، وليس من الواضح إن كانت الجزائر التي تستعد لاحتضان القمة العربية القادمة ستنجح في كسب التأييد المطلوب لتسجيل عودة سوريا إلى الجامعة واستعادة دمشق مقعدها كما حدث بعد تعليق عضوية مصر في أعقاب توقيع اتفاقيات السلام لمنفردة مع إسرائيل بعد زيارة الرئيس الراحل السادات ونقل مقر الجامعة إلى تونس بعد ذلك طوال عقد من الزمن لتستعيد مصر مقعدها في الجامعة العربية وتستعيد احتضان المقر على أرضها فيما بقي اتفاق السلام المصري الإسرائيلي قائما.
ستعود سوريا إلى موقعها يوما ما ليس مهما إن كان ذلك زمن الأسد أو بعده فالتاريخ يمكن أن يتغير ولكن الجغرافيا باقية لا تتغير.