بخطى مترنّحة تسير حكومة الرئيس نجيب ميقاتي منذ ولادتها، حتى بدت منذ لحظة التقاط أنفاسها الأولى وكأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة تحت وطأة وابل من “الرشقات النارية” التي أطلقتها مكوناتها باتجاه الداخل والخارج، فارتدّت عكسياً على “البدن الحكومي” وأصابته إصابات حرجة ومحرجة أمام المجتمعين العربي والدولي… من “الأضرار الجانبية” التي لحقت بالحكومة جراء “الاجتياح” الإيراني للسوق النفطي، مروراً بالوصمة التحاصصية التي صبغت تعييناتها وهشّمت صورتها الإصلاحية، وصولاً إلى مشهدية الطيونة وإسقاط “حزب الله” القناع التخصصي عن وزرائها بضربة قاصمة للتحقيق العدلي، شلّت عمل مجلس الوزراء وكشفت عن وجهه الحقيقي الملحق بقوى 8 آذار.
وإذا كان رئيس الحكومة نجح حتى الأمس القريب في تلقف كل “الرشقات الصديقة” في صدره محافظاً على سياسة “النفس الطويل” في محاولته السير قدماً باتجاه إصلاح ذات البين الحكومية مع الدول الشقيقة والصديقة، لكن ما قبل 26 تشرين الأول على ما يبدو لن يكون كما بعده، بعدما أردت “الطلقة الحوثية” التي أطلقها وزير الإعلام جورج قرداحي كل الجهود الحثيثة التي يبذلها ميقاتي لإعادة وصل ما انقطع تحديداً مع المملكة العربية السعودية، لا سيما وأنّ “الإعلامي” قرداحي الذي جاهر في 5 آب الفائت بتعاطفه مع الحوثيين في مواجهة “العدوان” السعودي والإماراتي، أعاد أمس بصفته “وزير الإعلام” في حكومة ميقاتي التأكيد على موقفه نفسه، باعتباره موقفاً نابعاً من قناعات “شخصية” لا تلزمه بالاستقالة من الحكومة أو الاعتذار من السعودية والإمارات.
وبهذا المعنى، أتى كلام وزير الإعلام التصعيدي أمس في مواجهة “الدول والسفراء والأفراد الذين يملون علينا من يبقى في الحكومة ومن لا يبقى”، ليصيب حكومة ميقاتي برصاصة “حوثية” قاتلة بالرأس، أجهزت على آمالها باستعادة علاقاتها العربية والخليجية عموماً، والسعودية على وجه الخصوص، بشكل لم تعد تنفع معه “الإسعافات الأولية” التي لجأ إليها ميقاتي لإعادة إنعاش حكومته، سواءً ببيانه المسائي من السراي أو بتصريحه الصباحي من قصر بعبدا، تنصّلاً من تبعات كلام قرداحي.
ولعل ذلك ما بدا جلياً من خلال سيل الإدانات والاستدعاءات للسفراء اللبنانيين في دول الخليج بغية تسليمهم مذكرات احتجاج رسمية على تصريحات وزير الإعلام “المسيئة”، كما جاء في بيان وزارة الخارجية السعودية أمس، بالتزامن مع إعلان المملكة تصنيف جمعية “القرض الحسن” في لبنان “كياناً إرهابياً” لارتباطها بأنشطة داعمة لـ”حزب الله”. وفي السياق نفسه، استدعت دولة الإمارات السفير اللبناني لديها احتجاجاً على تصريحات قرداحي “المشينة والمتحيّزة” حيال الحرب في اليمن، واضعةً في بيان صادر عن وزارة خارجيتها هذه التصريحات في خانة “المهاترات التي تنمّ عن الابتعاد المتزايد للبنان عن أشقائه العرب”.
كما توالت الاستنكارات الخليجية، سواءً من قبل مجلس التعاون الخليجي الذي رأى أمينه العام أنّ تصريحات قرداحي “تعكس فهماً قاصراً وقراءة سطحية للأحداث في اليمن”، أو من قبل الكويت والبحرين واليمن التي استغربت تناسي وزير الإعلام اللبناني في مواقفه “جرائم الميليشيات الحوثية ضد الشعب اليمني، وانقلابها على الحكومة الشرعية، ومحاولتها الاستيلاء على السلطة بالقوة المسلحة واستمرار رفضها لكل دعوات السلام، في تحدّ واضح للقرارات الأممية”.
على أنّ التداعيات السلبية لتصريحات قرداحي امتدت كذلك إلى مقرّ عمله السابق الذي كان قد أطلقه في فضاء الشهرة التلفزيونية، بحيث استرعى الانتباه، بالتزامن مع إعلان مجموعة “mbc” إقفال مكاتبها نهائياً في لبنان، إبداء رئيس مجلس إدارتها وليد آل ابراهيم استنكاره الشديد “لما ساقه وزير الإعلام اللبناني من اتهامات مغرضة استهدفت السعودية والإمارات”، مشدداً على كون مواقفه هذه “لا تُعبّر إلا عن الآراء السياسية المنحازة والمنحرفة، والمجحفة بحق مواجهتنا للاعتداءات الإرهابية على أهلنا وأراضينا في المملكة، والعابرة للحدود والقيود، في لبنان واليمن والعراق وغيرها من الدول العربية التي تخضع لمنطق الإرهاب وسطوة السلاح”.
أما على المقلب الآخر من المشهد اللبناني، فكانت معراب أمس “تحت حراسة شعبية” مشدّدة ومتشددة في إبداء الدعم والتأييد لرئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في المواجهة المفتوحة التي يخوضها “حزب الله” ضده على خلفية أحداث الطيونة، فتقاطرت الحشود والوفود المؤيدة لجعجع من عدة مناطق، مروراً ببكركي ووصولاً إلى معراب “رفضاً لتسييس القضاء وملاحقة المعتدى عليهم”، كما نوّه جعجع في تغريدة شكر وجّهها للمتظاهرين، مشيراً إلى أنّ تضامنهم معه أتى “دعماً للتحقيق في انفجار المرفأ وتأكيداً أن المرتكب في المرفأ وعين الرمانة لن يفلت من العقاب”.
وفي هذا السياق، جددت مصادر قواتية “رفض أي مقايضة” بين قضيتي المرفأ والطيونة، معتبرةً أنّ البطريرك الماروني بشارة الراعي عبّر من عين التينة أول من أمس عن مواقفه، بينما الموقف القواتي “واضح في دعم المحقق العدلي القاضي طارق البيطار إلى أبعد حدود، ورفض تجزئة ملف التحقيق العدلي في جريمة 4 آب، والاستمرار بالتمسك الحازم بوجوب مثول جميع المدعى عليهم أمام المحقق العدلي من دون أي استثناءات”.