ملاك عقيل -أساس ميديا
عقب إعلان البطريرك بشارة الراعي عن “حلٍّ دستوريٍّ” لأزمة تحقيقات انفجار المرفأ وأحداث الطيّونة، كان مُنْطَلَقُه عين التينة وتمّ التوافق عليه مع الرؤساء الثلاثة على أن “يبدأ التماس نتائجه اعتباراً من صباح الأربعاء”، شنّ النائب جبران باسيل على الرئيس نبيه برّي ورئيس حزب القوّات سمير جعجع هجوماً عنيفاً بدا تمهيداً لمعركة صاخبة ستشهدها قاعة الأونيسكو (المقرّ المؤقت لمجلس النواب) اليوم.
وشهد يوم أمس اشتباكات بالأعيرة الكلاميّة الثقيلة بين التيار الوطني الحر من جهة، وكلّ من القوّات وحركة أمل من جهة أخرى، مؤذناً بمداولات حامية اليوم قد لا تتسلّل منها أيّ مخارج لأزمة التحقيق العدلي في قضية المرفأ.
وقد أتى الهجوم الباسيليّ “على كعب” المسعى البطريركيّ الذي يجزم كثيرون أنّه انطلق أساساً بهدف توفير المظلّة الكنسيّة لسمير جعجع ولرفض مثوله أمام محقّقي الاستخبارات، ومحاولة إيجاد مخرجٍ لقطع الطريق أمام “استجواب زعيم مسيحيّ”.
أعاد باسيل تأكيد ما سمّاه “تواطؤ ثنائيّ الطيّونة”، “الذي شفناه بالشارع على دم الناس وفي مجلس النواب على قانون الانتخاب وحقوق المنتشرين. وبكرا (اليوم) رح نشوفه بالمجلس وبالقضاء على ضحايا انفجار المرفأ والطيونة سوا”، ملمّحاً إلى حصول مقايضة في هذا السياق. وقال: “لا لطمس الحقيقة في أكبر انفجار شهده لبنان والعالم مقابل توفير براءة المجرم”.
وقالت مصادر التيار الوطني الحر لـ”أساس”: “ما حدث في الطيونة كان مُدبَّراً بتواطؤ “ميليشياوي” خبيث لخلق قضية في مقابل قضية المرفأ. وما لم يكن متوقّعاً هو وقوع هذا العدد من القتلى، مع العلم أنّ غزوة 14 تشرين الأول لم يشارك فيها عناصر حزب الله، بل فقط حركة أمل. أمّا اليوم فهناك مقايضة علنيّة ستقع تغسل يدي الطرفين من القضيّتين وتبرِّئ المرتكبين، وعلى رأسهم جعجع”.
فصل الطيونة عن المرفأ
لكنّ مرجعيّة متابعة تجزم أنّ “الملفّيْن مفصولان تماماً، ولكلٍّ منهما وضعه القانوني وحيثيّته المختلفة. ليس من صفقة في هذا السياق، لكنّ باسيل يستشعر مأزق الحالة المسيحية التجييشيّة لمصلحة جعجع، ويتصرّف على هذا الأساس”.
وتضيف المرجعيّة: “ما يُقال عنه أنّه حلّ دستوري يُعمل عليه، هو المسار الطبيعي والدستوري الذي كان يُفترَض بالمحقّق العدلي أن يحترمه لناحية التسليم بصلاحيّة المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء والنواب في الملاحقة والمحاسبة. ومن هنا تحديداً بدأ المسار المنحرف للتحقيق العدلي. واليوم يجري العمل على الآليّة القانونية التي تعيد ترتيب الصلاحيّات وفق الأصول. أمّا التحقيقات في ملفّ أحداث الطيّونة فباتت أمام النيابة العامّة العسكرية. ولمفوّض الحكومة أن يتّخذ ما يراه مناسباً من إجراء بعد رفض جعجع المثول أمام فرع التحقيق في مديريّة الاستخبارات”.
وبعد طلب القاضي فادي عقيقي من استخبارات الجيش ختم التحقيق، يمكن للأخير، وفق مصادر قضائية، استكمال التحقيق بنفسه، وإصدار المذكّرة التي يستوجبها هذا التحقيق. مع العلم أنّ عقيقي أحال الجزء الأكبر من الملفّ إلى قاضي التحقيق الأوّل بالإنابة القاضي فادي صوّان.
وبينما نفت أوساط الفريق الشيعيّ حصول أيّ مقايضة بين الملفّيْن، أتى الردّ المباشر على كلّ ما سبق من اتّهامات عن حلٍّ تسوويّ على خطّ المرفأ – الطيّونة من جانب كتلة التحرير والتنمية التي طالبت بـ”إنزال أقسى العقوبات بالذين أطلقوا رصاص غدرهم على المدنيين والشهداء”، لكن من دون أن تسمّي القوات بالاسم، وشدّدت على “كشف الحقيقة في جريمة المرفأ بعيداً من التسييس”. وفي ردّ ضمنيّ على باسيل، طالبت الكتلة بـ”عدم الانجرار إلى حملات التجييش الطائفية والمذهبية والمناطقية لغايات شعبوية، والاستثمار في الدماء لأغراض انتخابية رخيصة”.
كفّ يد البيطار مؤقّتاً
وبرز في إطار المواجهة المستمرّة مع البيطار تقدّم وكلاء الوزيرين السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر بدعوى أمام الهيئة العامّة لمحكمة التمييز (غير المكتملة الأعضاء بسبب الشغور فيها) لتحديد المرجع الصالح لردّ المحقّق العدلي.
وفي السياق نفسه، واستباقاً للموعد المحدّد اليوم لمثول الرئيس حسان دياب أمام البيطار، تقدّم وكلاؤه أمس بدعوى مخاصمة الدولة عن أخطاء القاضي البيطار.
وفور تبلّغ الأخير بالدعوى المقامة ضد الدولة ممثّلة برئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل كُفَّت يده إلى حين بتّ محكمة التمييز بالدعوى. وهذا ما سيؤدّي حكماً إلى تأجيل الجلسات المحدّدة لدياب.
وسُجِّل تقديم دعوى نقل للارتياب المشروع بالقاضي البيطار من قبل المواطن هشام حيدر أحمد في سابقة هي الأولى من نوعها.
أمّا على خطّ جلسة مجلس النواب المخصّصة اليوم لإعادة إقرار التعديلات على قانون الانتخاب بعد ردّها من رئيس الجمهورية، برز اقتراح بصفة معجّل مُكرّر تقدّمت به القوات اللبنانية لإسقاط حصانة الموظفين في جريمة المرفأ من خلال تعليق العمل بالمادة الـ61 من نظام الموظّفين.
وفي حال إقراره سيسمح للقاضي البيطار بملاحقة المدير العام للأمن العام والمدير العام لأمن الدولة وأيّ موظّف من دون الحصول على إذن من مرجعه الإداري.
وطرْحُ القانون في هذا التوقيت دَفَع مصادر سياسية إلى “إدانة حزب القوات الذي يتهرّب رئيسه اليوم من مجرّد تقديم إفادته كشاهد أمام محقّق عسكري مزنِّراً نفسه بحصانة ذاتية وحزبية ومناطقية خلافاً للقانون، فيما تقوم الكتلة المحسوبة عليه بتقديم اقتراح قانون لإسقاط الحصانات في مسعى قد يؤدّي إلى تمكين “مُرتكبين” من توريط أبرياء. وينسحب الأمر نفسه على موقف القوات من دعم القاضي البيطار على الرغم من مخالفته للقوانين”.
أمّا على صعيد استئناف جلسات مجلس الوزراء، لم تقُد زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الصباحيّة للقصر الجمهوري أمس إلى أيّ حلحلة بهذا الاتّجاه. وتقول مصادر السراي لـ”أساس”: “اللقاء كان متّفقاً عليه مسبقاً قبل جولة البطريرك الراعي. وبناءً على التطوّرات الراهنة لا جديد حكوميّاً، أقلّه حتى عودة الرئيس ميقاتي من مؤتمر المناخ الدولي، فيما اليوم مخصّص لجلسة الهيئة العامّة لمجلس النواب”.