} عمر عبد القادر غندور*-البناء
كان لغبطة البطريرك الماروني بشارة الراعي في مناسبة انعقاد السينودس تصريحاً لافتاً يتلاقى مع عدة تصريحات خاصة لأصحاب الرؤوس الحامية حول جريمة الطيونة، وخصوصاً ما قاله البطريرك من انّ القضاء هو علاج الأحداث، وهو كلام صحيح إذا كان القضاء سليماً لا يشوبه عيب ولا ارتياب. ويمضي غبطته ويقول: نرفض ان يتحوّل من يدافع عن بلده وأهله وبيئته لقمة سائغة ومكسر عصا، ويضيف انّ هؤلاء وغيرهم حافظوا على لبنان وقدّموا في سبيل وحدته الاف الشهداء وجميع المغامرات سقطت في لبنان، ولو ظنّ أصحابها أنها قابلة للنجاح ولبنان ليس مغامرة بل رهان، ونحن لسنا مع الذين يريدون إخضاع العدالة والقانون للنافذين، وما جرى في الطيونة وعين الرمانة ووقوع قتلى وجرحى تتحمّله الدولة!
من حق غبطة البطريرك أن يرى الأمور من منظاره كمرجعية دينية لطائفته، ومن حقه ان يتهم الدولة بالمسؤولية وممارسة القنص على المتظاهرين السلميين ليسقط سبع مواطنين عزل ونحو ثلاثين من الجرحى…
ونحن بدورنا نتهم القوات اللبنانية ورئيسها بالقتل والتحضير لحرب أهلية له فيها تاريخ وضحايا، ومع ذلك ننتظر التحقيقات التي تجريها الأجهزة الأمنية.
الأهمّ من كلّ هذه التباينات في قراءة ما حدث، تحميل الدولة مسؤولية مجزرة الطيونة وتبرئة الجاني صاحب التاريخ الإجرامي والذبح على الهوية وقتل رئيس وزراء لبنان الأسبق المغفور له الشهيد رشيد كرامي، ولا نتحدث عن اغتيال مئات الضحايا من مدنيين وعسكريين، والذبح على الهوية!
كلّ هذه المؤشرات والاشتغال على تحضير البيئة الشعبية غير المتنوّعة، نشتمّ منها رائحة انفصالية وربما فيدرالية في أحسن الأحوال. وليس هذا بدعاً في تاريخ لبنان منذ أن كان للبنان قائمقاميتين الأولى في القسم الشمالي (كسروان والوسط) حيث الأغلبية من السكان موارنة، والأخرى خارج هذا المحيط ممن تخلط فيه الطوائف بين الدروز وغيرهم،
وأصحاب هذا التوجه يقولون انّ هذا ليس طفراً وهو شكل من أشكال الدولة ويقوم على مبدأ الحكم الذاتي.
وثمة من يقول انّ لبنان أصغر من أن يتجزأ وانّ طائفة لا يتجاوز عددها مع كلّ تلاوينها ال ٢٦% لا تستطيع ان تفرض رغبتها او مغامرتها على بلد وصفه البطريرك الراعي بالرهان.
ولأن الأمر كذلك، ولكن بشكل معكوس تقول جريدة «النهار» في عددها الصادر يوم أمس الأربعاء، «دار قبل فترة حول السفسطة التي لم تتوقف، وتحدث المتجادلون بكلّ جدية كأنما نحن من يقرّر الهوية والمصير، جرى النقاش بعد مائة عام على نشوء لبنان الكبير والاتفاق على ظهره، ولم يتوقف لا قبل ولا بعد وكأن جوهره دائماً الوجود المسيحي وإنْ تحت مسمّيات شتى».
غبطة البطريرك وجد انّ طرقات الحلحلة في لبنان مقفلة، ولا بدّ من مبادرة فقام بزيارة الرؤساء الثلاثة وتوقف ملياً عند الرئيس نبيه بري، وقال انّ لدى الرئيس بري أفكاراً جيدة أعجبته وسيعمل عليها في زيارتيه للرئيسين عون وميقاتي.
ولأنّ التحقيقات لم تنتهِ ولن تحلّ دون استدعاء سمير جعجع للاستماع الى إفادته في مديرية المخابرات في الجيش ما دفع البطريرك الى التحرك.
وتقول المعلومات انّ البطريرك يتحرك في ضوء استدعاء جعجع والموقف من المحقق العدلي طارق البيطار، وقال للرئيس بري: «فائض القوة لا يستقيم مع الحياة السياسية ولا يجوز استدعاء سمير جعجع كونه زعيماً مسيحياً من الصفّ الأول»، مقترحاً «البحث عن إخراج للتراجع عن هذا الاستدعاء مقابل طي صفحة الطيونة»! لكن الرئيس بري أكد أنّ قضية الطيونة كبيرة وهناك شهداء ودماء على الأرض لم تُجفّ، وانّ المشكلة اليوم في البلد هي في مكان آخر وتتعلق بأداء المحقق العدلي…