– بداية يبدو القضاء اللبناني بين نارين، فهو مطالب بالحد الأدنى بالمضي قدماً في طلب الاستماع لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وهو مجرد طلب سماع من دون ملاحقة ومن دون اتهام، أسوة بأقل المفاعيل التي يطالب القضاء جميع القوى السياسية والنيابية المعنية بتحقيق انفجار مرفأ بيروت، وهو يمضي قدماً عبر المحقق العدلي القاضي طارق بيطار، بانتهاك نصوص الدستور، ورفع التحدي إلى مستوى إصدار مذكرات توقيف بحق كل من يتخلف عن الحضور، على رغم اعتمادهم المراجعات القانونية، بينما جعجع لا صفة دستورية أو إدارية أو مهنية تستوجب رفع حصانة عنها قبل توجيه الدعوة إليه أو السير بملاحقته بسبب الامتناع، وها هو يتمنع ويدير ظهره للدعوة ويعلن نفسه مرجعاً فوق القانون يقرر من يجب الاستماع إليه، ومن هو القاضي المسموح له التحقيق.
– النار الثانية التي تحاصر القضاء، هي نار الضغوط الداخلية والخارجية التي تلاحق قضية جعجع، فالواضح على الأقل أن الاهتمام العالي من بكركي وعوكر يربك الجهات المعنية قضائياً وعسكرياً، بدليل مرور وقت كاف للتثبت من نية جعجع عدم الحضور، من دون صدور أي موقف يحدد طبيعة الخطوة التالية للقضاء.
– جعجع من جهته بين نارين أيضاً، فهو قال بعد مجزرة الطيونة التي وصفها بميني 7 أيار، أن أهداف التحرك بإضعاف مسار القاضي طارق بيطار قد أجهضت، وهو يدرك اليوم أنه لا يستطيع المضي في شعار امتثلوا للقضاء مهما كانت مآخذكم ومهما كانت اتهاماته، ويتمرد على المثول ويتذرع بالمآخذ، وشخص القاضي، وفرضية الاتهامات، وبالمقابل لا يستطيع التخلي عن الحملة التي تشكل رأس الحربة في المواجهة مع المقاومة وحلفائها تحت عنوان القاضي بيطار، من دون أن تكون الكلفة عالية عليه وعلى حلفائه الداخليين والخارجيين باعتباره القوة المركزية في هذه الحملة.
– إذا تراجع القضاء أمام حملة حماية جعجع سقط القضاء وصارت حماية حملة بيطار مستحيلة، وإذا مضى القضاء قدماً صار على جعجع أن يختار بين الاستجابة وهو يعلم فعلته وتبعاتها، أو التمرد والسعي للتخفف من حملة بيطار وتقديمه كبش فداء، أملاً بتخفيض سقف المواجهة والبحث عن كيفية خوض المواجهة على المسار القانوني، مراهناً على مناخ أقل توتراً، وفقاً لما يسعى إليه البطريرك بشارة الراعي.