صحيفة الاحداث
هل حاول محمد بن سلمان اغتيال الراحل الملك عبد الله وما هي تفاصيل هذه الخطّة وما علاقة “السّم الروسي”؟.. الجبري في مُقابلةٍ ساخنة يتجرّأ بتوصيفات بحق بن سلمان فهل ينجح بمُساعدة أمريكا الإفراج عن أبنائه؟.. اتّهامات مُوثّقة بالفيديو فهل تتحوّل لأوراق ضغط وكيف استقبل السعوديّون التربّص بوليّ عهدهم؟
هي ليلةٌ طويلةٌ وساعاتٌ مُتأخّرةٌ ساخنة، حُبِسَت الأنفاس السعوديّة فيها، وعلى اختلاف الضفّة المُوالية، أو المُعارضة، كان الجميع يترقّب الظّهور الأوّل لمُستشار ولي عهد السعوديّة السابق الأمير محمد بن نايف سعد الجبري، ضمن برنامج “ستون دقيقة” الأمريكي التحقيقي، على شاشة “سي بي إس” الإخباريّة، فيما انقلبت المنصّات لساحة حرب كلاميّة على وقع المُقابلة غير المسبوقة.
لم يحفظ الجبري في مُقابلته السّاخنة تلك، أيّ خط رجعة فيما بدا حيث كان هُجوميّاً بتصريحاته، ويبدو أنه فقد الأمل من احتماليّة الإفراج عن أبنائه المُعتقلين في السعوديّة، حيث طلب من الأمريكيين والشعب الأمريكي مُساعدته في الإفراج عنهم، فيما تنفي المملكة رسميّاً هذا الاعتقال الذي تم بعد فرار الجبري لتركيا ثم كندا، للضّغط عليه للعودة كما يقول الجبري نفسه.
الأمير محمد بن سلمان، كان نجم المُقابلة بامتياز، حيث الجبري كان جريئاً بتوصيفاته لوليّ عهد بلاده الحالي، واصفاً إيّاه بأنه مُجرم ومُختل عقليّاً، كما أنه يُشكّل خطرًا على العالم بأسره، ولا يملك من العاطفة شيئاً، ولا يتعلّم من تجربته وهي توصيفات تضع الجبري بطبيعة الحال بشَكلٍ مُباشر على عداءٍ صريحٍ علنيّ مع الأمير بن سلمان، والأخير المُتّهم غربيّاً وحُقوقيّاً، بأنه يُلاحق مُعارضين الكلمة، والجبري انتقل في تلك المُقابلة من مُعارضين، لمُتطاولين على شخص الأمير بن سلمان، وهو ما يضع علامات استفهام أخرى حول سلامة أبناء الجبري الذي قال إنهم جرى اعتقالهم لإجباره على العودة للمملكة.
الجبري والذي يُعتَبر صندوق أسرار نظرًا لمنصبه الحسّاس، وقُربه من الأمير محمد بن نايف، ومُتّهم من قِبَل الصندوق السيادي للمملكة بسرقته أموالاً عامّة، فجّر القنبلة الأكبر في مُقابلته، حين قال بأن الأمير بن سلمان حاول اغتيال “عمّه” الملك الراحل عبد الله بن العزيز، كما تأكيده على تفاخر بن سلمان بذلك، واللافت أن ذلك الادّعاء أو الاتّهام، اتبعه الجبري بقوله بأن هُناك تسجيلات تُثبِته، وهذا اتهام سيترك صداه الإعلامي والسياسي السلبي على صعيد الصورة لولي عهد السعوديّة الشاب، الذي قدّم نفسه إصلاحيّاً، وأدخل الحداثة والانفتاح إلى بلاده، وسمح بقيادة المرأة للسيّارة.
هذا الظّهور الإعلامي للجبري، المدروس دقيق التوقيت، وبضُوءٍ استخباريّ أمريكيّ كما يبدو، كان قد دفع بالسّفارة السعوديّة في واشنطن لإصدار بيان استباقي، قالت فيه إنّ الجبري “فاقدٌ للمصداقيّة”، لكنّ الأخير يبدو أنه يملك كما قال تسجيلات تُؤكّد ادّعاءاته، وتحديدًا الاتّهام الصادم، فيما يتعلّق برغبة الأمير بن سلمان بقتل عمّه الراحل الملك عبد الله، وهي ورقة ضغط سيجري التلويح بها “أمريكيّاً” للضّغط على السلطات السعوديّة، وتحديدًا في ظل تراجع العلاقات بين البلدين وإدارة جو بايدن، ورفع المملكة لأسعار النفط بشَكلٍ حاد، وهو الأمر الذي حمّل بايدن مسؤوليّته للسعوديين.
ويبدو أنّ الاتهام المُوجّه للأمير بن سلمان بخُصوص إمكانيّة قتله للملك عبد الله، وعن طريق المُصافحة فقط، يتعدّى رغبة الأمريكيين بتشويه الصورة للأمير الشاب، بل يصل لحُصول الأمير على السّم من روسيا كما كشف الجبري، كما تأكيد الأخير على مُحاولة اغتيال كان يُخطّط بن سلمان الاستعانة فيها بقوّات روسيّة، وهذه الاتهامات المُزدوجة للسعوديين والروس، تكشف لعلّها بشَكلٍ أو بآخر، الضّلوع الأمريكي في التخطيط لهذه المُقابلة، والأهم توابعها، فبعد هُدوء عاصفة مقتل جمال خاشقجي، تعود أنظار العالم للحديث عن مُحاولة اغتيال ملك، والمُتّهم هُنا ذاته وفق الادّعاء.
وقال الجبري بأنّ محمد بن سلمان يخاف مني لأنني أمتلك معلومات كثيرة، مُتوقّعاً أن يجري قتله على يد بن سلمان، لأنه لن يهدأ حتى يراني ميتاً.
وفي حال تشكيل الجبري خطرًا على حُكم الأمير بن سلمان، فإنّ اغتياله قد يُفجّر أسرارًا أخطر، فبحسب الجبري فقد سجّل مقاطع فيديو تتضمّن الكثير من الأسرار السعوديّة- الأمريكيّة حال اغتياله.
وحول اغتيال خاشقجي، قال الجبري بأنّ رجال محمد بن سلمان مُجرمون، ويُريدون تحقيق أهدافهم بأيّ طريقة، ولا يهمّهم الاحترافيّة، وهو هُنا يُشير الجبري إلى فشل عمليّة الاغتيال، فهي وفق صُحف أمريكيّة وصفتها بأغبى عمليّة اغتيال في التاريخ الحديث، حيث القاتل معلومٌ للجميع ومكشوف.
وبالعودة إلى الجبهة الداخليّة السعوديّة، فيبدو أنها كانت تُتابع المُقابلة، والمنصّات الافتراضيّة قلّلت من قيمة ما جاء على لسان الجبري، وعادوت توجيه اتهامات سرقته لأموال عامّة خلال تواجده في منصبه، مع عبارات التخوين، والتكذيب، والسخرية، وخلال عرض المُقابلة جرى حجبها محليّاً، وحذّرت أصوات من دُخول بعض روابط المُقابلة، لاحتوائها على روابط مُخترقة، قيل إنه جرى نشرها من قبل “الذباب الإلكتروني” للتشويش، ورصدت “رأي اليوم” 28 ألف تغريدة لوسم المُقابلة المُتصدّر في السعوديّة حتى الآن.
بكُلّ حال قد لا يكون ظُهور الجبري هذا هو الأخير، لكنّه لقاء أوّلي يحمل رسائل هامّة ومعلومات خطيرة، قد يتبعها معلومات أخطر قادم الأيّام، فيما التساؤلات مطروحة في المُقابل حول الرّد السعودي على اتّهامات الجبري، وما قد تمتلكه من أوراق ضغط قد تمنع المُتربّصين بحُكم الأمير بن سلمان، وأوّلهم الأمريكيين ومنعه من الوصول للعرش، خاصَّةً أنّ الجبري قال بأنّ بن سلمان يُشكّل خطرًا على الأمريكيين أنفسهم، وكثير من القادة العرب قُدّموا على أنهم يُشكّلون خطرًا على أمريكا، وجرى الإطاحة بهم.
نيّة الأمير بن سلمان اغتيال الملك عبد الله، وفق ادّعاء الجبري، هي سابقة تجدر الإشارة لم تحدث بين أفراد العائلة الحاكمة السعوديّة، وإن وقعت خلافات، فهي كانت تظل خلف الكواليس، ليكون المشهد أمام الشعب السعودي، انتقالاً سلميّاً للسّلطة، أما اليوم فهو مشهدٌ مُختلف، سيسعى الفضوليّون كثيرًا للبحث في خاتمته.