نبيه البرجي- الديار
ربما كانت مقاربة التراجيديا الشيعية في لبنان (الأكثر مرارة من التراجيديات الاغريقية) تحتاج الى لغة أخرى، رؤية أخرى. هنا، باقتضاب، بعض جوانب التراجيديا…
ماذا لو وجد الشيعة في الشمال، عند الحدود مع سوريا، لا في الجنوب، عند الحدود مع «اسرائيل»، وحيث تقاطعت التراجيديا الشيعية مع التراجيديا الفلسطينية؟
لتكن المقاربة الشفافة للمسألة . قيل لنا «لن نرحل عن هذه الأرض ولو أبدنا عن بكرة أبينا. لا الى العراق كي لا نشارك في قطع رأس الحسين ثانية، ولا الى ايران ليتعاملوا معنا كعرب، أي كسقط المتاع. ماذا اذا ارتحلنا الى بلد عربي ونظروا الينا كوديعة، أو كقنبلة، ايرانية ؟ على الأقل… كرافضة»؟
هذا التوصيف شائع في الكثير من المجتمعات العربية، وقد اقترن بالتكفير حتى في العهد العباسي. الخليفة المهدي قال «ما فتشت رافضياً الا وجدته زنديقاً». ويقول ابن حجر العسقلاني «ان ابن تيمية هو الامام السلفي الأول وفتاويه سند المنادين بتكفير سائر فرق الشيعة»…
وفي مذكرة الملك فيصل عام 1936 (وهو يتحدر من الأسرة الهاشمية )، «الضرائب والموت للشيعي والمناصب للسني» . وحين تسلم عبد السلام عارف (كمثال للثفاهة الثورية) الحكم في العراق عام 1963، قال «جاء الروافض» عن محسن الشيخ وهاني الفكيكي لدى وصولهما متأخرين الى مجلس قيادة الثورة.
في جبل لبنان، وحيث كان للشيعة وجود مؤثر، تعرضوا للابادة (وللترحيل ) على يد المماليك والأيوبيين والعثمانيين كما على يد جنود ابراهيم باشا، حتى أن فخر الدين المعني كان يؤلب الباشوات الأتراك عليهم باتهامهم بالعمل لحساب الصفويين. كيف كان يتم التواصل بين جبل لبنان والهضبة الفارسية؟ الله أعلم…
يقول أحدهم «اذا كان الفنان البعلبكي المرهف رفيق شرف قد قال عن أهل الغرب «هم النحاسون ونحن الأواني المطروقة، «نحن نقول» لن يكونوا هم النحاسين ولن نكون نحن الأواني المطروقة»!
نأخذ مثالا اي قرية شيعية قبل الحرب الأهلية وامتداداتها التي لا تزال ماثلة حتى اللحظة. لم يكن هناك من حزب شيعي. اما منضوون في الحزب الشيوعي، أو في الحزب السوري القومي الاجتماعي، أو في الحزب التقدمي الاشتراكي، أو في حزب البعث العربي الاشتراكي، وحتى في حزب النجادة الذي أسسه عدنان الحكيم ليكون المقابل السني لحزب الكتائب الماروني. وحين أنشأ رشيد بيضون حزب الطلائع لم يتمكن من اختراق القاعدة الشيعية.
في القرن التاسع عشر، اذ كانت لكل طائفة دولة كبرى تحميها، كان ينظر الى الشيعة كـ «هباء بشري». لا مكان لهم في أجندة الأمم…
في زمن الاستقلال، أين القطب الشيعي الثالث (مع بشارة الخوري ورياض الصلح) في الميثاق الوطني؟ وحين ظهرت العاصفة الناصرية اجتاحت المدن والقرى الشيعية، وصولاً الى الحقبة الفلسطينية. وحيث حدثت الفضيحة الكبرى باتفاق القاهرة عام 1969 بين الدولة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية لتعطى مفاتيح الجنوب الى ياسر عرفات…
المدن والقرى الشيعية ذاقت الأمرّين من عبثية وفوضوية غالبية الفصائل، ليأتي الاجتياح الاسرائيلي. هل كان يفترض بالشيعة الرضوخ للأقدام الهمجية أم مقاومة الاحتلال؟ قاوموا ودحروا الأرمادا العسكرية الاسرائيلية. اين كانت الدولة البنانية على مدى تلك السنوات؟
في ظل الغياب العربي، الايرانيون وقفوا، بالمال والسلاح، الى جانب المقاومة ما أدى الى حدوث نوع من التماهي الايديولوجي، والتماهي الاستراتيجي، مع النظام الايراني. لكن لبنان يبقى، بتنوعه، الملاذ الأول والأخير. لا ذوبان، قطعاً، في الحالة الايرانية…
المنطقة كلها تقريباً تطوف حول الهيكل. الشيعة، وان كان فائض القوة لديهم يأخذ، أحياناً، منحى مرضياً (هتافات «شيعة، شيعة، شيعة، اللامبررة، والمهينة، والمدمرة للصدقية الأخلاقية والوطنية للشيعة)، ما زالوا يحملون السلاح لاقتناعهم أن «الاسرائيليين»، وقد ترعرعوا على ثقافة الثأر، ينتظرون أي لحظة لللاقتصاص منهم، ودون أن تكون هناك دولة تدرأ الخطر عنهم.
التراجيديا الآن في ذروتها. غالبية الطوائف ضد الطائفة الشيعية. التراجيديا الشيعية أم التراجيديا اللبنانية ؟!