وضع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الجمعة الماضي، خطاً احمر سيمنع العدو، وخلفه الولايات المتحدة، من فرض وقائع على الأرض لسرقة ثروات لبنان، بما يسمح بتعزيز موقف لبنان التفاوضي
لا ينبع الحديث عن أن الأميركي طرف مباشر في المعادلة، فقط لكونه ناطقاً باسم المصالح الإسرائيلية، ولا لأن «الوسيط» إسرائيلي يحمل جنسية أميركية، وليس أيضاً لأن الولايات المتحدة حاضنة وداعمة لإسرائيل في كل قضاياها وسياساتها العدوانية، وإنما نتيجة حصول مستجدّ في السياسة الأميركية تجاه لبنان، بعدما تحوّل إلى دولة واعدة على مستوى الثروات النفطية والغازية. ولذلك، تسعى واشنطن إلى منع أي طرف دولي أو إقليمي من المشاركة في التنقيب عنها واستخراجها، بهدف التفرد بنهبها بالشراكة مع المحتل الإسرائيلي. وهذه مصلحة أميركية منفصلة وإضافية ينبغي أخذها بالحسبان.
من أجل تنفيذ هذا المخطط، يأتي الموقف الأميركي الحازم بمنع لبنان من الاستعانة بهذه الأطراف لحل مشكلته الاقتصادية، ومحاولة حشره أمام خيارين: استمرار المعاناة أو التنازل والخضوع. وفي سياق هذه المعادلة نفسها، يراهن العدو، ومعه الولايات المتحدة، على دفع لبنان إلى التنازل والخضوع، عبر وضعه أمام سقفين: القبول بالسقف الأميركي – الإسرائيلي للتسوية… أو خسارة ثروته بخطوات تدريجية، بدأت مؤشراتها العملية في إعلان فوز «هاليبيرتون» بمناقصة للبدء بأعمال الحفر على الحدود مع لبنان. وأيضاً عبر الضغط من بوابة حرمان لبنان من الاستفادة من ثرواته في المنطقة اللبنانية الخالصة، وهو ما أفصح عنه «الوسيط» الأميركي – الإسرائيلي بإبلاغه مسؤولين لبنانيين أن «ما من شركة في العالم ستوافق على العمل معكم قبل إنجاز الاتفاق مع إسرائيل».
يستند الرهان الإسرائيلي – الأميركي في نجاح هذا المخطط إلى أن الظرف السياسي والداخلي في لبنان، وتحديداً تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية، سيدفع الطبقة السياسية إلى القبول بأي تسوية مهما تضمّنت من تنازلات، والتسويق لذلك وسط الرأي العام على أنه إنجاز قطع الطريق على سطو الاحتلال على كل الثروة، وكمدخل للخروج من الأزمة. والمعطى الإضافي الذي يعزز هذا الرهان الإسرائيلي – الأميركي، هو الانقسام الرسمي إزاء الموقف والخيار الواجب اعتماده في مواجهة هذا التحدي المفصلي الذي يتصل بمستقبل لبنان…
لكن يبدو، استناداً إلى تعقيدات المشهد الداخلي اللبناني ومخاطره، لم يحضر لدى الأميركي والإسرائيلي أن لدى حزب الله أكثر من دافع للامتناع عن المبادرة في مواجهة الدخول الأميركي المباشر – عبر «هاليبيرتون» – وتبني المطالب الإسرائيلية.
في مواجهة هذا المخطط، أتى موقف حزب الله، في مضمونه وسياقه وتوقيته، لفرملة الاندفاعة الإسرائيلية – الأميركية للسطو على ثروات لبنان، وإلى إحباط منشأ هذه الرهانات الإسرائيلية. وتعزيز موقف لبنان الرسمي. وليس من الصعوبة التقدير بأن الحزب رسم بموقف أمينه العام خطاً احمر سيمنع العدو من تنفيذ مخططه بفرض وقائع يتمكن من خلالها سرقة ثروات لبنان. وبلحاظ هذه العناصر، المتصلة بالأطراف ذات الصلة بهذا التحدي، كان موقف حزب الله في هذه المحطة أكثر من ضروري في مواجهة الخطوات التمهيدية للسيطرة على ثروات لبنان (الشركة الأميركية).
يدرك العدو أن صدور هذا الموقف على لسان الأمين العام لحزب الله يعني أن هناك قراراً حاسماً في مواجهة هذا المسار. وبات العدو أمام خيارين: إما التراجع والانكفاء وبذلك يكون قد تحقق المطلوب بالنسبة للمقاومة ولبنان، أو أن يحاول التحدي ويبادر إلى خطوات عملية مستنداً في ذلك إلى دعم أميركي صريح ومباشر. في هذه الحالة، لا يوجد حتى احتمال متدنّ بألا يبادر حزب الله إلى خطوات مضادة تناسبية تحبط المحاولة الإسرائيلية، أيا كانت النتائج والتداعيات. الأمر الذي سيعيد الكرة إلى الملعب الإسرائيلي – الأميركي، وما إذا كان هذان سيخوضان مع حزب الله جولة ردود متبادلة تدفع إلى التفاف معظم الشعب اللبناني حول المقاومة كونها تدافع عن ثروات لبنان ومستقبله. وهو آخر ما تريده تل أبيب وواشنطن. إذ لا يخفى أن هذا المشهد يتعارض كلياً مع المخطط الأميركي الذي يستهدف المقاومة من جبهتها الخلفية (الداخل اللبناني).
هكذا، ليس من المبالغة القول إن رسالة حزب الله الردعية، عطّلت وستعطّل أحد أهم أوراق الضغط الأميركي – الإسرائيلي على الطرف اللبناني، عبر إسقاط محاولة سلب ثرواته. لكن يبقى أن استثمار قوة المقاومة وموقفها مرهون بأداء الطرف اللبناني الرسمي الذي بات عليه أن يدرك بأن تمسكه بحقوق لبنان الغازية والنفطية لن يؤدي إلى ضياعها، وإنما هي محفوظة أكثر من أي وقت مضى، بعدما ارتقت مستويات ردعها إلى سقوف لم تكن تخطر على بال حلفائها وأعدائها على حد سواء.