من قرّر معاقبة الشمال.. لحرف الأنظار عن الطيونة؟

 

سامر زريق -أساس ميديا

خلال أسبوع واحد وقعت شمالاً جملة أحداث ساخنة يغلب عليها الطابع “الفردي”. لكنّ توقيت حدوثها بعد أيام قليلة على اشتباكات الطيّونة، التي أدّت إلى حرب سياسية وإعلامية بين الثنائي الشيعي والرأي العام المسيحي، يثير الريبة بأنّ يداً خفيّةً أطلقت لها العنان، بهدف حرف الأنظار عن تلك الأحداث وطرفيْها المباشرين، حزب الله والقوات اللبنانية، صوب المناطق السنّيّة في الشمال، المكان المفضّل للتوتّرات الأمنيّة والرسائل المبطّنة والمشفّرة والوقحة.

مجموعة أحداث قد تبدو منفصلة، لكن يجمع بينها خيط رقيق مربوط بالرغبة الدائمة في الاستثمار في بيئة شديدة الخصوبة والجاذبية:

1 – من معارك مستمرّة بين عائلتين في وادي الجاموس في عكّار، إلى مؤامرة لارتكاب مجزرة!

بعد مرور أيام على الإشكال العائلي في بلدة عين الجاموس العكارية، الذي لم تُعِره مختلف وسائل الإعلام اهتماماً، تصدّر خبر مداهمة منزل النائب السابق خالد الضاهر، ومصادرة أسلحة، واعتقال أشقّائه، مواقع الأخبار العاجلة ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ولا سيّما أنّ الضاهر يُصنَّف من “الصقور” على الساحة السنّيّة.

يقول النائب السابق خالد الضاهر في حديث لموقع “أساس” إنّ “ما حدث هو مؤامرة لارتكاب مجزرة”. فما هو المبرّر لمجيء سريّة كاملة من القوّة الضاربة في الجيش اللبناني، بمئات العساكر وعشرات الآليّات، لاقتحام المبنى الذي يقطن فيه، من دون أيّ محاولة للتواصل معه. ويتساءل عن سبب اصطحاب 16 سيارة إسعاف، فما هو الدافع إلى هذا التصرّف لولا وجود نيّة مبيّتة لافتعال حمّام دم؟

يعتبر الضاهر أنّ “ما حدث ليس استهدافاً لي فقط، بل هو استهداف للساحة السنّيّة كما جرت العادة، ويهدف إلى حرف الأنظار عن الفضيحة التي جرت في الطيّونة”.

ويسخر الضاهر من الأسلحة التي تمّت مصادرتها، فهي “أسلحة للحماية الفردية، أين منها “الدوشكا” و”الآر بي جي” التي ظهرت على التلفزيونات في اشتباكات الطيّونة؟!”، ويتساءل الضاهر: “ألم ترَ الأجهزة الأمنيّة الاستعراض العسكري لأحد الأحزاب في شارع الحمرا؟ ألم تسمع الأمين العامّ لحزب الله وهو يتحدّث عن 100 ألف مقاتل مسلّحين ومدرّبين؟”.

بدوره يقول النائب هادي حبيش، في حديث لموقع “أساس”، إنّ “دخول الجيش إلى منزل الضاهر بهذه الطريقة غير مقبول، سواء من الناحية الأخلاقيّة أو من الناحية القانونيّة، حيث لم تُحترَم الإجراءات القانونيّة التي تفرض وجود مختار في أثناء المداهمة”.

يضيف حبيش أنّ “الرئيس سعد الحريري طلب منه متابعة القضيّة من الناحية القانونية، وقام الحريري باتّصالات على أعلى مستوى لإخراج أشقّاء الضاهر وأبنائهم، وهو ما حدث، فلا تهمة عليهم سوى اعتراضهم الجيش عند دخوله إلى غرفهم”.

وعن مذكّرة البحث والتحرّي التي أصدرها القاضي، يقول حبيش إنّها “إجراء قانونيّ سليم، فالأسلحة التي تمّت مصادرتها، وهي أسلحة فردية ومخصّصة للحراسة، تعود ملكيّتها للضاهر، الأمر الذي حتّم استدعاءه إلى التحقيق، لكنّه لم يحضر، لذلك صدرت المذكّرة”.

الجدير بالذكر أنّ مداهمة الجيش لمنزل الضاهر سبقتها، قبل وقت قليل، تغريدة لافتة لرئيس تحرير أخبار LBCI جان فغالي، قال فيها: “الدرك عاملين حاجز بأدما، عم يوقفوا الناس اللي عم يحكوا على التلفون ومش حاطين حزام الأمان. في وادي الجاموس في عكار عدد من القتلى بين عائلتين، والأجهزة العسكرية تناشد (ركّزوا على كلمة تناشد) المتقاتلين ضبط النفس”.

2 – رصاص ليليّ دائم في معقل الإسلاميّين “أبي سمراء”، وإشكال فرديّ أهملته الأجهزة.

تزامنت مداهمة منزل الضاهر مع إشكال في منطقة أبي سمراء في طرابلس، بين الشيخ بلال دقماق وشقيقه وابنه وبين أحد العسكريّين، أدّى الى إصابة الأوّل إصابة حرجة. وهو إشكال قديم تجدّد مرّة أخرى لأسباب فرديّة محضة لا علاقة لها بالسياسة.

لكنّ ما يثير الريبة هو امتناع استخبارات الجيش عن القيام بأيّ عمل استباقي لتفادي ما وقع، وذلك وفق ما قاله العسكري الذي أطلق النار في فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي. فقد أبلغ الأخير الاستخبارات عدّة مرّات تهديد الدقماق له، لكنّ الاستخبارات كانت تقول إنّها لا تستطيع فعل شيء، حيث يبدو كأنّها تعمّدت ترك الأمور تتفاقم، أو أنّ الجهة الداعمة للشيخ دقماق، كما قال الجنديّ نفسه، هي مَن منعت الاستخبارات من التصرّف.

وفي السياق نفسه، تشهد ضاحية أبي سمراء يوميّاً إطلاقَ نارٍ غزيراً، مجهول السبب والنسب، في استغلال للظلام الدامس الذي تغرق فيه المنطقة بعد منتصف الليل، عندما يتمّ إطفاء مولّدات الكهرباء. وتُعتبر تلك الضاحية معقل الجماعات الإسلامية في مدينة طرابلس، وتحتضن المقرّ الرئيسيّ لكلّ من الجماعة الإسلامية، وحركة التوحيد، وحزب التحرير، والتيّار السلفيّ.

يطرح هذا الرصاص الذي يُطلَق ليلاً العديد من علامات الاستفهام عمّا يحدث في الليل، ولماذا في أبي سمراء ذات الصفاء الإسلامي السنّيّ وحدها؟ وأين الأجهزة الأمنيّة من كلّ ذلك؟ وهل يعجز مَن ألقى القبض على خلايا داعش النائمة وغير النائمة، عن ملاحقة حفنة من روّاد الليل، أم هناك مسعى إلى تحويل تلك المنطقة إلى حلبة قتال إسلامية؟ وهل هناك رغبة في ترك المنطقة تعتاد على إطلاق النار والمشاكل الأمنية المتنقّلة؟ ولماذا؟

3 – تعليق صورة لجعجع في منطقة شعبيّة بهدف إحداث فتنة داخل طرابلس.

كان التوتّر في طرابلس قد بدأ مع تعليق صورة ضخمة لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في منطقة باب الرمل، في بقعة تسخن بسبب تعليق الصور، وسبق أن شهدت إشكالات دمويّة لأجل صورة.

تلك الصورة لم يتمّ رفعها للتعبير عن حجم التأييد الشعبي لجعجع، مثلما حاول التصوير في إطلالته الإعلاميّة الأخيرة، بل كانت تهدف إلى افتعال فتنة في المدينة، حيث لا يزال الجوّ المعادي لرئيس القوات كبيراً، على الرغم من كلّ سنوات التحالف مع الحريري.

كان تعليق الصورة هدفه استفزاز فئة أخرى من أبناء المدينة، وبالتحديد أنصار النائب فيصل كرامي، الذين يملكون حضوراً مؤثّراً في تلك المنطقة بالذات، وذلك بأن يخلع أحدهم الصورة، الأمر الذي سيتسبّب حتماً بإشكالات لا أحد يعلم كيف تتطوّر ولا متى تنتهي. ومن نافل القول أنّ السلاح المنتشر بشدّة في طرابلس سيحضر، وكلّ ذلك من أجل صورة.

بيد أنّ الاتصالات السياسية السريعة استطاعت احتواء المسألة، وقام على إثرها النائب محمد كبّارة بالتوجّه بنفسه إلى المنطقة، وأشرف على إزالة الصورة. فمَن علّقها محسوب عليه، والنائب كبارة معروف بمعارضته لجعجع حتى الآن. فهو لم يصوِّت للعفو عنه عام 2005، وكان رافضاً التصويت له عندما ترشّح في الانتخابات الرئاسية، إذ كانت تربطه علاقة أخوّة واحترام بالرئيس الشهيد رشيد كرامي، حسبما صرّح أكثر من مرّة، ولا يهضم محاولات القوات دخول المدينة.

فمَن دفع أحد مناصري كبّارة بالذات إلى تعليق صورة، وكيف استطاع إقناعه؟

4 – محاولة إظهار طرابلس أنّها كلّها قوات عبر تعليق صور جعجع والبيطار.

وفي موازاة تعليق صورة لجعجع، قام أحد الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي بتعليق لافتة تأييد للقاضي طارق البيطار على مدخل المدينة قرب مستشفى السلام.

قد يعتبر البعض هذا التصرّف فرديّاً، لكنّ العارفين بواقع المدينة يعلمون أنّه لا ترتفع فيها لافتة ذات بعد سياسي، من دون موافقة أو على الأقل تغطية أمنيّة أو سياسية، وإلا تمّت إزالتها بعد دقائق.

مَن قام بتعليق تلك اللافتة هو من مناصري اللواء أشرف ريفي، الذي يبدو أنّ معركة الطيّونة أخرجته من حالة الخمول السياسي التي يعاني منها منذ أشهر. فقد بادر إلى زيارة معراب والتضامن مع جعجع، وأوعز بأكثر ما يشتهر به، وهو التعليق الكثيف للصور واللافتات، بهدف الإيحاء أنّ طرابلس “كلّها قوات”.

بيد أنّ ذلك غير صحيح البتّة. فزيارة ريفي ونشاط المعلَّقات لقيا استهجاناً شعبياً أدّى إلى معركة بيانات بين مجموعات ذات عناوين وهميّة وغامضة، مثل “أحرار طرابلس” وما شابه، على مواقع وسائل التواصل الاجتماعي. وما حدث يشي بانقسام حادّ على الساحة الطرابلسية، عكس ما حاول أن يوحي به اللواء ريفي.

صحيحٌ أنّ أبناء المدينة لم يكتموا اغتباطهم بالصفعة التي تعرّض لها جبروت حزب الله في الطيّونة، لكنّ ذلك شعور عاطفي لا أكثر، ويصعب تقريشه على الساحة الشعبية أو في صندوقة الانتخابات.

يقول نائب رئيس تيّار المستقبل الدكتور مصطفى علوش، في حديث لموقع “أساس”، إنّ “مشكلتنا في مدينة طرابلس أنّنا ننساق كثيراً وراء العاطفة في أيّ قضية مطروحة. طرابلس مدينة منفتحة على كلّ الخيارات، وهناك أناس سبق أن وضعوا أعلاماً لحزب الله في قلب المدينة، وإذا كانت القضية تعليق صور فلا بأس في ذلك، لكنّ الخشية أن يكون الهدف تحويل الأنظار عن أحداث الطيّونة”.

ويضيف علوش أنّ “الشعور العامّ لأهل طرابلس وعكار هو التعاطف مع أيّ شخص أو طرف يواجه حزب الله”.

بالمحصّلة طرابلس ليست قوّات ولا حزب الله، لكنّها ليست بمنأى عن محاولاتهما إغراقها في معاركهما، فهي مدينة تائهة، غارقة في ظلام سياسي شبيه بالظلام الذي تقبع فيه ليلاً. وفي هذا الظلام تكثر محاولات الاستثمار والشيطنة والتجييش والإرهاب، وتُشحَذ السكاكين لفرض واقع ليس له دافع سوى حرف الأنظار الإعلامية والشعبية عن “معركة الطيونة”، باتجاه المكان المفضّل لإعلام حزب الله والإعلام المسيحي: الشمال.

 

Exit mobile version