“نتذكر اليوم الـ ٢٤١ عنصرًا من مشاة البحرية الأميركية وبحارة البحرية وجنود الجيش الذين قُتِلوا في هجوم…على ثكنات مشاة البحرية في بيروت في 23 تشرين الأول 1983” بهذه الجمل تستعيد السفيرة الامريكية دوروثي شيا مآسي وهزائم قوات بلادها التي اضطرت الى الانسحاب من لبنان بعد هذه الضربة.
وفي الذكرى الـ 41 لتفجير مقر القوات الخاصة الامريكية “المارينز”، لا تزال تعتبر العملية هي الأكبر والأصعب على الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية، ومنذ تواجدها واحتلالها للمنطقة وخاصة من ناحية الخسائر البشرية في يوم واحد فقط. وقد نفذها مجموعة ممن عرفوا “بالمستضعفين في الأرض” أو “المجموعة المؤمنة” قطعوا يد العبث والتخريب الأمريكي عن الأراضي اللبنانية بعمليات استشهادية جرّعت واشنطن وإدارتها ومسؤوليها السّم والذّل، وكانت واشنطن قد وضعت مكافأة تصل قيمتها إلى 5 ملايين دولار مقابل معلومات عن المنفذين.
العمليات الاستشهادية
سيارتان مفخختان استشهاديتان نفذتا العملية:
السيارة الأولى، لم تكن شاحنة نقل المياه كما كانت القوات الامريكية تتوقع، بل سيارة تحمل كميات من المتفجرات، حوّل السائق شاحنته إلى طريق يؤدي إلى المجمع، وقادها نحو ساحة انتظار السيارات لإيهام الأمريكي ان الأمور لا تزال طبيعية، ثم فجأة أعاد تحريك السيارة وقادها بسرعة حتى اصطدم بحاجز ارتفاعه 5 أقدام من الأسلاك الشائكة التي تفصل موقف السيارات عن المبنى، انفجر السلك ومرت الشاحنة بعد ذلك بين موقعي حراسة ومن خلال بوابة مركبة مفتوحة في السياج المحيط بسياج مشبك، وتحطمت من خلال كوخ حراسة أمام المبنى، لتنفجر في بهو المبنى الذي كان بمثابة ثكنة للكتيبة الأولى من مشاة البحرية الثامنة “كتيبة الانزال”، فقتلت 220 من الكتيبة، و18 بحارًا و3 جنود، ثم قتل 13 آخرون متأثرين بإصاباتهم، ولم يستطع أحد من الجنود إيقافها أو التصرف بأي رد فعل رادع.
وبعدها بدقائق السيارة الثانية تنفجر في مبنى “دراكار” المكوّن من تسعة طوابق في منطقة الرملة البيضاء في بيروت الغربية، حيث تتمركز الوحدة الفرنسية، فقتلت 55 مظليًا من فوج المظليين الأول، وثلاثة مظليين من فوج المظليين التاسع وجُرح 15 آخرون، واعتبرت أيضاً أكبر خسارة عسكرية فرنسية بعد انتهاء الحرب الفرنسية على الجزائر.
الآلية الذكية لتصميم العبوات
قُدرت المتفجرات المستخدمة فيما بعد بما يعادل 9500 كيلو غراماً (21000 باوند) من مادة TNT المتفجرة، ورغم قلّة إمكانات عناصر المجموعة المنفذة للعملية الا ان طريقة تركيب للمتفجرات بدت ذكية، فقد كانت آلية التفجير عبارة عن جهاز معزّز بالغاز لإنشاء مادة متفجرة من الوقود والهواء، ووضعت القنبلة على طبقة من الخرسانة مغطاة بقطعة من الرخام لتوجيه الانفجار نحو الأعلى، وأدت قوة الانفجار في البداية إلى رفع الهيكل المكون من أربعة طوابق بالكامل، مما أدى إلى قص قواعد أعمدة الدعم الخرسانية (مسلحة ومتينة)، التي يبلغ محيط كل منها خمسة عشر قدمًا، ومدعومة بالعديد من قضبان الصلب التي يبلغ قطرها واحد وثلاثة أرباع بوصة، ثم سقط المبنى على نفسه.
ما بعد العملية: ردود الفعل
نصح وزير الدفاع الأمريكي كاسبار واينبرغر، الإدارة بعدم تمركز مشاة البحرية الأمريكية في لبنان، وأوصى تقرير عام 1983 الصادر عن لجنة الدفاع الأمريكية بشأن الهجوم بأن يقوم مجلس الأمن القومي بالتحقيق والبحث في طرق بديلة للوصول إلى “الأهداف الأمريكية في لبنان” لأنه “مع تباطؤ التقدم نحو الحلول الدبلوماسية”، يستمر أمن قاعدة القوات الأمريكية المتعددة الجنسيات بـ “التدهور”. وفي وقت هدّدت فيه المجموعة التي نفذت العملية أن “الأرض سترتجف” ما لم تنسحب القوات الامريكية والقوات “متعددة الجنسيات” بحلول رأس السنة الجديدة.
في 7 شباط 1984، أمرت الإدارة الامريكية قوات “المارينز” بالبدء في الانسحاب من لبنان إلى حد كبير بسبب تراجع دعم الكونجرس للمهمة بعد الهجمات على الثكنات، وكان الانسحاب الكامل في 26 من الشهر نفسه.
الكاتب: غرفة التحرير