موسكو و«الدببة العمياء» في لبنان
نبيه البرجي- الديار
تحــت عـــــنوان «ديبلوماسية الضوضاء»، وصف بوب ودورد، الصحافي الأميركي الشهير، هنري كيسنجر بـ»الرجل الذي يحترف اللعب بين القبور». في فقرة أخرى «كم يشعر بالمتعة وهو يعبث بعظام الموتى»!
عن وزراء الخارجية الروس، استعاد سؤال فرنكلين روزفلت لمستشاره افريل هاريمان، ابان مؤتمر يالطا، «من هذا الحائط الذي كلما همس في أذن جوزف ستالين تلمع عيناه». وكان يقصد أندريه غروميكو (وزير الخارجية السوفياتية بين عامي 1957 و1985).
ودورد تحدث عن «ديبلوماسية الجدران المقفلة». هل هذه هي، حقاً، الديبلوماسية الروسية؟ زميل مصري نقل الينا ما قاله ديبلوماسي روسي في القاهرة عن «الدور الأميركي البشع» في لبنان، ناصحاً بالمرونة في محادثات ترسيم الحدود البحرية… «والا لن يجد اللبنانيون مقعداً لهم حتى في الدرجة الثالثة من القطار».
لاحظ تشابك الأزمات في لبنان، وكيف أن الدولة فيه عبارة عن اشكالية تاريخية، واشكالية وجودية، كاشفاً عن أن فلاديمير بوتين تباحث مع كبارمعاونيه حول امكانية دعوة «الأقطاب اللبنانيين» الى مؤتمر حوار في موسكو أو في سوتشي، «تناغماً مع الفانتازيا اللبنانية حتى حين يكون البلد رهينة كوكتيل من الأزمات القاتلة».
الديبلوماسي الروسي توقف عند «الشيزوفرانيا الأميركية». «هؤلاء الذين يتفاوضون مع «طالبان» التي أخرجتهم بالحجارة من أفغانستان، يتعاملون مع «حزب الله» كما لو أنه يحاصر البيت الأبيض، مع أنه يفترض أن يشعروا بالارتياح لارسائه معادلة تحد من ضغط الهيستيريا العسكرية الاسرائيلية التي طالما شكلت، في بعض المنعطفات، عبئاً على الاستراتيجية الأميركية!»
اذ يأمل استئناف مفاوضات فيينا، يأخذ على «أصدقائنا الايرانيين» أنهم «غامضون، غامضون جدا، وان كان ما فعله دونالد ترامب يجعلهم يفكرون ألف مرة قبل أن يقدموا على أي خطوة نحو ردهة المفاوضات».
الخوف على فشل المفاوضات ان عادت، كذلك الخوف من أن تبقى عالقة هكذا. الأميركيون قد يضغطون في أمكنة أخرى. هم موجودون في سوريا، وداخل النسيج السياسي اللبناني الموغل في الهشاشة، والقابل، في أي لحظة، للانفجار بوجود «أطراف لبنانية مجنونة وجاهزة للذهاب بالبلاد الى الزوال اذا ما تلقت الضوء الأخضر من واشنطن أو من أي عاصمة اقليمية»…
مؤتمر للحوار اللبناني ـ اللبناني في موسكو أو في سوتشي. تشكيك بموقف ادارة جو بايدن التي تتولى ادارة الأزمة، أو الأزمات اللبنانية، من المقاعد الخلفية أخذاً بنظرية باراك أوباما في التعاطي مع الأحداث الساخنة…
الروس الذين ينظرون الى الشرق الأوسط على أنه مستودع للآلهة، على بيّنة من كل التفاصيل اللبنانية. لهذا يرون استحالة اجتثاث الطبقة السياسية التي تضرب جذورها في القرن التاسع عشر.
البلد في حالة من التصدع الدراماتيكي. أهل السياسة الذين تنقصهم الرؤية «كما الدببة العمياء» يثيرون ذهول العالم، وهم يتعاملون، ببغائياً، مع تلك الأعاصير السوداء التي تهب على البلاد من كل حدب وصوب.
لا سبيل أمام هؤلاء سوى تلك المحادثات اللولبية مع صندوق النقد الدولي «الذي، بطبيعة الحالة، لم ينتقل بأي مجتمع آخر، من أرصفة جهنم الى أرصفة الفردوس». ضاحكاً قال «كل ما يمكن أن يفعلوه تركيب أجهزة لتكييف الهواء في جهنم».
الديبلوماسي الروسي الذي سخر من الرهان على الانتخابات النيابية كمدخل الى التغيير (كل ما في الأمر أن المنظومة السياسية، والطائفية، تعيد انتاج نفسها)، يرى أن هذا الطراز من الساسة هو الذي يستهوي الأميركيين الذين كل ما يعنيهم أن تبقى الرؤوس في سلتهم.
لا يتوقع الوصول الى الحقيقة ان في التحقيق المالي الجنائي، أو في انفجار مرفأ بيروت وفي مجزرة الطيونة. «الحقيقة في لبنان تسقط جثة هامدة مثلما تسقط الجثث الأخرى برصاص مجهولين».
مؤتمر للحوار في موسكو؟ الفيتو الأميركي جاهز ما دامت حكومة نفتالي بينيت تضغط ليسقط لبنان قطعة قطعة. هذا ما نخشاه، حقاً، أن يكون زوال لبنان الحقيقة الوحيدة الباقية على قيد الحياة…!!