عيسى بو عيسى- الديار
تجمعت في الاجواء اللبنانية وبصورة تكاد تكون منظمة، مختلف الاجواء السوداء وعلى كافة الصعد الاقتصادية والاجتماعية، وصولا الى المنحى الامني الذي طغى على مصائب إرتفاع الدولار وإستحالة شراء معظم الناس لأدنى حاجاتهم المعيشية، وكأن هناك من يريد «تهبيط» السماء على رؤوس كل أهل لبنان دون تمييز، وتلفت أوساط مراقبة الى ان ما حصل في الطيونة وسقوط الضحايا ما هو سوى مؤشر واضح الى تطور الاوضاع بشكل جذري نحو إنهيار الدولة والكيان بشكل كامل، لتتحدث هذه الاوساط عن إمكانية حصول نزوح شامل وهجرة من لبنان تفوق تلك التي حصلت خلال الحروب العالمية.
في هذا الوقت بالذات، ومن خلال هذا المشهد المأساوي تشاهد هذه الاوساط ان الساحة المسيحية المعنية الاولى بالهجرة أدارت ظهرها نحو هذا الرحيل الجماعي، كي تبني إشتباكا بين البيوت والعائلة نفسها في سبيل ترميم زعيم من هنا أو هناك على ما يشبه السراب الذي يلامس الانتخابات النيابية والبناء على نتائجها التي لحظة «تقريشها» تتشابه مع «الخيال» الذي يضعوه في كروم العنب سبيلا لإخافة الطيور، وتقول الاوساط : أنه بالرغم من ذلك فإن القوى المسيحية السياسية لا ترى أمامها أي شيءٍ سوى الانتخابات، وتبني كل حراكها ومواقفها السياسية على أساس الكسب الشعبي بهدف زيادة مقعد نيابي من هُنا او منع خسارة مقعد من هناك، لكن ما برز في الأيام القليلة الماضية يعيد الساحة المسيحية الى «المتاريس» التي ومن خلال نتائجها الملموسة سابقا أفضت الى تقهقر البنية التحتية المسيحية المتمثلة بالخيرة من الاطباء والمستشفيات والسياحة وتقديم الخدمات، وطارت مستشفى الشرق وإنعدمت السياحة وأقفلت المنتجعات والفنادق، وهذه معظم أصحابها من المسيحيين فغادروا هذه المرة الى غير رجعة!!
وفق الاوساط نفسها، فإن الساحة المسيحية ستكون احدى ساحات المعركة الأساسية في الانتخابات النيابية المُقبلة كما بات معروفا، لذلك فإن قواها تسعى بشكل ثابت وواضح لتجييش الناخبين ضمن بيئتها الحاضنة لتكون جزءاً من هذه المعركة، إمّا لتخفيف بعض خسائرها أو لزيادة شعبيتها، وفي كلا الحالتين لا تعويل يذكر على الربح النيابي وقلب الاوضاع لصالح هذا الفريق أو ذاك، وفق الواقع القائم المبني على المعادلة الوطنية العامة ومشاركة أخوانهم في الوطن والإمساك في قراره، وبالتالي مهما تعاظمت الكتل النيابية المسيحية وزاد عديدها لن تكون على الاطلاق سوى ما تصفه هذه الاوساط مجرد «شرابة خرج» في المشهد العام! لكن على ماذا يتقاتل المسيحيون في لبنان ما دامت النتيجة مجرد عديد من النواب لا قيمة «شرائية» لها أو من يشتري في العمل التنفيذي، وإذا كانت الحسابات رئاسية وهي في الغالب تنحو بإتجاهها يبدو بشكل جلي أن المسلمين هم من يقررون من هو رئيس الجمهورية المقبل، إن كان من الحضن الممانع الايراني أو غريمه الاميركي والعربي!! وهذا السباق مع جهل الهدف سيقود الى الفتنة أو تقاتل داخلي ضمن البيت الواحد.
وفي عملية تبسيط وبسيطة كي يفهمها العامة من الناس واهل السياسة أيضا، الذين وفق تجاربهم يجارون في عملية الفهم والرؤية وبشكل نسبي وعلى مقياس التجارب السابقة والفهم بسطاء القوم من المسيحيين الذين برهنوا ورفضوا وباتوا لا يصدقون كل ما ترفعه الاحزاب المتحكمة برقابهم حتى الإذلال، لتعتبر هذه الاوساط ان «القوات اللبنانية» وبعيدا عن كونها متورّطة أو غير متورطة في مسألة إطلاق النار، فإنها وقبل اشتباكات الطيونة تلعب على وتر الانتخابات النيابية بخطابها السياسي العالي السقف، وبالتالي فهي غير ملزمة بتكريس صورة نمطية عنها بهدف كسب الشارع المسيحي من خلال الإيحاء بأنها الحامية للمناطق المسيحية والمدافعة الفعلية عن حقوقها.
ومحنة التيار الوطني الحر تتشابه مع «زركة القوات» بالتمام والكمال، فالتيار الذي يتجنّب أي صدام واسع مع حزب الله مهما كانت التكلفة السياسية، نظراً لحاجته الملحّة له في الانتخابات النيابية، لا يستطيع في الوقت نفسه إرضاء الحزب في ملفّ المحقق العدلي القاضي طارق البيطار لأنه يفكّر بتداعيات الأمر على الشارع المسيحي الذي لن يقبل بتنازل التيار عن حماية وتغطية البيطار او تنحّيه أو تبديله تحت أي ظرف أو سبب، وبالتالي فإن حراك التيار السياسي مرتبط أيضاً بالانتخابات المقبلة.
وتتساءل هذه الاوساط وفق هذا المشهد الحقيقي والذي يجتّر نفسه منذ أواخر الثمانينيات عن مفاعيله الايجابية على المجتمع المسيحي؟ وفي أي وقت أو زمان أستطاعت القوى المسيحية، وطبعا معها حزب الكتائب الذي يتلطى بمسميات الحراك والثورة لإخفاء عوراته التي يتجاوز عمرها حوالي مئة سنة منذ التأسيس! لتقول ألا يعي هؤلاء القادة على أي أرض يقفون؟ ألا يعرفون ما هي الدردشات داخل البيوتات المسيحية والأفواه الجائعة في الشوارع والتي تصب جام غضبها عليهم وبالتأكيد دون رحمة؟ وهل يعلمون عن امر أكيد أن العديد أو المئات على الاقل المسيحيين ينادون بالسيد حسن نصر الله قائدا لهم، وهذا أمر يحصل بالمجاهرة على وسائل التواصل الاجتماعي مع أمنيات أن يرسل الله لهم قائدا مماثلا؟ وهل يعرفون ان جزءا من المسيحيين ينادون بولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان ملهما لهم في عملية «ضب» الزعران سارقي المال العام؟ هذا هو واقع الحال دون أدنى مغالاة ومن يجاهر بأمر معاكس يتحكم به العمى وإنعدام البصيرة، وعلى القادة المسيحيين أن يعرفوا بشكل جدي ودون مواربة أن قلوب أهلهم مفطورة ومعذبة وتلفظهم جميعا، ليكتمل النقل بالزعرور ويطغى المشهد العراقي أو السوري على مسيحيي لبنان.