الأخبار
يسكُن الولايات المتحدة إرث الحرب الباردة، الذي لم تستطع، على رغم التحوُّلات الطارئة على النظام العالمي ومكانتها فيه صعوداً وهبوطاً، الفكاك منه، ولا من سطوة عدائها المتزايد تجاه روسيا، وإن حاولت اختطاط مسارٍ يوحي بخلاف ذلك. على أن التخبُّط لا يزال يشكِّل سِمَة المقاربة الأميركية للعلاقات مع روسيا، فيما يضع “حلف شمال الأطلسي”، موسكو، في مصاف “الخصم الجيوسياسي الأصلي” الذي يوازي تهديده، تهديدَ الصين المتنامي لأمن القارة الأوروبية، على حدّ تعبير الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبيرغ. تقديرٌ ينسحب على مراكز الدراسات و”مؤسّسات الفكر” الأميركية، والتي لا يفتأ محلِّلوها يحذّرون من الطبيعة العدوانية لروسيا الواجب لَجْم اندفاعتها. ويبرز في هذا السياق ما كتبه مايكل كوفمان، وأندرو كيندال تايلر، في مجلّة “فورين أفيرز”، بعنوان “أسطورة التراجع الروسي: لماذا ستبقى موسكو قوّة ثابتة؟”، وتحذيرهما من مغبّة وضع روسيا جانباً في خضمّ انكباب الإدارة الأميركية على أولوية “مواجهة الصين الصاعدة”. وفي ظلّ مساعي الولايات المتحدة، مرّةً تلوَ أخرى، إلى الاستثمار في الملفّات الخلافية الكثيرة بين البلدين، وفي مقدِّمها الأزمة الأوكرانية، يلفت الكاتبان إلى أن المسألة الروسية لم تَعُد إلى واجهة الاهتمام الأميركي إلّا مع تصاعد الأزمة بين موسكو وكييف في نيسان الماضي، والتي يعدّانها بمثابة “تذكير بخطر تجاوز روسيا”.
إشاعة جوّ “اللامبالاة” الأميركية هذا، ليس في محلّه تماماً، وإن كان الرئيس الأميركي، جو بايدن، يسعى، من وقتٍ إلى آخر، إلى التقليل من شأن الخصومة ومآلها، كتصريحه، في تموز الماضي، أن روسيا “تجلس على رأس اقتصاد يمتلك أسلحة نووية وآبار نفط، ولا شيء آخر”، في ما يتماهى مع ما قاله السناتور الأميركي، جون ماكين، في عام 2014، من أن روسيا مجرّد “محطّة وقود تتنكّر في هيئة دولة”، أو ما صرّح به باراك أوباما من أنها لا تعدو كونها “قوّة إقليمية”. المشكلة، كما يراها كوفمان وكيندال تايلر، هي أن “قضيّة التراجع الروسي مبالغ فيها. الأدلّة على ذلك: مثل تقلُّص عدد سكان روسيا وتراجع اقتصادها المعتمد على الموارد، ليست ذات أهمية بالنسبة إلى الكرملين كما يفترض كثيرون في واشنطن. لذا، لا ينبغي لواشنطن أن تتوقّع من موسكو التخلّي تلقائياً عن مسار المواجهة بمجرَّد مغادرة الرئيس فلاديمير بوتين لمنصبه، إذ يشمل إرثه مجموعة من الخلافات التي لم تُحلّ، وعلى رأسها تلك المتعلّقة بضم شبه جزيرة القرم”. ويخلصان إلى أنه “لا يمكن واشنطن التركيز على الصين، آملةً أن تنتظر روسيا في الخارج. وبدلاً من النظر إلى موسكو على أنها قوّة متدهورة، على قادة الولايات المتحدة اعتبارها قوّة ثابتة”.
لم تقدِّم إدارة جو بايدن إطاراً واضحاً تقارب فيه العلاقات الأميركية – الروسية. فعلى رغم الحدّة التي اتّسمت بها تصريحات الرئيس الأميركي تجاه نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، ووصْفه بـ”القاتل”، إلّا أن الرئيسَين عادا واجتمعا، في حزيران الماضي، ضمن مسعًى إلى تخفيف حدّة التوتّر بين البلدَين. وإذ أكد بايدن، بعد اللقاء، أن موسكو لم تَعُد منافساً مباشراً لواشنطن، مصنّفاً إيّاها “لاعباً ثانوياً” بالمقارنة مع ما يعتبره صعوداً مقلقاً للقوة الصينية على الصعيد العالمي، وسعيه إلى وقف تدهور العلاقات الأميركية – الروسية ودرء خطر نشوب صراع نووي مع بلدٍ “يستميت ليظلّ قوّة كبرى”، إلّا أن السلوك الأميركي يصبّ في غير اتجاه. اتجاهٌ يجلّيه التصعيد المتعمّد من جانب “حلف شمال الأطلسي”، والذي تُرجِم بقراره، هذا الشهر، طردَ ثمانية دبلوماسيين روس معتمَدين لدى مقرّ الحلف في بروكسل، متحجّجاً بـ”تنامي أنشطة موسكو الخبيثة”، عبر زرع “ضباط استخبارات” في مقرّه، ليعقب ذلك ردٌّ روسي بتعليق عمل بعثتها الدائمة لدى الحلف، ووقف عمل البعثة العسكرية لـ”الناتو” في موسكو، ابتداءً من الأوّل من تشرين الثاني المقبل. وفي محاولة لتبرير خطوة “الأطلسي”، سارع الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، إلى اعتبار أن “سياسة الناتو تجاه روسيا لا تزال ثابتة: إنها الردّ بقوّة على العدوان الروسي… لكن في الوقت نفسه، مع ترك الباب مفتوحاً أمام حوار هادف”. هذه الازدواجية في المقاربة لم تنطلِ على الجانب الروسي، إذ ردّ وزير الخارجية، سيرغي لافروف، معتبراً أن “الأطلسي” يحاول “تسخين الوضع، وتقويض آليات التفاعل القائمة بين الدول” بسعيه إلى نشر قواته في آسيا بعد انسحابه من أفغانستان (تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة رفضت المشاركة في مؤتمر “صيغة موسكو” حول أفغانستان، والذي عُقد في العاصمة الروسية، أوّل من أمس).
وفي موازاة العداوة الأميركية المتزايدة، يواصل الجانبان مباحثات الاستقرار الاستراتيجي، من خلال التركيز على مسألة الأسلحة الاستراتيجية وخفض التسليح. وفي هذا الإطار، تندرج زيارة نائبة وزير الخارجية الأميركي، فيكتوريا نولاند، لموسكو، أملاً في تحقيق بعض الخروقات في القضايا الثنائية، والملفات الإقليمية، استناداً إلى “روح قمّة جنيف” التي جمعت بايدن وبوتين، والاتفاقات التي توصّلا إليها، كما قال الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، داعياً، في الوقت ذاته، إلى عدم توقُّع خروقات كبيرة أو التوصّل إلى اتفاقات سريعة، نظراً إلى أن “علاقاتنا الثنائية تواجه مشاكل كبيرة جداً. ولا يمكن تسويتها بسرعة”، فيما اكتفت نولاند بالإشارة إلى أن محادثاتها مع الجانب الروسي كانت “مثمرة للغاية”.
إشاعة جوّ “اللامبالاة” الأميركية هذا، ليس في محلّه تماماً، وإن كان الرئيس الأميركي، جو بايدن، يسعى، من وقتٍ إلى آخر، إلى التقليل من شأن الخصومة ومآلها، كتصريحه، في تموز الماضي، أن روسيا “تجلس على رأس اقتصاد يمتلك أسلحة نووية وآبار نفط، ولا شيء آخر”، في ما يتماهى مع ما قاله السناتور الأميركي، جون ماكين، في عام 2014، من أن روسيا مجرّد “محطّة وقود تتنكّر في هيئة دولة”، أو ما صرّح به باراك أوباما من أنها لا تعدو كونها “قوّة إقليمية”. المشكلة، كما يراها كوفمان وكيندال تايلر، هي أن “قضيّة التراجع الروسي مبالغ فيها. الأدلّة على ذلك: مثل تقلُّص عدد سكان روسيا وتراجع اقتصادها المعتمد على الموارد، ليست ذات أهمية بالنسبة إلى الكرملين كما يفترض كثيرون في واشنطن. لذا، لا ينبغي لواشنطن أن تتوقّع من موسكو التخلّي تلقائياً عن مسار المواجهة بمجرَّد مغادرة الرئيس فلاديمير بوتين لمنصبه، إذ يشمل إرثه مجموعة من الخلافات التي لم تُحلّ، وعلى رأسها تلك المتعلّقة بضم شبه جزيرة القرم”. ويخلصان إلى أنه “لا يمكن واشنطن التركيز على الصين، آملةً أن تنتظر روسيا في الخارج. وبدلاً من النظر إلى موسكو على أنها قوّة متدهورة، على قادة الولايات المتحدة اعتبارها قوّة ثابتة”.
لم تقدِّم إدارة جو بايدن إطاراً واضحاً تقارب فيه العلاقات الأميركية – الروسية. فعلى رغم الحدّة التي اتّسمت بها تصريحات الرئيس الأميركي تجاه نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، ووصْفه بـ”القاتل”، إلّا أن الرئيسَين عادا واجتمعا، في حزيران الماضي، ضمن مسعًى إلى تخفيف حدّة التوتّر بين البلدَين. وإذ أكد بايدن، بعد اللقاء، أن موسكو لم تَعُد منافساً مباشراً لواشنطن، مصنّفاً إيّاها “لاعباً ثانوياً” بالمقارنة مع ما يعتبره صعوداً مقلقاً للقوة الصينية على الصعيد العالمي، وسعيه إلى وقف تدهور العلاقات الأميركية – الروسية ودرء خطر نشوب صراع نووي مع بلدٍ “يستميت ليظلّ قوّة كبرى”، إلّا أن السلوك الأميركي يصبّ في غير اتجاه. اتجاهٌ يجلّيه التصعيد المتعمّد من جانب “حلف شمال الأطلسي”، والذي تُرجِم بقراره، هذا الشهر، طردَ ثمانية دبلوماسيين روس معتمَدين لدى مقرّ الحلف في بروكسل، متحجّجاً بـ”تنامي أنشطة موسكو الخبيثة”، عبر زرع “ضباط استخبارات” في مقرّه، ليعقب ذلك ردٌّ روسي بتعليق عمل بعثتها الدائمة لدى الحلف، ووقف عمل البعثة العسكرية لـ”الناتو” في موسكو، ابتداءً من الأوّل من تشرين الثاني المقبل. وفي محاولة لتبرير خطوة “الأطلسي”، سارع الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، إلى اعتبار أن “سياسة الناتو تجاه روسيا لا تزال ثابتة: إنها الردّ بقوّة على العدوان الروسي… لكن في الوقت نفسه، مع ترك الباب مفتوحاً أمام حوار هادف”. هذه الازدواجية في المقاربة لم تنطلِ على الجانب الروسي، إذ ردّ وزير الخارجية، سيرغي لافروف، معتبراً أن “الأطلسي” يحاول “تسخين الوضع، وتقويض آليات التفاعل القائمة بين الدول” بسعيه إلى نشر قواته في آسيا بعد انسحابه من أفغانستان (تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة رفضت المشاركة في مؤتمر “صيغة موسكو” حول أفغانستان، والذي عُقد في العاصمة الروسية، أوّل من أمس).
وفي موازاة العداوة الأميركية المتزايدة، يواصل الجانبان مباحثات الاستقرار الاستراتيجي، من خلال التركيز على مسألة الأسلحة الاستراتيجية وخفض التسليح. وفي هذا الإطار، تندرج زيارة نائبة وزير الخارجية الأميركي، فيكتوريا نولاند، لموسكو، أملاً في تحقيق بعض الخروقات في القضايا الثنائية، والملفات الإقليمية، استناداً إلى “روح قمّة جنيف” التي جمعت بايدن وبوتين، والاتفاقات التي توصّلا إليها، كما قال الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، داعياً، في الوقت ذاته، إلى عدم توقُّع خروقات كبيرة أو التوصّل إلى اتفاقات سريعة، نظراً إلى أن “علاقاتنا الثنائية تواجه مشاكل كبيرة جداً. ولا يمكن تسويتها بسرعة”، فيما اكتفت نولاند بالإشارة إلى أن محادثاتها مع الجانب الروسي كانت “مثمرة للغاية”.