دوللي بشعلاني- الديار
وصل كبير مستشاري الولايات المتحدة الأميركية لأمن الطاقة العالمي آموس هوكشتاين الى بيروت لمناقشة الحلول المستدامة لأزمة الطاقة في لبنان، على ما ورد في بيان صادر عن الإدارة الأميركية، وسيؤكّد على استعداد إدارة الرئيس جو بايدن لمساعدة لبنان و»إسرائيل» على إيجاد حلّ مقبول للطرفين للحدود البحرية المشتركة لصالح كلا الشعبين، على ما أضاف البيان. فهل هذا يعني بأنّ الوسيط الاميركي الجديد يأتي هذه المرّة لحلّ أزمة الكهرباء في لبنان، مقابل الحصول على مطالب إدارته في اقتراح تقاسم الثروة النفطية بين لبنان والعدو الإسرائيلي، على أن تكون الشركة التي ستتولّى هذه العملية شركة أميركية مستفيدة من الحلّ المقترح؟ وماذا عن انحياز هوكشتاين سلفاً الى «الإسرائيلي» كونه وُلد في تلّ أبيب، ويملك الجنسية وخدم عسكريته فيها؟!
مصادر سياسية مطّلعة على ملف ترسيم الحدود رأت بأنّه قبل الخوض في نوايا الوسيط الأميركي الجديد، لا بدّ من المسؤولين اللبنانيين من اتخاذ قرار سياسي موحّد، لطالما جرت المطالبة به حتى قبل انطلاق مفاوضات الترسيم غير المباشرة للحدود البحرية. فالموقف السياسي يجب أن يُواكب جهود الوفد اللبناني العسكري المفاوض على طاولة الناقورة، الذي قام بإنجازات مهمّة وتمسّك بحقوق لبنان مشدّداً على عدم التنازل عن أي نقطة مياه ضمن حدوده البحرية.. ولكن لا نزال حتى الآن لا نعرف سبب تلكؤ الحكومة الحالية عن عدم تعديل المرسوم 6433 وإدراج الإحداثيات الجديدة التي يُفاوض لبنان على أساسها، وذلك باعتماد الخط 29 بدلاً من الخط 23 كحدود لبنان البحرية، وإيداعه لدى الأمم المتحدة لكي يتمّ الإعتراف به دولياً. فعندما يسوّي لبنان هذه المسألة أولاً، يُصبح هذا المستند الأممي الجديد قاعدة للتفاوض باعتبار الخط 29 حدوده البحرية والذي يُعطي لبنان مساحة تبلغ 1430 كلم2 تُضاف الى مساحة الـ 840 كلم2 المتنازع عليها سابقاً، ويُصبح بإمكانه بالتالي التفاوض على الحدود وعلى مناقشة كلّ المقترحات التي تُطرح توصّلاً لإيجاد حلّ نهائي لهذا النزاع. وهذا أمر أساسي وضروري حتى وإن كان من وجهة نظر لبنان، أو من جانب آحادي، على ما يرى البعض، سيما وأنّ الوفد المفاوض يملك خرائط ومستندات قانونية موثّقة تؤكّد على حقّه في الخط 29 الذي يتمسّك به.
وإذ يجول هوكشتاين على المسؤولين لطرح مقترحات إدارة بايدن فيما يتعلّق باستجرار الغاز والكهرباء من مصر والأردن، وبترسيم الحدود، تجد المصادر أنّه على السلطة عدم ترك الوفد وحيداً في المفاوضات في حال استؤنفت قريباً، والتي سترتكز أيضاً على «اتفاق الإطار»، سيما وأنّ وجود هذا الوسيط الجديد لا يُبشّر بالخير للبنان، على ما يبدو. كما أنّ عودة الوفد العسكري الى الطاولة، من دون تعديل المرسوم 6433 وإيداعه لدى الأمم المتحدة، سيُبقي الخط 23، هو الخط البحري الحدودي للبنان المودع لديها، وهذا الأمر يُحرج موقف الوفد اللبناني المُفاوض خلال جولات التفاوض..
وعقّبت المصادر نفسها أنّه مع وصول هوكشتاين بـ «عملية تبادل» تقوم على مساعدة لبنان في زيادة ساعات التغذية بالكهرباء من خلال استجرار الغاز والكهرباء من مصر والأردن عبر سوريا، في غضون ثلاثة أشهر، بغض النظر الأميركي عن مفاعيل «قانون قيصر» المفروض عليها، مقابل العودة الى طاولة المفاوضات غير المباشرة عبر رؤية جديدة تقضي بتجاهل كلّ الخطوط المرسّمة سابقاً، والذهاب الى اقتراح إيجاد الحقول النفطية في الحدود المشتركة وتقاسم الحصص عن طريق شركة أميركية على الأرجح، فإنّ «تثبيت حدود لبنان بالخط 29» قد لا يعود هناك أي جدوى منه. علماً بأنّ تجاهل الخطوط ومحاولة غضّ النظر عن منطقة النزاع البحري، السابقة أو المستحدثة، من شأنهما إلغاء «خط هوف» برمّته أيضاً، والذي يقسم المثلث البحري المتنازع عليه في السنوات السابقة الى حصتين 55% منه لصالح لبنان، و45 % منه للعدو الإسرائيلي، كما يعني ذلك عدم الإعتراف بالخط 1 الذي يطرحه «الإسرائيلي» والذي يُلامس البلوكين البحريين 9 و10 ويقتطع قسماً مهمّاً من حقل الغاز اللبناني المحتمل والذي يُطلق عليه «حقل قانا».
ولهذا تعتقد المصادر أنّه من غير الممكن القفز فوق الخطوط البحرية خلال عملية ترسيم الحدود. أمّا إذا كانت الإدارة الأميركية تودّ اجتراح مقترحات لتقاسم الثروة النفطية أو لجعل العدو الإسرائيلي يستطيع العمل في التنقيب في حقل «كاريش» من دون «اعتراض» لبنان، فهذا أمر آخر. ومن هنا، فإنّه على لبنان الرسمي بدلاً من أن يُطالب الامم المتحدة بالتحقيق إذا ما كان التنقيب من قبل العدو يجري في منطقة النزاع أم لا بهدف وقف أعماله، ان يُسارع الى تعديل المرسوم 6433 لتسوية خط حدوده البحرية، ومن ثمّ يُصبح لكلّ حادث حديث.
أمّا الخشية من كون هوكشتاين «إسرائيلي الجنسية والهوى»، ما يجعله يميل الى العدو الإسرائيلي خلال عملية المشاورات والجولات المكوكية التي ينوي القيام بها بين لبنان و»الإسرائيلي» لاستطلاع المواقف من المقترحات الأميركية، فلفتت المصادر عينها أنّ هذا الأمر ليس بجديد، فكلّ الوسطاء الأميركيين السابقين من ديفيد ساترفيلد، الى ديفيد هيل، الى ديفيد شينكر وسواهم لا يختلفون عنه، فيما يتعلّق بالإنحياز للعدو. كما أنّ لبنان عندما طالب بأن تكون المفاوضات غير المباشرة برعاية الأمم المتحدة وبوجود وسيط أميركي كان يعلم بأنّ الكفّة لن تكون مائلة نحوه.
وبرأي المصادر، فإنّ العودة الى طاولة المفاوضات غير المباشرة في حال جرت وفق ما انتهت إليه في الجولة الخامسة والأخيرة منها، لن تؤدّي الى أي نتيجة، سيما وأنّ الوسيط الأميركي السابق جون دو روشيه كما العدو الإسرائيلي لم يُوافقا على إعطاء لبنان الحقوق التي يتمسّك بها انطلاقاً من الخط 29. ولهذا لا بدّ وأن تكون العودة مختلفة لجهة حماية لبنان لهذه الحقوق عن طريق تعديل المرسوم، بما يقطع الشكّ باليقين. وترى المصادر بأنّ التنازل عن هذا الخط سيُشكّل وصمة عار على الطبقة السياسية اللبنانية، وسيوضع في موضع التخلّي عن سيادة لبنان، سيما وأنّه خط حقوق لبنان البحرية الفعلية. فالعدو الإسرائيلي، المدعوم من الولايات المتحدة، يُحاول تكريس واقع ما من خلال التنقيب في «حقل كاريش» والاستفادة من ثروته النفطية، فيما لبنان لا يعمد الى حلّ هذا الأمر ويتلهّى بمشاكله الداخلية، وأزمته الإقتصادية والمالية. علماً بأنّه على لبنان الإستفادة من عائدات ثروته البحرية للخروج من الأزمة الخانقة ولحلّ مشكلة ديونه المتراكمة، غير أنّه لا يتخذ أي موقف سياسي موحّد لأنّ هنالك مسؤولين لا يريدون أن يُفاوض لبنان على الخط 29، فيما منطقة النزاع الحدودية تبلغ 2290 كلم2، وهي مساحة لا يُمكن التفريط بها.