كنا نفهم لماذا كان الأب سمعان الدويهي يدخل الى ساحة النجمة بمسدسه، لكننا لم نفهم كيف يمكن لنائب  ووزير سابق، وحقوقي، وقد تحدث الناس عن شفافيته، أن يدخل الى قاعة البرلمان، مزهواً بمسدسه. يا رجل أنت آت من الجامعة اليسوعية لا من تورا بورا…

حقاً، ما المعنى من أن يحمل المسدس، وماذا كان يريد أن يقول للآخرين؟ هل وصلنا، كلنا، الى هذا المستوى من الهمجية أو من التفاهة؟

حتماً، لكل طائفة تقاليدها، وطقوسها، ولكن شرط ألاّ يتغلب منطق الطائفة على منطق الدولة. بيار بورديو، عالم الاجتماع الشهير، وصف الدولة الطوائفية، أو الدولة القبائلية، بـ»مهرجان الحرائق». الدولة كومة من الحطب. وحولها رقصة النار أو… رقصة الدم!

ربما الجوهر الفلسفي لدستور الجمهورية الثانية في المادة 95 التي تقضي بتشكيل هيئة وطنية لالغاء الطائفية السياسية. الذي حدث على أيدي عرابي الطائف… الغاء الدولة لا الغاء الطائفية.

لاحظنا قهقهات «الحاخامات»، ونحن كما نردد، يومياً، على أبواب، أو على أرصفة، الجحيم. هكذا يتحدثون عن «موت الدولة في لبنان»الذي، لو قيّض له أن يحظى برجال دولة، لكان المثال لدول المنطقة الضائعة ما بين مضارب القبائل ودهاليز الطوائف.

كلبنانيين، تماهينا مع الفرنسيين في كل شيء تقريباً. من نصوص الدستور الى فساتين كوكو شانيل، حتى غدت باريس «مربط خيلنا». لماذا لم يخطر في بالنا محاكاتهم في فصل الدين عن الدولة، ووأد ثقافة الكراهية…

في ذلك اليوم من عام 1905، قال النائب الاشتراكي أريستيد بريان، وهو من صاغ قانون الفصل «اليوم بدأ الزمن الفرنسي»، لا الزمن الكاثوليكي، ولا الزمن البروتستانتي، ولا الزمن اليهودي.

نقول للسيد حسن نصرالله، وهو من اقتلع برابرة التوراة وبرابرة السواطير، من أرضنا، وحيث لا مكان لمنطق الدولة، ولا لمنطق المجتمع، لا شك أنك تابعت التعليقات الغرائزية على كلامك الأخير. الحل لهذا المشهد البابلي دولة لا تتقاطع فيها (جدلياً) هيستيريا الطوائف مع هيستيريا المافيات. لبنان، أيها السيد الذي تنوء الجبال بما تحمل كتفاه، بحاجة الى الدخول في «الزمن الآخر». ليس فقط الدخول في الجمهورية الأخرى…

المشكلة ليست فقط في الاصلاح السياسي، وفي الاصلاح الاقتصادي، والمالي. هذه مسائل تقنية أمام اعادة تشكيل العقل اللبناني. تحرير الدولة، كما تحرير الفرد، من براثن الطائفية. أن يكون الواحد منا لبنانياً، وأن يكون الاندماج العضوي، والديناميكي، مع الآخر، لا أن نبقى في منتصف الطريق بين جاذبية الأقبية وجاذبية القبور. بينهما جاذبية الخنادق.

اذا كنا نريد قيام الدولة التي تتفاعل مع ايقاع القرن، ان بصياغة الرؤى، أو بصياغة استراتيجيات (ونحن دولة   ألارؤى واللاستراتيجيات)، لننفض الغبار عن المادة 95، وليكن شعارنا «الزمن اللبناني»لا الزمن الماروني، ولا الزمن الأرثوذكسي، ولا الزمن الكاثوليكي، ولا الزمن السني، ولا الزمن الشيعي، ولا الزمن الدرزي…

لبنان، حقاً، يحتاج الى مايصفها علماء الاقتصاد بـ»قفزة الضفدع «Leap frogging. اعادة التأسيس. ماذا يمكن أن يفعل صندوق النقد الدولي أكثر من تأمين ورقة التوت للهياكل العظمية؟ وماذا يمكن أن يفعل التدويل سوى تكريس ثقافة القوقعة، وحيث التعفن (والتآكل) السوسيولوجي في لعبة الأمم…

مؤتمر تأسيسي لا من أجل المثالثة، كمعادلة قاتلة لروح لينان، ولجوهر لبنان، بل من أجل دولة تائهة بين رقصة الأفاعي من جهة، ورقصة العناكب من جهة أخرى.

ما رأيناه  أظهر كم أن الأسوار بين الطوائف، أشد هولاً من خطوط التماس. لتكن الدعوة (كما لو أنها دعوة الأنبياء) الى دولة مدنية تعيد الحياة الى لبنان واللبنانيين.

لكننا في هذا الشرق الأوسط الذي مثلما ولد فيه الزمن، مات فيه الزمن!!