ٍَالرئيسية

في بيتنا عدو: قاطعوا «الوسيط» الإسرائيلي

 

الأخبار

لم يكن ينقص لبنان إلا مزيداً من الإذلال الأميركي بإيفاد واشنطن مستوطناً إسرائيلياً ليفاوضنا على حقوقنا في مياهنا الإقليمية والدولية. وهو إذلال لم يقف عنده، للأسف، أي مسؤول لبناني، بل تقبلوا الأمر بطريقة مذلّة.
لم يحصل، في أي دولة في العالم، أن تم اختيار وسيط بين دولتين لإدارة مفاوضات محايدة، يكون منحازاً، بالولادة والجنسية والفكر والهوية، لمصلحة أحد الطرفين المتفاوضين. هذا ما يحصل في لبنان، من دون أن يجرؤ أحد على إبلاغ الأميركيين بأن «الوسيط» هذا غير مرغوب فيه، إن لم يكن من باب الموقف المبدئي بعدم الاعتراف بالعدو، فعلى الأقل من باب «تضارب المصالح». فكيف إذا كان الرجل مولوداً في الكيان الصهيوني، تعلم فيه وخدم في صفوف جيشه، وقتل من أبناء هذه الأرض، وهو حكماً يعرف البحر المحتل والأرض المقابلة له، ويتصرف في بيروت على أنه في مهمة تجسسية لمصلحة بلاده «الأصلية»، لا تلك التي يحمل جنسيتها فحسب.
لا يكن ينقصنا من العار إلا مثل هذه الفضيحة، المتوقّعة على أية حال من قادة امتهنوا الانصياع للرغبات الأميركية. ووصل الأمر حدّ أن دبلوماسياً أميركياً قال لسائليه عن الأمر: «ألا يحمل غالبية المسؤولين في لبنان، من رؤساء ووزراء ونواب وموظفين كبار، جنسيات أخرى، وهل ينحازون أساساً لمصلحة لبنان في حال التفاوض مع الدول التي يحملون جنسياتها».
الوقاحة وصلت بالدبلوماسي نفسه إلى القول: «بين مسؤوليكم من يسألنا إن كنا نسمح لهم بزيارة سوريا من دون تعريضهم لعقوبات، ويطلبون إذننا للمشاركة في مؤتمرات ولقاءات يحضرها من تشملهم العقوبات الأميركية، فهل تعتقدون أننا سنسألهم رأيهم بمن نرسله إليهم؟».
هذا الكلام، يثبت الحاجة إلى أمرين:
الأول، التأكيد بأن ما يجري اليوم من مفاوضات حول ترسيم الحدود بشكلها الحالي يمثل فضيحة أخلاقية ووطنية تجب مقاومتها والتنصل من أي نتائج تصدر عنها.
الثاني، الدعوة إلى رفض هذا التطبيع غير المباشر مع العدو، وهو إذ يبدأ اليوم باستقبال مسؤول إسرائيلي، قد لا ينتهي غداً بقبول فكرته حول التطوير المشترك لحقول الغاز المتنازع عليها بين البلدين.

من هو عاموس هذا؟
وُلد عاموس هوكستين ونشأ في إسرائيل لأبوَين مهاجرين من الولايات المتحدة. خدم في صفوف جيش العدو الإسرائيلي بين عامَي 1992 و1995، وهي الفترة التي تزامنت مع سنوات الاحتلال الإسرائيلي للبنان، ومع عدوان «تصفية الحساب» عام 1993. في عمر الـ22، بعد الخدمة مباشرة، بدأ تدريباً في «الكابيتول هيل»، حيث شغل منصب مدير السياسة للشؤون الخارجية. وخلال عمله في «الكابيتول»، سافر إلى العراق، حيث شارك في مناقشات دبلوماسية أميركية عبر القنوات الخلفية لاحتمال رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية، في مقابل إعادة التوطين المحتملة لآلاف اللاجئين الفلسطينيين في وسط العراق. وفي حين كان يخطّط للعودة إلى إسرائيل بعد الفترة التي أمضاها في واشنطن، عُيّن عام 2001 عضواً رئيساً في شركة اللوبي الأميركية «كاسيدي وشركاؤه»، وشغل منصب نائب الرئيس التنفيذي للعمليات الدولية. واعتباراً من عام 2000، عمل على تيسير تبرعات لمرشَّحي الحزب الديموقراطي ولجان العمل السياسي، إضافة إلى «اللجنة الوطنية الديموقراطية»، وسوّق للعديد من مرشَّحي الولايات الشمالية الشرقية: كونيتيكت، نيو هامبشر، رود آيلاند، وبنسلفانيا.
بعد عام 2011، عمّق هوكستين مشاركته في توجيه سياسة الطاقة الأميركية في الشرق الأوسط، وأوراسيا. وعُيّن في منصب نائب مساعد الوزير لسياسة الطاقة، وأشرف على مبيعات النفط للأكراد عبر شركة «إكسون» وغيرها من شركات النفط الأميركية الكبرى. ومع تصاعد الحرب – المدعومة أميركيّاً – على سوريا، سعى إلى تأمين أرباح النفط في شمال شرقي سوريا، عبر التنسيق الوثيق مع وزارة الخارجية، بينما كان يعمل توازياً على خفض صادرات النفط الإيرانية. ومع مواصلته الضغط لسحق صادرات النفط الإيرانية – من خلال العقوبات «الفعالة» – تمكّن من خفض صادرات طهران بنسبة 50 في المئة بحلول عام 2014. وبصفته المبعوث الخاص لشؤون الطاقة الدولية، وهو المنصب الذي تولّاه بين عامَي 2014 و2017، تمثَّل أحد إنجازاته في تنفيذ العقوبات ضدّ الجمهورية الإسلامية. وفي العام ذاته، أي 2014، تمكّن من الحصول على صفقة بقيمة 15 مليون دولار لإسرائيل لتزويد الأردن بالغاز الطبيعي بعد 16 رحلة إلى المملكة على مدى عامين.
على الجبهة الأوراسية، عمل جنباً إلى جنب «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» في أواخر عهد أوباما، بهدف عزل صادرات الطاقة الروسية، عبر زيادة مبيعات النفط الأوكراني بدعم من الولايات المتحدة وإسرائيل، وإنشاء ممرّات للطاقة تمرّ عبر البلدان الحليفة لأميركا في وسط أوروبا وشرقها، بما في ذلك مشروع الربط الكهربائي بين اليونان وبلغاريا لتزويد جنوب شرقي أوروبا بالطاقة، وإطلاق خط ربط كهربائي إضافي بين المجر وسلوفاكيا، ودعم مقترحات إضافية من بولندا عبر كرواتيا إلى دول البلطيق. وفي خطاب ألقاه عام 2016 أمام وزارة الخارجية، نسب نائب الرئيس آنذاك، جو بايدن، الفضل إلى هوكستين في «تثقيفه» في شأن قضايا وسياسات الطاقة العالمية. ونُقل عن بايدن قوله: «عاموس وأنا سافرنا في جميع أنحاء العالم، من شرق البحر المتوسط… إلى خطوط الأنابيب القادمة من أوراسيا».
عيَّنته الولايات المتحدة لقيادة عملية صنع القرار في التنقيب عن الغاز البحري الذي تسعى إليه إسرائيل. تكثّفت جهود هوكستين الأولية لاستخراج الغاز في لبنان بعد اكتشاف واشنطن وتل أبيب، عام 2009، لحقل غاز تمار (8.4 تريليون قدم مكعّبة من الغاز القابل للاستخراج)، وهو أكبر اكتشاف من نوعه في العالم في ذلك العام. ومنذ ذلك الحين، اتّفقت قبرص وإسرائيل على ترسيم حدودهما، في ظلّ المنافسة الإقليمية القادمة من سوريا ولبنان، فيما أرسل وزير الخارجية اللبناني اعتراضات واضحة إلى الأمم المتحدة في شأن خطّة نيقوسيا وتل أبيب التي تضمّنت انتهاك سيادة لبنان الإقليمية.
بين عامَي 2013 و2016، زار هوكستين بيروت عدّة مرات لاقتراح صفقة لـ«تقاسم» الطاقة، لا سيما في خضمّ الفراغ الحكومي (2014-2016). وفي حين اعتُبرت المفاوضات، في ذلك الوقت، «غير ناجحة» بالنسبة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، وزاد من تعقيدها الصعود غير المتوقَّع للجمهوري دونالد ترامب إلى الرئاسة في أواخر عام 2016، تمثّل إحباط إسرائيل الرئيس، بحلول عام 2019، في النجاحات النسبية التي حقّقها «حزب الله»، أي منع لبنان من توقيع صفقة تصبّ في مصلحة واشنطن وتل أبيب. وعينه وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في العاشر من آب الماضي، مستشاراً أوّل لأمن الطاقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى