بولا مراد-الديار
على وقع الخطاب التصعيدي لامين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بوجه رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، انعقدت جلسة مجلس النواب يوم امس التي حسمت موعد الانتخابات النيابية، وعليه سيكون اللبنانيون على موعد مع يوم انتخابي طويل الاحد الواقع في ٢٧ آذار المقبل، فاما يجددون دعم القوى الحالية ضاربين عرض الحائط كل الآمال سواء في الداخل او الخارج المعلقة على تغيير على شكل تسونامي يأتي من خلال صناديق الاقتراع، او يقلبون الطاولة في وجه احزاب السلطة معلنين انطلاق حقبة سياسية جديدة تقودها وجوه واحزاب من خارج المنظومة وهو ما قامت من اجله انتفاضة 17 تشرين الاول 2019.
٥ اشهر صعبة!
وكما تشير كل المعطيات، لا يبدو ان المرحلة التي تفصلنا عن موعد الاستحقاق النيابي ستكون سلسة، اذ يرجح بحسب مصادر سياسية واسعة الاطلاع ان نشهد وضعا امنيا غير مستقر خلال الاشهر الـ٥ المقبلة، يتزامن مع تصعيد سياسي حاد بدأت ملامحه تتضح في الاسبوعين الماضيين. وتلفت المصادر في حديث لـ”الديار” الى ان اجراء الانتخابات في الموعد المحدد ليس محسوما خاصة اذا استمر الخطاب السياسي بأخد منحى مذهبي وطائفي ما يهدد بانفجار امني يطيح بالانتخابات، وهو ما يخشاه المجتمع الدولي ومجموعات المعارضة في الداخل.
وانشغلت الاوساط السياسية يوم امس بتحليل خطاب السيد نصرالله، وقالت مصادر مطلعة على جو الحزب ان قراره الافصاح عن عدد مقاتليه “يأتي باطار ردع اي حرب اهلية يطمح اليها سمير جعجع والدول التي تسيره”، معتبرة في حديث لـ”الديار” ان “حادثة الطيونة قد لا تكون يتيمة، اذ نتوقع ان يقوم جعجع بمحاولات اخرى لجرنا الى الفتنة… لكن حزب الله بالمرصاد ونفسه طويل”.
امنيا ايضا، دارت اشتباكات بالاسلحة يوم امس في بلدة وادي الجاموس شمال لبنان بين أفراد من عائلتي الطرطوسي والسيد، وافيد عن عمليات إحراق للمنازل والسيارات، ما ادى الى مقتل مواطنين اثنين و7 جرحى نقلوا جميعا الى “مركز اليوسف الاستقصائية» في حلبا وحالة بعضهم حرجة. وحاولت قوة من الجيش وقف الاشتباكات ودخلت البلدة وقامت بجهود كبيرة منذ الصباح لوقف إطلاق النار وإعادة الهدوء.
صفعة لباسيل؟
وبالعودة الى جلسة مجلس النواب، فقد شهدت استعار الخلاف والكباش بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل. فبعد اعتماد السابع والعشرين من آذار موعدا للانتخابات رغم اعتراض “لبنان القوي”، تم تعديل نص قانون الانتخاب عبر السماح للمغتربين بالمشاركة باقتراع 128 نائباً وفق الدوائر الـ 15 وليس حصر تصويتهم بـ 6 نواب، كما تم إقرار مبلغ 750 مليون ليرة لبنانية سقفاً ثابتاً للمرشح الواحد و50 ألف ليرة عن كل ناخب كمبلغ متحرك و٧٥٠ مليون ليرة كسقف الإنفاق للائحة الواحدة. كما تم تعليق المادة المتعلقة بالبطاقة الممغنطة في قانون الانتخاب، واسقاط صفة العجلة عن اقتراح قانون الكوتا النسائية.
واعترض باسيل على تحديد موعد الانتخابات في آذار بسبب الطقس وأيضاً بسبب صوم المسيحيين. ورد عليه بري قائلا: «صوتنا وخلصنا ومنكمل بالجلسة». وبعد ان لوح باسيل بالطعن في “تغيير موعد الانتخابات”، اجاب بري “ما حدا يهددني كل شي بسمح فيه إلا التهديد». وعندما طالب باسيل بري بإعادة التصويت بالمناداة على إلغاء اقتراع المغتربين لـ 6 نواب حصل هرج ومرج، وأعيد التصويت سريعاً بالمناداة، وصدّق القانون، وقال برّي “خلص خلصنا كأن أول مرة منعمل جلسة». كما سجّل توتر بين بري وباسيل حول موضوع “الميغاسنتر”، فدخل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على الخط وكلّف وزير الداخلية بدراسة إمكانية تطبيقه.
واعتبر باسيل بعد الجلسة أن “ما حصل اليوم مجزرة تشريعية بالنسبة لقانون الانتخاب”، وقال: «سنطعن بموضوع اقتراع المغتربين لأن المبدأ الدستوري واضح وقد تم خرقه وهذا خرق دستوري وسياسي ووطني».
من جهته تعهد ميقاتي خلال الجلسة بالقيام “بكل جهدنا للعمل على اجراء الانتخابات ضمن المهل التي قررها مجلس النواب وتأمين الأمور اللوجستية، وبإذن الله ستكون شفافة وسليمة».
واعتبرت مصادر سياسية واسعة الاطلاع ان ما حصل خلال الجلسة شكل صفعة جديدة لباسيل الذي كان يتغنى بانجاز حققه للمغتربين بتخصيص ٦ نواب لهم فيما قسم كبير من المغتربين لا يؤيدون هذا الخيار ويفضلون ان يصوتوا للـ ١٢٨ نائبا اسوة باللبنانيين المقيمين. واضافت المصادر لـ”الديار”: “هذه الصفعة تأتي بعد الصفعة القواتية بحيث بات واضحا تراجع التيار شعبيا وبخاصة في الساحة المسيحية على حساب تنامي شعبية القوات والمجتمع المدني”.
وكان حزب الله دعم باسيل خلال الجلسة. وقال النائب حسن فضل الله “نحن مع إبقاء النص القانوني كما هو وكحزب الله لا نستطيع الترشح في الخارج لكننا مع طرح انتخاب ٦ نواب للاغتراب ولماذا انقلب على هذا الطرح من كان معه”؟
وفيما تم اسقاط صفة العجلة عن اقتراح قانون الكوتا النسائية، قال بري “كأن هناك من لا يريد لهذا البلد أن يتخلص من مشاكله، لقد تقدمنا في كتلة التنمية والتحرير منذ ثلاث سنوات بإقتراح قانون على أساس النسبية ولبنان دائرة إنتخابية واحدة، مع مجلس الشيوخ مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وصولا الى الدولة المدنية، وكان بالامكان الإنتقال بلبنان الى مرحلة جديدة، ومن جملة ما يتضمنه إقتراح القانون الكوتا النسائية بنسبه 20 سيدة وهذا ما هو معروض اليوم في الاقتراح الحالي”.
من جهته، قال النائب جورج عدوان بعد انتهاء الجلسة: “حققنا لغير المقيمين خطوة مهمة فبدل أن نحصر خيارهم بعدد مقاعد قلنا لهم إنهم قادرون على المشاركة في الانتخابات لاختيار مناطقهم والأشخاص الذين يعرفونهم وهذا أمر عملي ومحق ويسمح لهم بالمساهمة فعليا بما يحصل في لبنان».
ليونة شيعية؟
اما حكوميا، فقرأ البعض باعلان وزير الثقافة محمد مرتضى يوم امس أنه سيحضر اي جلسة يدعو اليها الرئيس ميقاتي، ليونة من قبل “الثنائي الشيعي» في التعاطي مع ملف تحقيقات المرفأ بعد التصعيد الذي طبع موقفه مؤخرا. واعتبر مرتضى أنه يجب على وزير العدل والمؤسسة القضائية ايجاد الحل بمسألة الارتياب من المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار. وقال “نحن لم نهدد ولم نعلّق جلسات مجلس الوزراء ولم نفرض بند تغيير البيطار بل عرضنا ملاحظات على ادائه لكل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء».
وقالت مصادر مطلعة على الملف لـ”الديار» انه وضع حاليا بين يدي رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود المتروك له اتخاذ القرارات والاجراءات القضائية اللازمة، موضحة ان عدم استدعاء المحقق العدلي القاضي البيطار لجلسة مرده انكباب عبود لايجاد المخرج المناسب للازمة قبل ابلاغ البيطار به.
وفيما وقع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مرسوم تعيين عضوين في المجلس الدستوري، ومرسوم تعيين المدير العام لوزارة العدل، افيد ان القاضي البيطار حضر يوم أمس الى مكتبه واستأنف عمله بشكل طبيعي بعد تبلغ قرار الغرفة الأولى في محكمة التمييز رفض طلب الرد المقدم بحقه من قبل النائب علي حسن خليل.
وفي وقت لاحق حدد البيطار يوم الخميس الواقع في ٢٨ تشرين الاول موعدا جديدا لاستجواب رئيس الحكومة السابق حسان دياب ونهار الجمعة في ٢٩ تشرين الأول موعداً لجلستي استجواب النائبين نهاد المشنوق وغازي زعيتر.
قضائيا ايضا، تقدمت المحامية مي الخنساء يوم امس بإخبار الى جانب النيابة العامة التمييزية ضد رئيس حزب “القوات اللبنانية» سمير جعجع والمحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، وكل من يظهره التحقيق فاعلا او متدخلا او شريكا او محرضا، بجرم ارتكاب الإرهاب وتمويل الأرهاب، والنيل من هيبة الدولة، وارتكاب جرائم الفتنة، والتحقير وجرائم ضد القانون وضد الدستور اللبناني، بحسب الوطنية للاعلام.
نقاشات مع صندوق النقد
ماليا، اعلن جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي أن الصندوق والسلطات اللبنانية شرعا في مناقشات فنية لإخراج البلاد من أزمتها، مشددا على الحاجة إلى التعامل مع مسألة الخسائر التي يتكبدها القطاع المالي. وقال لـ “رويترز» إن رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي طلب المساعدة من المقرض وإن المناقشات الفنية بدأت، واضاف “آخر مرة حصلنا فيها على إطلاع كامل للوضع تعود إلى آب 2020، قبل استقالة الحكومة السابقة، وبالتالي هناك أشياء كثيرة حدثت ونحتاج إلى تحديث الأرقام وخط أساس جديد». وتابع أزعور “من المهم جدا معالجة المشكلات التي يواجهها القطاع المالي، وخاصة الخسائر المالية”.
وكان ميقاتي استقبل امس في السراي الحكومي المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي وممثل المجموعة العربية فيه الدكتور محمود محيي الدين. وأكد ميقاتي خلال الاجتماع، أن “لبنان يعول كثيرا على إقرار خطة تعاون مع صندوق النقد الدولي لمساعدته على تجاوز الازمة المالية والاقتصادية التي بلغت مستويات غير مسبوقة”.وقال: “الحكومة باشرت، بالتوازي، بإعداد خطة التعافي المالي والاقتصادي التي تتضمن الاصلاحات الاساسية في البنية الاقتصادية والمالية ووقف النزف المالي الذي يسببه قطاع الكهرباء خصوصا، وانجاز المراسيم التطبيقية للقوانين الاصلاحية التي أقرها مجلس النواب، اضافة الى اعداد مشاريع قوانين جديدة والتعاون مع مجلس النواب لاقرارها في اسرع وقت». وشدد على أن “الحكومة انجزت البيانات المالية المطلوبة لتكون منطلقا للتعاون مع صندوق النقد”، وقال: «نأمل انجاز برنامج التعاون قبل نهاية العام الحالي». وأضاف: «الاصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي هي حاجة وضرورة لبنانية قبل أن تكون مطلبا خارجيا». كذلك افيد عن ان محيي الدين التقى ايضا الرئيس عون للبحث باستئناف المفاوضات مع صندوق النقد.
تنازلات حدودية
وتتجه الانظار اليوم الاربعاء الى ما سيحمله الوسيط الاميركي في ملف ترسيم الحدود آموس هوكشتاين الذي وصل الى بيروت يوم امس وبدأ جولته على المسؤولين اللبنانيين. ونبهت مصادر سياسية من “تنازلات قد يقدم عليها لبنان، مهد لها ميقاتي خلال مقابلة تلفزيونية معه الاسبوع الماضي حين قال: «نحن عندنا مرسوم ومتمسّكون بالنقطة 23. الجيش اللبناني طرح النقطة 29. لكن لا مرسوم في هذه النقطة لحدّ الآن. نحن ليس عندنا تغيير عن النقطة 23 إلى حين ظهور نتائج الدراسات الجدّية الجديدة التي تُعرض علينا وفي ضوئها نأخذ القرار المناسب»… واعتبرت المصادر في حديث لـ”الديار» ان هذا الكلام خطير ويهدد بالتنازل عن جزء كبير من الحقوق اللبنانية مشددا على وجوب التمسك بالنقطة ٢٩ التي تبنتها قيادة الجيش.