لم يقف تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي مع القوات اللبنانية في حادثة الطيونة. شعار التهدئة يخفي خشية من لهجة حزب الله، ويعيد فتح الحسابات القديمة مع القوات، في مقابل ضغط خارجي عليهما لخوض الانتخابات معاً
لكنّ المستقبل والاشتراكي سيكونان أمام تحدّ مفصلي من الآن فصاعداً، في ضوء ما وصل من معلومات عن ضرورة خوضهما الانتخابات مع القوات في الاستحقاق المقبل، ما يجعلهما في موقع حساس، لإعادة استيعاب ردود الفعل قبل الربيع المقبل.
إذا كان رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع اعتبر ما جرى أنه «ميني 7 أيار»، فإنه بذلك أعاد تذكير المستقبل والاشتراكي بما تعرّضا له آنذاك وبكيفية إدارتهما للأزمة حينها، إذ إن الأول لم يواجه رغم ما قيل عن أموال كثيرة أُنفقت يومها على قوى خاصة، فيما واجه الثاني شعبياً في اللحظات الأولى، قبل أن يعود ليعقد تسوية سياسية مع حزب الله. لكنّ اللافت، أخيراً، أنه في مقابل «الزهو» القواتي بما تحقّق، وجد بعض قيادات المستقبل والاشتراكي في توصيف جعجع مناسبة للارتداد نحو القوات اللبنانية، من دون أي حرج.
كان نادي رؤساء الحكومات السابقين معبّراً بصراحة عن موقف فاجأ حتى من لا يكنّون ودّاً شخصياً أو سياسياً للقوات. بحسب أحد السياسيين، فإن المفاجأة أتت من شخص كالرئيس فؤاد السنيورة، بكل ما يمثله من موقع وموقف تجاه حزب الله. كان الاعتبار الأولي أن قاعدة المستقبل التي تماهت مع تصرف القوات ورحّبت به ضمنياً لمجرد عدائها لحزب الله، ستؤثر في تصرف قيادات المستقبل وموقفها. لكنّ الغلبة كانت للاعتبار الطائفي والمذهبي. علماً أن قياديين ونواباً سابقين في التيار بادروا إلى التعبير عن قلقهم من تداعيات ما جرى على مستقبل الوضع الداخلي برمّته. لكنّ تيار المستقبل، كقيادة عليا ومستشارين، رأوا في ما جرى فرصة سانحة للانقضاض على القوات. وهم سبق أن تعاطوا مع ملف المرفأ منذ اللحظة الأولى عشوائياً، تارة مع التحقيقات وضد رفع الحصانات، وأخرى ضد المسّ بالرئيس حسان دياب، والتشفي من النائب نهاد المشنوق، ومن ثم رفض تسييس الملف، وإجراء تحقيق دولي. حركة دوران مستمرة، حول نقطة وحيدة: عدم اختلاق مشكلة مع حزب الله وحركة أمل. لكنّ الأحداث الأمنية الأخيرة، أظهرت تيار المستقبل وكأنه أمام تحدي حسم خياره المطلق، وتصفية حسابات مع القوات، بدءاً من موقفها من الرئيس سعد الحريري إبان أزمته في الرياض، وعلاقتها مع السعودية التي لا تزال متقدمة خصوصاً مع اقتراب الانتخابات النيابية، وموقفها من حكومة الحريري عشية 17 تشرين وعدم تسميته رئيساً للحكومة.
اللافت في ما قام به المستقبل وما لم يقم به، خلال الأحداث الأمنية وما بعدها، أنه بات من دون حليف مسيحي بعد خلافه مع التيار الوطني الحر، وأنه في لحظة مفصلية تخلى مجدداً عن «حليف» مسيحي ولو كان سابقاً. وكأنّ هناك تصفية حساب مع مرحلة عمرها من عمر اغتيال الرئيس رفيق الحريري تجاه الشريك المسيحي – الماروني.
وهنا يتقاطع دور الاشتراكي مع المستقبل. «وعي» رئيسه وليد جنبلاط الدائم في مفاصل الاشتباكات الحساسة، باستدراك المواقف العالية السقف وتدوير الزوايا، جعله لا يرى في ما جرى إلا مناسبة للانتقال إلى المربع الآمن. جنبلاط نفسه الذي يروي رفاقه في قوى 14 آذار كيف أمسك بيد الحريري وأتى به إلى الرئيس نبيه بري وحزب الله بعد عام 2005، هو نفسه الذي يناهض العهد ورئيس الجمهورية والنائب جبران باسيل الذي عاد إلى توصيف حادثة قبرشمون بأنها محاولة اغتياله، وهو نفسه الذي يمدّ جسور حوار معهما، وهو الذي لا يربطه ودّ بالقوات إلا تحت وطأة وضع الجبل الذي يحتاج إلى تهدئة دائمة. ما عدا ذلك، وقفات متقطّعة وحوار غير متواصل إلا في المناسبات. أما ما جرى في عين الرمانة، فقضية أكثر من خطرة بالنسبة إلى جنبلاط، بالمفهوم الأمني والعسكري والسياسي، إلى حدّ لا يرى معه موجباً أن يُحسب عليه بأنه قد يؤيد أي تصرف عسكري للقوات التي سبق أن تقاتل معها في الجبل. كذلك لا يمكن أن يُفهم من موقفه أي استنتاجات سريعة باحتمال الوقوف ضد بري وحزب الله، ولو أن قاعدته تنظر بعين الرضى إلى ما جرى. قد يكون جنبلاط الأكثر صراحة عندما قال إن «الموارنة جنس عاطل»، ورغم أنه لم يكن يستهدف الموارنة أو المسيحيين في شكل عام، لكنه في كل محطة حرجة سياسياً، يفضّل دوماً عدم الانسياق إلى مرحلة تماهٍ مع أي زعيم سياسي. وهو والمستقبل وجدا اليوم نقطة تقاطع أساسية تعيد وصل ما كان بينهما، على قاعدة النظر بارتياب إلى تحرك القوات سياسياً وعسكرياً، وما يمكن أن تحصد نتيجة ذلك في دول حليفة ولا سيما عربياً. لكنّهما سيضطران إلى القفز فوق كل هذه الاعتبارات عندما تقترب ساعة الانتخابات، ووضع رعاتهما الإقليميين والدوليين لهما، مرة أخرى، أمام استحقاق إعادة التحالفات إلى سابق عهدها.