الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ـ الهجرة والأمن والدفاع، ملفات مشتركة
المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الإستخبارات ـ المانيا و هولندا
إعداد: وحدة الدراسات والتقارير “22”
اصبحت بريطانيا يوم 31 يناير 2020 عند الساعة 23,00 بتوقيت لندن وتوقيت غرينيتش وبعد ثلاث سنوات ونصف السنة على تصويت 52% من البريطانيين لصالح الخروج في استفتاء سنة 2016. أول دولة تُغادر الاتحاد الأوروبي لتنهي بذلك علاقة استمرت 47 عاماً، في انفصال تاريخي سيحتفل به مناصرو بريكست فيما يثير مشاعر حزن لدى مؤيدي أوروبا، يأتي هذا بعد أكثر من ثلاث سنوات من الانقسامات والتقلبات.
لقد حوّلت الهجرة وجه بريطانيا إلى حد بعيد منذ الحرب العالمية الثانية. ولعبت أحداث ومناسبات عدة دوراً في هذا التغيّر في عدد الوافدين الإجمالي، وكانت توسعة الاتحاد الاوروبي سنة 1992 والتي من خلالها وقعّت بريطانيا، أسوة بغيرها من الدول الأعضاء في الإتحاد، إتفاقية ماستريخت الخاصة بالإندماج الأوروبي. ومنحت هذه الإتفاقية كل مواطني دول الإتحاد الأوروبي حقوقاً متساوية ومنها حق الإقامة في أي دولة من دول الإتحاد. واحدة من أكبر موجات الهجرة التي شهدتها بريطانيا في تاريخها.
الاسباب والدوافع
إنّ من اهم الأسباب التي يطرحها المعسكر المؤيد لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي ما يلي:
قضية الهجرة والمهاجرين
ان الحدود بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة لها تفرد فالرقابة والسيطرة لا تمارسان هناك اذ تم إنقاذ 2500 مهاجر كانوا يحاولون عبور القناة الإنجليزية على متن قارب إلى بريطانيا من البر الرئيسي سنة 2019، أي أكثر بأربع مرات من سنة 2016. وسجلت 261 حالة عبور أو محاولة على مدار السنة، 95 % منها من إدارة “باس دي كاليه”. بالإضافة إلى ذلك، أعيد إلى القارة 125 مهاجراً غير شرعي اعترضهم البريطانيون. اذن فكأن التصويت لصالح الخروج هو نوع من الاحتجاج القوي على الهوية القومية، أو إذا جاز القول على الهوية القومية التي حددتها الطبيعة الجغرافية للمنطقة والجيل الذي ينتمي إليه هذا الناخب أو ذاك.
الإرهاب الهجرة والإرهاب ، تداخل مع بعضهما
وعلى هذا الاساس وضعت الحكومة البريطانية نظام جديد للهجرة يقوم على “نظام النقاط”، دخل حيز التنفيذ مطلع يناير سنة 2021 في ظل انتقادات حادة لمضمونه. والذي لا يفّرق بين مواطني الاتحاد الأوروبي وغيرهم ويفرض معايير محددة وشروط على الأشخاص الراغبين في العيش على أراضي المملكة المتحدة. كل هذا كان لوضع حد لحرية الحركة واستعادة السيطرة على الحدود و”ثقة الشعب البريطاني”، هكذا عبّرت وزيرة الداخلية البريطانية السابقة “برتي باتل”، عن نظام الهجرة الجديد الذي وُصف بإجراءاته “الصارممة”. وتلزم الإجراءات الجديدة أي راغب بالهجرة ولو من أي بلد أوروبي، الحصول على 70 نقطة، موزعة في عدد من الشروط، لكل منها قيمة من النقاط وأبرز هذه الشروط هي :
الإلمام باللغة الإنجليزية، عقد العمل، الراتب السنوي، حامل شهادة دكتوراه، الطالب الجامعي الذي يجب أن يكون ملماً باللغة الإنجليزية للحصول على تأشيرة تسمح له بالسفر إلى بريطانيا للتسجيل في إحدى الجامعات أو المدارس، مع شرط بتلقيه موافقة مسبقة منها، وأن يكون قادراً على إعالة نفسه، وهذا الشرط الأخير مفروض في النظام المعمول به حالياً.
تدفق مواطني دول اوروبا الشرقية
في سنة 2004، وسّع الإتحاد الأوروبي ليضم 8 من دول المعسكر الإشتراكي السابق، وهي “أستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا والمجر وسلوفينيا”، كما إنضمت “قبرص ومالطا” للإتحاد في نفس الوقت. وعكس ألمانيا وفرنسا، لم تضع بريطانيا أي قيود مؤقتة على انتقال مواطني هذه الدول إليها. حيث اعتمدت حكومة “توني بلير” انذاك العمالية موقفاً إيجابياً تجاه الهجرة، معتبرة أنّ اقتصاد البلاد النامي بحاجة إلى قوة عاملة أكبر حجماً. متوقعة انّ توسعة الإتحاد الأوروبي ستتسبب بزيادة في عدد المهاجرين لا تتجاوز 13,000 في السنة الواحدة. إلاّ أنّ الحقيقة كانت مختلفة عن ذلك بكثير، إذ وصل إلى البلاد وأقام فيها أكثر من مليون من مواطني هذه الدول في العقد التالي. وكانت تلك ثاني أكبر موجات الهجرة التي شهدتها بريطانيا في تاريخها.
الانفاق العسكري داخل الناتو
تعتزم الحكومة البريطانية زيادة انفاقها العسكري ليكون الأكبر منذ انتهاء الحرب الباردة. إذ أعلن رئيس الوزراء البريطاني “بوريس جونسون” عن تمويل إضافي بقيمة 16,5 مليار جنيه إسترليني على مدى السنوات الأربع المقبلة مشيراً إلى أن الدعم المالي سيُرسّخ مكانة المملكة المتحدة باعتبارها الدولة الأكثر إنفاقاً على الدفاع في أوروبا والثانية في حلف شمال الأطلسي.
وتعهد للأمين العالم لحلف الناتو، “ينس ستولتنبيرغ”، ببقاء الإنفاق الدفاعي لبريطانيا فوق مؤشر أهداف الحلف. مشيراً في السياق ذاته إلى ارتفاع الميزانية الدفاعية البريطانية بواقع 24 مليار جنيه إسترليني، مؤكداً التزام حكومته بالتحديث واسع النطاق للقوات المسلحة. كما شدد على تماسك بريطانيا الصارم بالناتو باعتباره ضامناً للأمن الأوروبي الأطلسي، لافتاً إلى أنّ زيادة الاستثمارات في مجال الدفاع أوصل الإنفاق العام في بريطانيا إلى مستوى يصل 2.2% من إجمال الإنتاج المحلي، ما يفوق بشكل ملموس هدف الناتو.
التقييم:
تدور الاشكالية حول نقطتين اثنين، تتمثل النقطة الأولى بتحول قضايا الهجرة من كونها قضايا اقتصادية في الماضي إلى قضايا أمنية وسياسية في المقام الأول في الآونة الأخيرة، أما النقطة الثانية فتتمثل بطابعها عبر الحكومي لطريقة اتخاذ القرار الأوروبي في ما يتعلق بقضايا الهجرة واللجوء السياسي (أي سيطرة حكومات الاتحاد الأوروبي ودوله على عملية اتخاذ القرار). خاصة وان الحكومته البريطانية كانت قد ارتكبت خطأً فادحاً عندما لم تحد من سبل وصول المهاجرين إلى سوق العمل البريطاني في أعقاب دخول دول وسط أوروبا وشرقها في عضوية الاتحاد الأوروبي سنة 2004، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى تزايد عدد المهاجرين إلى بريطانيا على نحو غير مسبوق وغير متوقع.