الكاتب : ناجي امهز
الطبقة السياسية ليست على اختلاف فيما بينها: بالأمس كانت القوات اللبنانية تشيد بالرئيس بري وتدافع عنه وتلتزم كلمته وتعول على حكمته السياسية، وتلجا اليه بكل صغيرة وكبيرة على المستوى التشريعي والدستوري.
وأيضا الاتصالات متواصلة من قبل الرئيس بري مع القوات ان كان بالمجلس النيابي او بالمناسبات الرسمية، قبل سنة تلقى رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع وعقيلته النائب ستريدا جعجع اتصالاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري لمعايدتهما بحلول عيد الفصح المجيد.
يعني السياسيين قادرين ان يحلوا مشاكلهم دون الرجوع الى الشارع، وهم يعرفون بعضهم جيدا، ويمكنهم ان يعالجوا الكثير من الأمور بين بعضهم البعض وهم دائما قادرون على اللقاء.
وأيضا لا يعقل ان يكون المقاوم الذي استشهد من اجل الدفاع عن كل حبة تراب من هذا الوطن، او الذي رفع بجراحه عزة وكرامة شعب، هو المسؤول.
كما انها ليست الطائفة الشيعية التي قدمت للبنان منذ اربعمائة مائة عام كل دمائها واوجاعها وتضحياتها وما زالت تقدم، وخاصة ان الطائفة الشيعية لن تستطيع ان تبتعد يوما عن المسيحيين ولا المسيحيين استطاعوا ان يعيشوا يوما دون جيرة الشيعة، وهذه الجغرافيا اللبنانية امامكم وهذه العائلات اللبنانية حاضرة.
وأيضا لا يعقل ان تكون الطائفة المسيحية تريد ان ترمي بما تبقى من أبنائها في اتون حرب، لا طائل منها وهذا ما اثبتته الحرب الاهلية والتجربة التي استمرت خمسة عشر عاما وأدت الى تدمير وتهجير ثلثي الشعب المسيحي.
والخطأ الذي حصل بالأمس ليس خطأ السيد نصر الله، المحروم حتى من التواصل واللقاءات، وهو يعيش أصعب ظروف الحياة، بسبب ترصد كل أدوات الاجرام والاستخبارات الدولية للنيل منه، وأيضا لا يوجد بيت وطني أكثر وطنية من بيت السيد الذي علم أولاده حب الوطن حتى سقط ابنه البكر شهيدا على محراب لبنان دفاعا عن حدوده.
وأيضا لم يخطئ أهالي ضحايا انفجار المرفأ، الذين يموتون كل يوم ألف موتة، او الذين تدمرت منازلهم ومؤسساتهم، وهم يريدون معرفة الحقيقة لترتاح أرواح من صعدت الى السماء. وأيضا أهالي ضحايا المرفأ لن يجدوا من يشعر بحالهم ووجع فراق احبتهم أكثر من أهالي الشهداء الذين سقطوا على ايدي العدو الإسرائيلي وفي مواجهة التكفيري الإرهابي.
وأيضا لم يخطئ الشهداء وضحايا الحرب الاهلية الذين يسكنون القبور، بل الذي أخطأ هو غالبية الطبقة السياسية التي تسكن الفلل والقصور ولها بكل بلد عقار وحساب مالي.
انما الذي أخطأ بحق الشعب والوطن، هي غالبية الطبقة السياسية ومن مختلف الطوائف، التي لم تتحرك عندما ضاعت الودائع وتحولت تعويضات الموظفين الفقراء الى قروش، ولم تنتفض او تستقيل او حتى تفتح باب المحاسبة عندما حصل انفجار المرفأ، مما فتح الباب على مصراعيه للمظاهرات والمشاحنات وتوتر الأجواء، ودخولنا الفوضى، والتدخل الدولي، وحتى الاصطياد بالماء العكر.
اذا نحن لسنا على اختلاف او خلاف، بل ضحية اخطأ غالبية الطبقة السياسية التي لا تعرف شيئا الا ان تزيد مكتسباتها، طبقة سياسية تناوبت على النهب والهدر والفساد، حتى أصبح الفساد أكبر من العدو الإسرائيلي وأخطر من المجرم الإرهابي التكفيري.
طبقة سياسية غالبيتها مستعدة ان تقاتل على المناصب والمكاسب، ودفاعا عن مؤسساتها التجارية والمالية،، هل شاهدتم سياسي يمتلك أسهما ببنك مستعد ان يقبل بمحاسبة البنوك.
انا اعرف ان صوتي لن يصل ولن يسمع، في وسط هذا الضجيج واصوات الرصاص، لكني أحاول منذ سنوات وسأبقى أحاول، لا يمكن للأقليات ان يتصادموا والا سينتهون، ويشطبون من الجغرافيا وينزعون من التاريخ، مهما عظمت قوتهم، هذه سنن كونية، لا يمكن للشيعة والمسيحيين والموحدين الدروز وباقي الاقليات ان يتقاتلوا بسبب اختلاف سياسي، وهم اهل مسكن وارض واحدة منذ ان سكنوا لبنان.
بالختام الطائفة السنية الكريمة هي الامة الكبرى، وجميع الاقليات في الوطن العربي ليست الا فواصل صغيرة ضمنها، وهذا حال امتنا هي طوائف واقليات، ولا يوجد لهذه الاقليات مكان تتنفس فيه الا لبنان.
فالمسيحيين لم يأخذوا مكانهم بالعالم العربي لأنهم أقوياء واكثر عددا، بل لأنهم اهل ساسة وعلم واعلام وهندسة وطب،
والشيعة لم يصبحوا امة لها وجودها بالإقليم والعالم لأنها تمتلك الصواريخ، بل لأن فيها رجال دين يؤمنون بالحوار والانفتاح والعدالة الاجتماعية التي وضعها معلمهم الامام علي بن ابي طالب، ولأنها قاتلت المحتل الإسرائيلي، ودافعت عن الأقليات عندما قاتلت التكفيريين.
اذا الرابح الوحيد من هذا الاقتتال هو العدو الإسرائيلي الذي يريد القضاء على الشيعة والتكفيري الذي يريد القضاء على المسيحيين لانهم كفار.
بالختام ما حصل هو مأساوي ويحتاج الى علاج عميق، او لنتحدث صراحة، ان كان القرار بالذهاب الى التقسيم، فلنذهب بعيدا عن الدم وبهدوء، وان كانت وحدة لبنان هي الهدف اذا يجب على الجميع التنازل بحثا عن الحلول، والنقاط المشتركة الى ان يبدا الحل بكافة النقاط العالقة.
الاقتتال والتشنج لن يوصل الى أي مكان يجب تحديد الأولويات، فان صرخ كل الشيعة عن فلان مجرم وقاتل وعميل وهو بنظر غالبية طائفته بطل لن يغير شيء.
وان صرخ كل المسيحيين ان فلان ليس لبنانيا، وانه يستقوي بالسلاح وهو بنظر كل طائفته وشريحة كبيرة من الذين يعادون الكيان الإسرائيلي، بطلا وقائدا ومعلما، أيضا لن يغير شيء.
دعونا نتكامل بالوحدة والعيش الواحد، وان نصغي ونسمع هواجس بعضنا، ونحكي صراحة عما يجول بأفكارنا، وان نبدد الشكوك، ونوقف الاشتباك الإعلامي والسياسي، دعونا نحافظ على لبنان.
لانه بالختام سيكون المخطئ الأول والأخير هو نحن جميعا.
لقد اعجبني شيء سمعته منذ فترة طويلة عن لسان الوزير سليمان فرنجية لكن لم أتأكد منه، وهو يشير الى عمق معرفته وحكمته وعظيم تجربته، وكبر وطنيته التي هي اكبر من جغرافية زغرتا والشمال، حيث وقف بين مناصريه وقال لهم مهما حصل وسيحصل لن اقبل بان تهدر نقطة دم واحدة بعد اليوم تحت أي ذريعة او سبب ولو خسرنا كل شيء بالسياسة والمناصب السياسية، فانا لا اريد ان يعيش ابنائي وابنائكم ما عشته انا وجيلنا…