ٍَالرئيسيةتحقيقات - ملفات

إسرائيل بحاجة إلى مواجهة جبهوية لخلق قدرة ردع جديدة

مكور ريشون

دورون متسا – باحث في معهد بيغن – السادات


الجرائم الخطِرة التي يشهدها الشارع العربي، واحتدام الوضع في النقب، والصعوبة التي تواجهها الشرطة في مواجهة هاتين الظاهرتين، كلها أمور تخلق إحساساً مريراً لدى الجمهور الإسرائيلي. الانطباع السائد أن “الدولة راحت” وتلاقي صعوبة في التصرف بفعالية وكبح ما يبدو جيوباً مارقة في المجتمع الإسرائيلي، وفي الأساس مواجهة ظاهرة الحكم الذاتي التي فرضتها مجموعات في داخلها.
ما يبدو اشتعالاً غير مسبوق لبؤر العنف في المجتمع الإسرائيلي هو أحد أوجه ظاهرة أوسع بكثير ولا تنحصر فقط في القطاع الداخلي الإسرائيلي، بل أيضاً تصل إلى القطاع الخارجي. إعلان “حماس” الحرب على إسرائيل في أيار/مايو الماضي، واستعداد إيران المضي قدماً في مشروعها النووي، وخداع الغرب فيما يتعلق بالاتفاق النووي، وتهديدات حزب الله لإسرائيل، كل ذلك هو أوجه لعملة واحدة، قاسمُها المشترك تآكل ردع الدولة.
إذا فحصنا كل ظاهرة من هذه الظواهر على حدة فلن نجد جديداً. إسرائيل تواجه منذ أكثر من عقد مشكلة الجريمة في القطاع العربي، وكذلك ظاهرة الحكم الذاتي في النقب، وأيضاً فيما يتعلق بتحدي حزب الله في الشمال و”حماس” في الجنوب. الاستراتيجيا التي انتهجتها إسرائيل لمواجهة التحديات الداخلية اعتمدت على عقيدة معاكسة لعقيدة الحسم التي انتهجتها في العقود الأولى من قيامها. فقد انتهجت إسرائيل استراتيجيا هدفها إدارة التحديات، وبهذه الطريقة تلطيفها والتخفيف من خطورة هذه المخاطر من دون حلها من أساسها.
يوجد اعتباران في أساس هذا النهج الذي تبناه بنيامين نتنياهو: الأول، الإدراك أن محاولة حل المشكلات الجذرية مرتبط بمواجهات عنيفة من المشكوك فيه أن المجتمع الإسرائيلي مستعد لدفع ثمنها؛ والثاني، الإدراك أن نهج الحسم أو المعالجة الجذرية لا ينطوي فقط على مغامرة، بل هو أيضاً باهظ الثمن من الناحية الاقتصادية، وسيشكل عقبة أمام نمو الدولة، وفي الأساس تأمين مستوى ونوعية حياة مرتفعة للمواطنين. لذلك فضّلت إسرائيل ما يُطلق عليه نهج “التأجيل” فيما يتعلق تحديداً بمشكلات محددة، لكن هذا النهج فتح الطريق أمام تحول إسرائيل من دولة تتنمر على جيرانها إلى دولة عظمى، اقتصادياً وتكنولوجياً.
على الرغم من هذه الاستراتيجيا نجحت إسرائيل في ردع معارضيها في الداخل والخارج. فقد ترددت إيران عن مهاجمتها مباشرة وحافظ حزب الله على الهدوء منذ سنة 2006، ولم يسيطر بلطجية القطاع العربي علناً على الشوارع. هذا الردع تحقق بفعل صورة القوة التي أظهرتها الدولة، وبفضل الصورة التي سوّقها نتنياهو لنفسه كزعيم وطني من النموذج الإصلاحي يميل إلى العدوانية والاستباقية إزاء أعداء الدولة – بعكس النهج الرخو والإنساني الذي أظهره الذين سبقوه أو الذي أظهره منافسوه السياسيون.
هكذا نشأ واقع يقوم على المفارقة، لكنه ناجع، انتهجت فيه إسرائيل فعلياً سياسة متزنة وحذرة في القطاعين الداخلي والخارجي على حد سواء، وامتنعت من خوض الحروب والمواجهات، لكنها أظهرت للخارج صورة معاكسة من الهجومية والاستعداد لاستخدام القوة.
ضمن هذه الموازنة الدقيقة بين سياسة تسعى لإدارة المخاطر وليس حلها بثمن باهظ، وبين إظهار صورة هجومية حيال الخارج لردع الخصوم، حدث تغيّر في الأشهر الأخيرة. بينما حافظت حكومة بينت-لبيد على الخط الذي وضعه نتنياهو، طرأ تآكل كبير في قدرة إسرائيل على إظهار قوتها إزاء الخارج. هذا التآكل تأثر بالواقع السياسي الهش الذي ساد في الأعوام الأخيرة وتفاقم في الأشهر الأخيرة، وكان له تأثيره في تأليف الحكومة الجديدة التي أعطت وزناً لوجود أطراف يسارية، وربطت أيضاً السياسة اليهودية بالعربية. هذا هو الذي أعطى الإشارة للأطراف المارقة في الداخل والخارج لفحص حدود الردع الإسرائيلي مجدداً…
الخبر السيئ أنه من أجل ترسيخ الردع من جديد الحكومة مضطرة إلى القيام بالأمر الصعب، أي خلق مواجهة جبهوية بأسلوب حاسم مع أحد الأطراف التي تشكل تحدياً لها من أجل رسم الحدود إزاء سائر الأطراف المارقة.
بصرف النظر عن الثمن الإنساني والاقتصادي الناجم عن مثل هذه المواجهة، هناك أيضاً الثمن السياسي الكامن في تفكك الائتلاف الحكومي من الداخل. كل هذا سيشكل قيوداً مهمة أمام أية محاولة إسرائيلية لاستعادة الردع المتآكل. لكن من دون الاستعداد لمثل هذه المواجهة التي ترسل إلى الدول المحيطة صورة قوة من شأنها تحصين الردع الإسرائيلي من جديد، سيحكم على إسرائيل في العقد المقبل أن تعيش واقعاً استراتيجياً سيئاً، وفي الأساس على نقيض الذي عاشته في الأعوام الأخيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى