إعداد: هيبة غربي
باحثة في المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الإستخبارات ـ الشؤون الدولية
صرحت الحكومة البريطانية في مراجعة شاملة تُحدد من خلالها أولويات البلاد السياسية في فترة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي أنّ بريطانيا واجهت تهديداً كبيراً لمواطنيها ومصالحها من المتشددين الإسلاميين أساساً وأيضا من اليمين المتطرف والفوضويين. مؤكدة على أنه هناك تهديداً أيضاً من غلاة المعارضين في أيرلندا الشمالية الذين يريدون زعزعة استقرار اتفاق السلام في الإقليم البريطاني والذي تم توقيعه سنة 1998 . مُحذرة من أنّ سوء الإدارة والفوضى، وبخاصة في بعض دول أفريقيا والشرق الأوسط، سيفسحان مجالاً للجماعات المتطرفة مع زيادة احتمالية رعاية الدول للإرهاب واللجوء للحروب بالوكالة.
تتهم الجماعات المتطرفة في بريطانيا اليهود والمسلمين بانها وراء جميع المشاكل التي تواجه بريطانيا، لأن فلسفة كره الآخرين كان موجودًا دائمًا وليس شيئًا جديداً هذا ما صرحه المؤرخ البريطاني”Nicholas J Cull” . وفي مقابلة له مع وسائل الإعلام ، تحدث عن جذور التطرف في بريطانيا، قائلاً: “لا أعتقد أنّ هذه الأفكار ستختفي أبداً، فهي جزء من الاتجاهات السياسية المتطرفة التي تتجلى في أوقات الخوف العام. فالحرب العالمية الثانية لم تشجع العنصرية لأنها متجذرة في الشعب لقد كان مورداً لـ “هتلر” وغيره من القادة ما قبل الحرب، ولا يزال يعمل لصالح أولئك الذين يسعون إلى اختلاق الأعذار لأخطائهم. وان اليمين المتطرف يتغذى على الغضب ويخلق شعوراً بالانتماء وعندما يعيش الناس في راحة، يقل احتمال اهتمامهم بالتطرف”.
علاقة بريطانيا بالجماعات المتطرفة
إنّ رفع السرية عن الوثائق الرسمية التي يعود تاريخها إلى زمن الإمبراطورية البريطانية يُلقي ضوءاً كبيراً على طبيعة علاقة لندن بالجماعات الإسلامية المتطرفة في العالم الإسلامي وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين، وقد فحص الكاتب والصحفي البريطاني “مارك كورتيس” وثائق الاستخبارات ووزارة الخارجية هذه في كتاب نشره سنة 2010. وجاء الدافع الرئيسي لكتابه هذا من الخوف الذي شعر به بعد تفجيرات 7 يوليو 2005 في لندن التي خلفت 52 قتيلاً وأكثر من 700 جريح. وبموجب هذه السياسة، كانت لندن واحدة من المراكز الرائدة في العالم للجماعات المتطرفة في التسعينيات، حيث كانت بمثابة قاعدة للجماعات المتطرفة من خلال مكتبها التابع للجنة الاستشارية والإصلاح. ومركزاً لعملياته في أوروبا وجمع ملايين الجنيهات لتجنيد وتمويل الإرهابيين من أفغانستان إلى اليمن.
اهم الجماعات المتطرفة في بريطانيا
تُشير دراسة صادرة عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب أن أبرز الجماعات “الإسلاموية” المتطرفة في بريطانيا، هي:
ـــ جماعة أنصار الشريعة يتزعمها “مصطفى كمال مصطفى” الشهير بـ “أبو حمزة المصري”، الذي قدم من مصر إلى بريطانيا سنة 1979، والذي اتخذ مسجد “فينسبري بارك” منطلقاً لخطبه قبل طرده منه واعتقاله، حيث تم عزله من منصبه كإمامٍ للمسجد في 4 فبراير 2003 ثم تم ترحيله الى الولايات المتحدة لأسباب تتعلق بتحقيقات تورطه بالتطرف والإرهاب.
ـــ الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة مقرها الرئيسي جنوب مدينة مانشستر وهى فرع من فروع الحركة الإسلامية المتطرفة العالمية التي تستقي أفكارها من تنظيم القاعدة، وتضم “عبد الحكيم بلحاج” و”خالد الشريف” (حاربا مع القاعدة في أفغانستان) وغيرهما.
ـــ جماعة المهاجرين البريطانية أسسها “عمر بكري”، سوري الأصل في أوائل التسعينات ودعا إلى تطبيق “الشريعة الإسلامية” في بريطانيا، وعقدت الجماعة اجتماعات منتظمة في شرق لندن وكانت تنظم المظاهرات من حين لآخر لمطالبة الحكومة بتطبيق تفسير متشدد للشريعة الإسلامية.
ـــ لجنة النصح والإصلاح يتزعمها “خالد الفواز”، وتصفه أجهزة الأمن الأوروبية بأحد أهم ممثلي “بن لادن” في أوروبا، وكان يعاونه “عادل عبد المجيد” و”إبراهيم عبد الهادي” المحكوم عليهما في قضايا عنف إسلاموي.
ـــ مجموعة مسلمون ضد الحملات الصليبية هي جماعة تدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية داخل المجتمع البريطاني، وهدفها البعيد المدى هو إقامة إمارة إسلامية في قلب أوروبا
جماعة الاخوان المسلمين كان “حسن البنا مؤسس” “الجمعية السرية لجماعة الإخوان المسلمين” في مصر سنة 1928. وقد قاده أب شاب متدين ومشارك جداً في الجمعيات الدينية المحافظة على هذا الخلق. وأعرب عن اقتناعه الراسخ بأنّ السبيل الوحيد لتحرير بلاده من البصمة الثقافية البريطانية (كانت مصر آنذاك تحت ولاية بريطانيا العظمى) هو تطوير الإسلام الاجتماعي. وهكذا فإن “عقيدة الإخوان” وُلدت في معارضة للنموذج الثقافي والمجتمعي الغربي والتي تدور حول “النهضة الإسلامية”، ضد قبضة العلمانية الغربية والتقليد الأعمى للنموذج الأوروبي.
كما كانت علاقات بريطانيا بـ “جماعة الإخوان المسلمين” في مصر قوي حيث تبرعت هذه الاخيرة بمبلغ 500 جنيه لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين – حسن البنا” – بعد وقت قصير من تأسيس الجماعة سنة 1928. وبحلول سنة 1941، أصبحت هذه الجماعة قوية لدرجة أنّ بريطانيا بدأت تقدم لها مساعدات مالية مقابل عدم مهاجمة مصالحها.
وترسم دراسة صادرة عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، أنّ جماعة الإخوان تمتلك 60 منظمة داخل بريطانيا، من بينها منظمات خيرية ومؤسسات فكرية، بل وقنوات تلفزيونية، ولازالت الجماعة تفتتح مقرات لها في المملكة المتحدة كافتتاح “مكتب الجماعة” في حي كريكلوود شمالي لندن. ومن أبرز هذه المنظمات، “الرابطة الإسلامية” في بريطانيا التي أسسها “كمال الهلباوي” سنة والذي خرج لاحقا من تنظيم الإخوان1997، وترأستها “رغدة التكريتي” ذات الأصول العراقية. هناك أيضاً الصندوق الفلسطيني للإغاثة والتنمية الذي أسسه “عصام يوسف” في التسعينيات يمتلك 11 فرعاً في بريطانيا و”مؤسسة قرطبة TCF” و”منظمة الإغاثة الإسلامية” في بريطانيا.
أبرز العمليات التي شهدتها بريطانيا خلال سنة 2020 و 2021
شهدت بريطانيا ارتفاعاً ملحوظاً في عدد المشتبه فيهم بالتطرف الإسلاموي وتمت دراستهم خلال الفترة بين آذار2019/2020… ملفات قرابة 1.5 ألف شخص بما يتجاوز 6% سنة 2019 وفقاً لـ تقرير “روسيا اليوم” في 26 نوفمبر 2020. وأبرز هذه العمليات ما يلي:
ـــ طعن “سوديش أمان” 3 أشخاص بسكين في شارع للتسوق في منطقة سكنية جنوب لندن، “سوديش” بريطانى الجنسية يبلغ من العمر 20 عاماً في 2 فبراير 2020 وكان المذكور معروفاً لدى أجهزة الاستخبارات.
ـــ طعن “خيري سعد الله” ثلاثة أشخاص في حديقة بمدينة “ريدينغ” غربي لندن في 21 يونيو 2020، وهو ليبي الأصل بريطاني الجنسية يبلغ من العمر 25 عاماً وكان متورطاً بعدد من قضايا الإرهاب.
التقييم
بدون شك ان طبيعة العلاقات القائمة بين لندن والجماعات الإسلاموية المتطرفة كانت موجودة منذ بدايات القرن الماضي، حيث كانت المملكة بمثابة قاعدة للجماعات ومركزاً لعملياتها في أوروبا. انطلاقاً من التبرعات والمساعدات المالية، هذا التعاون منح الجماعة قوة إضافية من المواجهة العنيفة التي يمكن للجماعات المتطرفة استخدامها لزعزعة استقرار أو الإطاحة بالحكومات التي أصبحت معادية للغرب، ما جعلها قوية لدرجة أنّ بريطانيا نفسها بدأت تقدم لهم مساعدات مالية مقابل عدم مهاجمة مصالحها. وها هي اليوم تبذل قصارى جهدها لمحاربة ومنع تسرب هذه الجماعات المتطرفة إلى بلدها، من خلال مختلف الإجراءات والاستراتيجيات الأمنية الحالية.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع