الكاتب : روني ألفا – موقع الناشر
يصادِف هذا الشّهر مرور 47 عاماً على حرب أوكتوبر 1973 عندَما اتّحَد العَرب ضدّ إسرائيل وباغَتوها من الجولان وسيناء.
ثغرات مخابراتيّة مهمّة مِن الجانِب الإسرائيلي دفعتها إلى ارتكاب خَطأ فادِح في التّقدير حينَما اعتبرَت يَومها أن ما يحدث من الجانِب العَربي كان عِبارَة عَن مناوَرات عسكريَّة فحَسب.
كانَ يَومها أشرَف مَروان صهر الرئيس عبد الناصِر وسكرتير السادات والذي انقسمت الآراء حول ولائه لمصر يحدّد ساعَة الصّفر للهجوم. موشي ديان كانَ منهمِكاً بشعائِرِه الدينيَّة في ” يوم الغفران “.
لا نعرف حتى اليوم دور مروان الحقيقي الذي يقال إنه بلّغَ الجانب الإسرائيلي بتاريخ الهجوم عليها متعمّداً عدم تحديد الموعد الحقيقي ما ساهم في نجاح الخطة العربيّة.
العرب يتأرحجون بين الجاسوسيّة والعمالة من جهة وبين وقوفهم في الجانب الصحيح من الصراع العربي الإسرائيلي.
ما إن يتحوّل المستوطنون إلى شعبٍ تُهزَم القضيّة الفلسطينيّة. تمرّ هذه الهزيمة باعتبار فلسطين قضيّة الفلسطينيين لا قضيّة العرب. هذا هو لبّ الصراع.
إقحام حدود 1967 في تحرير الأرض يفرِغ نكبة 1948 من محتواها. ما يحصل مع التطبيع اليوم ليس سوى محاولة لحذف ذاكرة جماعيَّة عربيّة من القضية الفلسطينيَّة.
الإمارات أكدت في تذييلها للاتفاق مع العدو أنها ستبذل ما بوسعِها لحل قضيّة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. تغييب للصراع العربي الإسرائيلي وتحويل إسرائيل إلى دولة ومستوطنيها إلى شعب أسوة بشعوب المنطقة. كامب دايفيد كانت أولى إرهاصات تخلّي العرب عن الهوية الفلسطينية باعتبارها شأنًا فلسطينيًا صرفًا.
من أوكتوبر 1973 إلى أوكتوبر 2021 نشهد على إعادة إحياء الصراع بمنحاه الحقيقي إنما من دون العرب. إيران ملأت فراغ الذاكرة الجماعيَّة العربيّة وأعادت العروبة ولو غصباً إلى موقعها التاريخي. منظومة كامب دافيد وكل ما تلاها باتت في عزلة إيديولوجيّة لم تسهم اتفاقيات التطبيع الأخيرة في إعادة إحيائِها.
عندما أكَّد وزير خارجيّة إيران من بيروت في زيارته الأخيرة أنَّ الأميركيين عرضوا على دولته السماح بامتلاك سلاح نووي مقابل الاعتراف بدولة إسرائيل كان العرض يتضمّن بطريقة غير مباشرة إحياء كامب دايفيد. كان الردّ أنَّ الشريعة الإسلامية تحظّر على إيران امتلاك سلاح قاتل للبشر فتمّ ردّ العرض جملة وتفصيلًا.
الوقائع تسخّف مقولة التحالف الضمني بين إيران وكيان العدو. طرد السفير الإسرائيلي فور انتصار الثورة الإسلامية في إيران. رفع العلم الفلسطيني على السفارة الإسرائيلية في طهران. دعم لوجستي وعسكري للمقاومة لفلسطين ولبنان. إيران سبقت كل العرب في الاعتراف بدولة فلسطين وكلّفها ذلك افتعال حرب بينها وبين عراق صدام حسين تكلّف الأميركيون وبعض الخليج 100 مليار دولار ثمن تمويلِها.
حرب أوكتوبر تستحقّ أن تعلَّم في معاهِد العلوم العسكريَّة. أخلَت المخابرات المصرية المستشفيات بحجّة التيتانوس فيما كان الغرَض منه تحضيرها لاستقبال الجَرحَى. تم تسريب خبر تسريح ٣٠ ألف جندي من عام ١٩٦٧ بحجة أنهم عبء على إمكانات القوات المسلحة لطمأنة العدو. أميركا كانت منشغلة بووترغيت وإسرائيل بيوم الغفران. رأفت الهجّان وفّر المعلومات حول تجهيزات العدو. أشرف مروان قضى برصاص إسرائيلي في لندن عقاباً على دوره في غشّ إسرائيل لصالح بلاده.
عندما تتكلّم المقاومة عن زوال إسرائيل لا تكون فقط في الجانب الأخلاقي للتاريخ. أوكتوبر التي تحاكي حرب تموز موجودة في أرشيفِها وتدرك تماماً كيف تستفيد منه. ليس المهم التوقيت. المهم أنَّ إمكانية الانتصار حقيقية وأنَّ تحرير فلسطين، كل فلسطين، بات على مرمى حجر. الغصّة القومية الوحيدة أن يقف العرب أو بعضهم اليوم في الجانب الخطأ من التاريخ.