لماذا تخشى إسرائيل من تحول إيران لدولة نووية؟

 الكاتب- عميرة أيسر

عملت “إسرائيل” منذ سنوات على أن تكون ضمن نادي الكبار، وذلك من خلال امتلاكها للسلاح النووي و هو الأمر الذي تم إنجازه بمساعدة فرنسية في الستينيات من القرن الماضي عندما ساعدت باريس تل أبيب في بناء أول مفاعل نووي في صحراء النقب، وهو الذي كان من المشاريع الأكثر سرّية في الكيان الصهيوني المحتل وبقي كذلك حتى منتصف الثمانينات عندما قدّم الخبير النووي الصهيوني مردخاي فعنونو صوراً ووصفاً لرؤوس نووية إسرائيلية لصحفية بريطانية، وهو ما ساهم في إعادة النظر في التقديرات الدولية بشأن عدد الرؤوس النووية التي امتلكتها إسرائيل سنة 2003م من 100 إلى 200 رأس نووي مثلما ذكر موقع BBC NEWS عربي بتاريخ 22أبريل/نيسان 2021م في مقال بعنوان” ديمونا وحكاية برنامج إسرائيل النووي الذي حقق لها الرادع النهائي”.

🔸فالكيان الصهيوني الذي قام بإجراء تجربة نووية مشتركة في قلب المحيط الهادي بالتعاون مع جنوب إفريقيا سنة 1979م، عندما كان يحكمها نظام الفصل العنصري (الأبارتيد)، والتي لم تقم بالتوقيع على معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية، وبالتالي لا تخضم منشآتها النووية للتفتيش الدوري من قبل لجان الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، على غرار باق الدول الموقعة عليها، ومع ذلك لا تخضع للمساءلة القانونية في ظل نظام دولي يعتمد سياسة المعايير المزدوجة في التعامل مع الدول التي هي جزء من منظومة الأمم المتحدة.

▪️فإسرائيل التي تعتبر من الدول النووية 9 في العالم، والتي تحاول أن تكرس نفسها الدولة النووية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط وذلك في إطار إستراتيجية التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي على بقية جيوش المنطقة، وهو السلاح التي تعتبره بمثابة المرجح لتفوقها العسكري في أية حرب شاملة مع جيرانها الإقليميين ومنهم بالطبع إيران.

🔸فهذه الدولة التي كانت قبل قيام الثورة الإسلامية في سنة 1979م من أهم حلفاء إسرائيل الاستراتيجيين في إطار الحرب الإقليمية التي عرفتها المنطقة بين قطبيين عالميين يريد كل منهما فرض هيمنته المطلقة على العالم، وكان شاه إيران محمد رضا بهلوي أحد البيادق التي تستعملها الصهيونية العالمية لضرب المشاريع التحررية في الشرق الأوسط، ولكن بعد سقوط نظامه ونجاح الثورة الإسلامية والتي كانت بقيادة آية الله الخميني رحمه الله، وإعلان إيران بأنها تريد تصدير تجربتها الثورية إلى دول الجوار، وإلقاء إسرائيل في البحر وقيام المخابرات الإيرانية بتقديم الدعم السّياسي والإعلامي والمالي والعسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية مثلما ذكر ذلك الدكتور أنيس النقاش رحمه الله في كتابه” الكونفدرالية المشرقية، صراع الهويات والسياسات”، أصبحت إيران من أشد أعداء الكيان الصهيوني الذين يجب تدميرهم والقضاء عليهم، فتحالفت مع الأكراد في شمال العراق ومع بعض أنظمة الخليج العربي، وبدعم كامل من واشنطن وحاولت إضعافها على جميع الأصعدة والمستويات.

▪️كما أنها عملت على إيقاف البرنامج النووي الإيراني الذي بدأ في سنة 1957م عندما أطلقت إيران برنامج الطاقة النووية بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية بموجب برنامج” الذرة من أجل السّلام”، وبدأت أنشطتها النووية في المفاعل الأول عام 1967م بعد سبع سنوات من شرائه من واشنطن بعد عام من ذلك التاريخ وقّعت إيران معاهدة الحدّ من الانتشار النووي NPT، وأسست منظمة الوكالة الذرية الإيرانية عام 1973م للإشراف على تنفيذ هذا المشروع، غير أن مساعي إيران لتطوير دائرة وقود نووي اصطدمت برفض من الإدارة الأمريكية قبل الوصول إلى اتفاق ثنائي بين الطرفين عام 1978م. تُحصل بموجبه الولايات المتحدة الأمريكية على حق إعادة تخزين الوقود النووي المستهلك في المفاعلات النووية الإيرانية مثلما ذكر موقع رصيف الاخباري بتاريخ 27 أكتوبر/تشرين الأول 2016م في مقال “برنامج إيران النووي منذ انطلاقته إلى اليوم”.

ورغم معارضة المؤسسة الدينية لقرار الاستمرار في البرنامج النووي الإيراني باعتبار ذلك معارضاً لأحكام وتعاليم الشريعة الإسلامية وعلى راسهم آية الله الخميني، ولكن تغير الأوضاع السّياسية والعقوبات الأمريكية على العراق، ودخول طهران في حرب طاحنة مع بغداد أدت إلى السماح باستئنافه سنة 1989م بعد وفاة الخميني، ومنذ ذلك الوقت والكيان الصهيوني يحاول استهدافه وتدميره تخوفاً من تحول دولة ذات عقيدة دينية وتوجهات سياسية وأيديولوجية ترى الكيان الصهيوني العدو الأول للشعب الإيراني الذي يعمل على زعزعة أمن واستقرار طهران والهيمنة على المنطقة من خلال أجهزته الاستخباراتية وتغذيته للصراعات الدينية والإثنية والعرقية بين دول المنطقة ودعمه للانقلابات العسكرية وعرقلته المستمر للتجارب الديمقراطية في الشرق الأوسط.

فبعد قيام سلاح الجو الإسرائيلي بتدمير مفاعل تموز العراقي في 7حزيران/يونيو 1981م والذي كانت تخشى تل أبيب من أن يُحول العراق إلى دولة نووية منافسة لإسرائيل في المنطقة. وبعد احتلال العراق سنة 2003م من طرف القوات الأمريكية قرر الخبراء العسكريون في إسرائيل أن الوقت قد أصبح مناسباً من أجل توجيه أنظار الرأي العام الدولي إلى الخطر الداهم الذي يمثله البرنامج النووي الإيراني على الأمن والسّلم الدوليين.

فقامت بعدة خطوات في هذا الاتجاه كقيامها بتخريب متعمد للمنشآت النووية الإيرانية أو قصف منشآت نووية قريبة من مفاعل بوشهر النووي، أو إصابته بأعطال تؤدي إلى إيقافه عن العمل كما حدث في شهر جوان/يونيو 2021م عندما أعلن موقعMCD مونت كارلو الدولي ذلك في مقال بعنوان” إيران تعلن توقيف العمل مؤقتاً في محطة بوشهر النووية بسبب خلل تقني”.
أو قيامها بإعدام العلماء النوويين الإيرانيين وتصفيتهم داخل وخارج إيران، كما فعلت مع محسن فخري زاده العالم النووي البارز الذي قتل إثر هجوم نفذه عناصر وحدة “كيدون” التابعة للموساد داخل إيران بسلاح طورته شركة رافاييل الإسرائيلية مثلما أشارت لذلك صحيفة (نيويورك تايمز) بتاريخ 16 سبتمبر/أيلول 2021م.

🔸وهو الذي يعد أحد العلماء الذين تتهمهم إسرائيل بأنهم ضمن البرنامج النووي الإيراني العسكري لتطوير أول قنبلة نووية إيرانية، فإسرائيل التي سعت جاهدة في عهد ترامب لإحباط البرنامج النووي الإيراني الذي وقعته إدارة أوباما في سنة 2015م، وضم بالإضافة إلى أمريكا كل من روسيا وألمانيا والصين وبريطانيا وفرنسا أو ما يعرف “باتفاق لوزان النووي” والذي وقع بتاريخ 14 أوت/تموز 2015م أو اتفاق 5+1 حيث تُقلص أيران بموجبه من نشاطاتها النووية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها تدريجياً، إلاَ أن ترامب وبضغط إسرائيلي في عهد نتنياهو انسحب من هذا الاتفاق النووي بشكل أحادي الجانب وفرض عقوبات قاسية على إيران مثلما ذكر موقع DW الألماني بتاريخ 11 أوت/تموز 2021م في مقال بعنوان” الاتفاق النووي الإيراني”.

▪️فالكيان الصهيوني فعل ولا يزال المستحيل من أجل إيقاف برنامج إيران النووي، في ظلّ تقديرات إسرائيلية بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية على وشك صنع القنبلة النووية بعقول وخبرات إيرانية، واحتمال أن تنقل هذه التجربة الناجحة إلى دول حليفة لها في المنطقة مثل سوريا، أو تقوم بنقل هذه القنابل إلى الحركات الفلسطينية المقاومة في غزة، أو لحزب الله اللبناني أو للحوثيين في اليمن أو لمنظمات ودول تعادي إسرائيل ، والتي لطالما هددت بتنفيذ ضربات جوية عسكرية والدخول في حرب إن لزم الأمر مع طهران مثلما ذكر ذلك عدد من كبار المسؤولين في تل أبيب من بينهم نفتالي بينت رئيس الوزراء الصهيوني، ومستشار الأمن القومي إيال هولاتا الذي حمّل في لقاء مع نظيره الأمريكي جيك سوليفان إيران مسؤولية الهجوم على ناقلة نفط في بحر العرب التي يمتلكها رجل أعمال إسرائيلي وذلك في اجتماعاتهما الأخيرة معاً في واشنطن و اعتبراها من أهم التحديات الاستراتيجية في المنطقة. كما ذكر موقع سكاي نيوز بتاريخ 3 أوت/أغسطس 2021م في مقال بعنوان” أمريكا وإسرائيل …مستشارا الأمن القومي يبحثان تهديدات إيران”.

🔸وبالتالي فامتلاك إيران للسّلاح النووي يعد صفعة موجعة وفشلاً استخباراتياً ودبلوماسياً وعسكرياً كبيراً لإسرائيل التي تحتكر حقّ امتلاك السلاح النووي، وهذا ما سيغير كل المعادلات الاستراتيجية وموازين القوى لصالح محور المقاومة الذي سيصبح له الكلمة العليا في إدارة ملفات المنطقة.

  النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

Exit mobile version