المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا و هولندا ـ ECCI
إعداد : جاسم محمد، باحث في الأمن الدولي والإرهاب ـ بون
تتجه تركيا، نحو نظام شمولي ، بعيدا عن المعايير الديمقراطية، في ظل حكومة أردوغان، خاصة مابعد قصة “الإنقلاب العسكري” عام 2016 ، وما تكشفه الوثائق، يعكس مدى إنخراط الحكومة، في ممارسات غير قانونية، منها إستخدام السفارات والبعثات الدبلوماسية في الخارج، أوكار للتجسس على مواطنيها وعلى الدول الأخرى.
حقق الادعاء العام الاتحادي الألماني ضد تركي تم القبض عليه قبل أسبوعين في أحد الفنادق بمدينة دوسلدورف الألمانية. وقال الادعاء الاتحادي لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) يوم الأول من أكتوبر2021 إن هناك “أدلة فعلية كافية” على أن الرجل جمع معلومات لصالح الإستخبارات التركية عن أنصار ما يعرف باسم ” حركة غولن” في مدينة “كولن” والمنطقة المحيطة بها. ويتهم الادعاء العام الرجل (40 عاماً بممارسة أنشطة استخباراتية وحيازة مئتي طلقة من ذخائر حية.
وفي هذا السياق، اعلن مكتب الأدعاء في بلجيكا في الأول من أكتوبر 2021 ـ الانتهاء من التحقيق في بلجيكا حيال محاولة اغتيال القادة الكرد، والذي تستمر فيها التحقيقات منذ عام 2017، حيث وافقت المحكمة على فتح القضية، وستكون الجلسة الافتتاحية في الأول من تشرين الاول. واكتمل التحقيق الذي بدأ في بلجيكا، حيال محاولة اغتيال الرئيس المشترك لمؤتمر الشعب KONGRA-GEL))، رمزي كارتال وعضو المجلس التنفيذي لمنظومة المجتمع الكردستاني ((KCK، زبير أيدار؛ حيث يتضمن التحقيق أدلة دامغة وإثباتات وصلت إلى أنقرة، رغم وجود قرار “السرية” بعدم الكشف عن حيثيات الملف. ووفقاً للمعلومات الواردة من مصادر مطلعة على القضية، ادعى المدعي العام البلجيكي في البداية “بشكل غريب” أنه لا توجد حاجة للتحقيق وطلب إغلاق القضية. وتم تأجيل قرار إغلاق القضية او فتحه التي اتخذته محكمة بروكسل الابتدائية في 27 ابريل 2021.
فتحت السلطات الألمانية يوم 31 يوليو 2021 تحقيقا في قائمة أعدها النظام التركي وتتضمن معارضين مستهدفين لأجهزته الأمنية ويقيمون في ألمانيا. وفتح المدعي العام الألماني تحقيقا مع جماعات الجريمة المنظمة الخاصة بالاتراك في أوروبا، تاتي هذه التطورات بعد أن عثرت الشرطة الألمانية على “قائمة استهداف” تضم 55 من الصحفيين والناشطين المعارضين الذين يعيشون في ألمانيا في وقت سابق .
دعت لجنة الرقابة في البرلمان الألماني “يوندستاغ” في وقت سابق إلى الكشف عن معلومات بشأن الأنشطة التي تقوم بها الاستخبارات التركية داخل ألمانيا. وطالب “هانز كريستيان شتروبله” عضو اللجنة المعنية بمراقبة الأجهزة الاستخباراتية بالتحقق عن الانشطة الاستخباراتية التركية في المانيا ومن جانب اخر مراجعة تعاون المانيا الاستخباراتي مع تركيا.
أنشطة تجسس
هولندا : أظهرت وثائق سرية، قيام السفارة التركية في هولندا بتتبع ورصد أتراك معارضين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لتقوم بإرسال بياناتهم الخاصة لأنقرة.
ألمانيا : و وفقا ً لوسائل اعلام ألمانية، فإن حاكان فيدان، رئيس جهاز الاستخبارات التركي، سلم السلطات الأمنية الألمانية خلال مؤتمر للأمن عقد في ميونيخ في فبراير2017 لائحة تتضمن أسماء 300 شخص و200 مؤسسة يعُتقد بأن لديهم علاقة بحركة غولن. كشفت صحيفة “فيلت” الصادرة في 23 مارس 2019 إن تركيا قدمت لألمانيا نحو 990 طلبا بملاحقة اشخاص عبر الانتربول، تعتبرهم أنقرة معارضين لها، منذ محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في البلاد في صيف 2016.
استنادا إلى رد وزارة العدل الألمانية عام 2018 على طلب إحاطة من الكتلة البرلمانية لحزب اليسار، أن عدد طلبات الملاحقة التي تلقتها ألمانيا من تركيا منذ محاولة الانقلاب بلغ 848 طلبا. لكن المعلومات العامة المتوفرة تشير إلى عدم استجابة السلطات الالمانية لطلبات السلطات التركية اعتقال أو ملاحقة من تعتبرهم تركيا معارضين. ولاحقت وأعتقلت السلطات التركية آلاف الأشخاص على خلفية الإنقلاب الفاشل، كما شرحت عشرات الآلاف من وظائفهم. وتقول سيفيم داجدلين النائبة التركية الأصل بالحزب اليساري الألماني، إنها تتلقى تهديدات بالقتل لأنها تنتقد الحكومة التركية، وإن ألمانيا تبدو مكتوفة الأيدي أمام شبكة أردوغان التجسسية. تجسس
النمسا : قالت صحيفة “تليغراف” البريطانية في 17 ديسمبر 2020، إن الجاسوس التركي، فياض أوزتورك، تحول إلى مبلّغ وكشف عن خطة تشمل مهاجمة ثلاثة أشخاص من بينهم السياسية النمساوية من أصل كردي بيريفان أصلان، التي عززت السلطاتُ الإجراءاتِ الأمنية حولها، ومنعتها من مغادرة منزلها دون ارتداء سترة واقية من الرصاص. وقال الجاسوس المعتقل خلال التحقيقات، إنه تعرض للابتزاز من قبل جهاز المخابرات التركي للمشاركة في عملية اغتيال بيريفان أصلان، بهدف نشر الفوضى وإرسال رسالة لشخصيات أخرى. وتقول السياسية المستهدفة إن شبكة المخابرات التركية في النمسا تضم ما لا يقل عن 400 مخبر.وكشف الرجل المعتقل حاليا، أنه تم التخطيط لتنفيذ هجمات عنيفة ضد سياسيين آخرين في النمسا، بما في ذلك بيتر بيلز، القيادي في حزب الخضر النمساوي.
ألبانيا : وكشفت وثائق حصل عليها موقع “نورديك مونيتور” يوم 15 مايو 2021 أن السفارة التركية في ألبانيا انخرطت في حملة لجمع المعلومات والتجسّس على منتقدي الرئيس رجب طيب أردوغان. تشير الوثائق القضائية المدرجة في قضية جنائية إلى أن السفارة التركية في تيرانا جمعت معلومات عن أشخاص يُعتقد أنهم ينتمون إلى حركة غولن، وأن الديبلوماسيين الأتراك استقصوا معلومات عن المعلّمين الأتراك وممثلي الجمعيات المحلية ورجال الأعمال والصحافيين وعائلاتهم الذين يعيشون في البلاد.
واستخدمت المعلومات التي نقلت إلى وزارة الخارجية في أنقرة لاحقًا في لائحة اتهام جنائية بتهمة الإرهاب من المدعي العام التركي آدم أكينجي. ووفقًا لقرار صادر بتاريخ 19 ديسمبر 2018، فتح مكتب المدعي العام في أنقرة تحقيقًا منفصلاً (ملف رقم 2018/43629) في حق 61 شخصاً أدرجوا في ملفات التجسس التي أرسلها دبلوماسيون أتراك في تيرانا دون أي دليل ملموس على ارتكاب مخالفات. ووجهت إلى هؤلاء تهمة “الانتماء إلى جماعة إرهابية” .
بلغاريا : كشفت وزارة الخارجية البلغارية 30 سبتمبر 2020 أن السفارة التركية في صوفيا شنت حملة تجسس واسعة النطاق، على معلمين وصحفيين ومنتقدين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حسب موقع “نورديك مونيتور” المتخصص في الشأن التركي. وقالت الوزارة في بيان إن السفارة التركية جمعت معلومات عن الأتراك، إضافة إلى البلغاريين، الذين يُعتقد أنهم ينتمون إلى حركة رجل الدين فتح الله غولن، كما جمعت معلومات عن العاملين في المنظمات البلغارية غير الحكومية، وموظفين وصحفيين يعملون في النسخة البلغارية من صحيفة “زمان” التركية اليومية.
جنوب أفريقيا : كشف موقع “نورديك مونيتور” وثائق جديدة عن أنشطة التجسس والتنميط التي قام بها دبلوماسيون أتراك ضد معارضي الحكومة في جنوب إفريقيا. وفقًا لقرار 18 ديسمبر 2018 من قبل المدعي العام آدم أكينجي ، حيث فتح مكتب المدعي العام في أنقرة تحقيقًا (ملف رقم 2018/28130) مع 16 مواطنًا تركيًا تم إدراجهم في ملفات التجسس التي أرسلتها السفارة التركية في جنوب إفريقيا دون دليل ملموس على ارتكاب مخالفة. ووجهت إليهم تهمة “الانتماء إلى جماعة إرهابية” من قبل أكينجي. ذكرت نورديك مونيتور في وقت سابق أن السفارة التركية في بريتوريا قامت باستعدادات لطلب تسليم منتقدي حكومة أردوغان وطلبت من السلطات القضائية التركية اتباع نموذج مصمم على ما يبدو لإقناع سلطات جنوب إفريقيا ، وهو جزء من حملة مطاردة عالمية للمعارضين.
أتفاقية فينا للعمل الدبلوماسي لسنة 1961 ـ مادة 9 ـ تجسس
تنص (المادة 09 )للدولة المعتمد لديها في أي وقت وبدون ذكر الأسباب أن تبلغ الدولة المعتمدة أن رئيس أو أي عضو من طاقم بعثتها الدبلوماسي أصبح شخصا غير مقبول أو أن أي عضو من طاقم بعثتها (من غير الدبلوماسيين) أصبح غير مرغوب فيه، وعلى الدولة المعتمدة أن تستدعي الشخص المعني أو تنهي أعماله لدى البعثة وفقا للظروف، ويمكن أن يصبح الشخص غير مقبول أو غير مرغوب فيه قبل أن يصل إلى أراضي الدولة المعتمد لديها . وتنص (المادة 31 ) يتمتع الممثل الدبلوماسي بالحصانة القضائية الجنائية في الدولة المعتمد لديها، ويتمتع أيضا بالحصانة القضائية المدنية والإدارية إلا إذا انخرط باعمال ونشاط خارج مهامه الدبلومسية ( التجسس).
تطبيق هاتفيا تركي لغرض التجسس ـ EGM
طورت وكالة المخابرات التركية تطبيقا هاتفيا يسمى ” Emniyet Genel Müdürlüğü – EGM ” حيث بإمكان أي مواطن تركي يعيش في ألمانيا الإبلاغ عن أي شخص بغض النظر عن جنسيته ـ ينتقد تركيا، سواء شفهيا أو عبر الإنترنت. وتقوم قوات الأمن التركية بدورها بأرشفة الإخطارات وإصدار مذكرات توقيف بحق الأشخاص المبلغ عنهم، وإرسال أسمائهم إلى المعابر الحدودية والمطارات بهدف القبض عليهم بمجرد دخولهم الأراضي التركية . داهمت الشرطة الألمانية مقر شركة في مدينة ميونيخ، بعد انتشار مزاعم عن بيعها تركيا برمجيات تجسس حساسة لاستخدامها ضد الأحزاب المعارضة في يونيو 2020.
النتائج
ـ ماتقوم به تركيا من أنشطة تجسس تقليدية ـ قديمة” يعكس ان تركيا تعيش نظام سياسي ـ شمولي، يقوم بقمع المعارضة بالخارج والتجسس على مواطنيه، ومايعقد المسالة، هو إنخراط دبلوماسيين بعمليات تجسس في الخارج، وهذا يتنافى مع قواعد ومهام الدبلوماسية، الواردة في إتفاقية فينا 1961
ـ اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961 هي اتفاقية دولية تحدد الإجراءات والضوابط الخاصة بالعمل الدبلوماسي بين الدول وتبين الحقوق والواجبات الخاصة بأفراد البعثات الدبلوماسية، كما أتت على تحديد عدة مفاهيم كالحصانة الدبلوماسية وقطع العلاقات.
ـ تحولت تركيا ـ في ظل حكومة أردوغان الى حكومة، دكتاتورية شمولية، وهذا ما كشفته الوثائق من إستخدام السفارات أوكار تجسس وإنخراط الدبلوماسيين وعلى مستوى سفراء في أعمال تجسس لصالح حكومة أردوغان. ومايزيد بالقضية تعقيدا، ان حكومة أردوغان لا تتردد من توجيه أستخباراتها الخارجية “ميت” بتنفيذ عمليات خطف وترحيل قسري الى المعارضين في الخارج.
وبدل من ان تقدم السفارات ـ الدائرة القنصلية الخدمات القنصلية للمواطنين الأتراك في الخارج، تورطت القنصليات بمساومة المعارضين الأتراك، على حياتهم و عائلاتهم والتهديد بمصادرة بياناتهم، وإرسال بياناتهم الشخصية الى المدعي العام في تركيا والاستخبارات التركية، لتوجيه تهم “قضائية” منها الالتحاق بمنضمات وجماعات معارضة او التورط ب “الإرهاب “.
ـ إن الكشف عن هذه الوثائق من شأنها ان تزيد الانتقادات ضد حكومة أردوغان في مجال حقوق الأنسان، وممكن ان تعرقل كثيرا ملف طلب تركيا للأنضمام الى الاتحاد الأوروبي.
*مانبغي العمل عليه ان تحرك قضايا في المحاكم الأوروبية ضد اعضاء السفارات التركية في الخارج من الذين انخرطوا بعمليات تجسس ضد المواطنين الاتراك في الخارج. بعد ذلك يمكن تحريك ملف حقوق الأنسان ـ وتورط دبلوماسيين اتراك باعمال التجسس، ليصار فرض عقوبات على المتورطين، خاصة ان البعض منهم يشغل مناصب متقدمة في سفارات تركيا داخل أوروبا والاتحاد الأوروبي.