المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا و هولندا
إعداد وحدة الدراسات والتقارير “3”
تزايدت المخاوف الألمانية من أعمال غسيل وتبيض العملة والتهريب بهدف تمويل الإرهاب. و هناك الكثير من الأموال يتم غسلها في قطاعات مختلفة حيث يتم إنشاء شركات خاصة لهذا الغرض. يأتي جزء كبير من هذه الأموال من الخارج ويعزى ذلك إلى الوضع المالي الجذاب لألمانيا. وأصدرت السلطات الألمانية مجموعة من القوانين والتشريعات واعتمدت عدة إجراءات لمكافحة الأموال وذلك لمعالجة المشكلة وضمان الامتثال لتوجيهات الاتحاد الأوروبي.
مصادر غسيل الأموال -مكافحة الإرهاب
سجلت وحدة مكافحة غسيل الأموال الفيدرالية الألمانية رقما قياسيا قدره (114914) حالة يشتبه فى أنها تتعلق بغسل الأموال وتمويل الإرهاب العام 2019، وفقا لما ذكرته صحيفة تاجشبيجل فى برلين في 18 أغسطس 2020. وهذا يمثل قفزة تقارب (50٪ ). وفقًا لنسخة مسبقة من التقرير السنوي لوحدة الاستخبارات المالية (FIU) لعام2019 التي تم إصدارها للصحيفة ، تم الإبلاغ عن الجزء الأكبر من هذه الحالات من قبل البنوك الألمانية والمؤسسات المالية الأخرى، فضلاً عن الموثقين والوكلاء العقاريين. وربطت القضايا بإجمالي (355) ألف صفقة مشبوهة. الإسلام السياسي في ألمانيا ـ المخاطر والتهديدات، بقلم بسمة فايد
كشفت دراسة لجامعة “هالة-فتنبيرغ” الألمانية في 21 مايو 2020عن انتعاش غسيل الأموال في ألمانيا. وحسب الدراسة فإن حوالي (100) مليار يورو يتم غسلها سنوياً في ألمانيا، وهو ما يعادل المبيعات السنوية لشركة BMW للسيارات. وكان قد كشف تقرير في 22 أبريل 2016 عن وزارة المالية الألمانية عن إن ما بين (15 – 28 ) ألف صفقة غير قانونية تمت في سوق الإسكان وتجارة السيارات، وفي سوق الفن، داخل ألمانيا. وأظهر التقرير أن إجمالي حجم الأموال المغسولة في القطاعات المالية وغير المالية الألمانية، قد تجاوز (50) مليار يورو، وربما بلغ أكثر من (100) مليار يورو في السنة.
تأتي هذه الأموال المبيضة من مصادر غير شرعية كالتهرب الضريبي والإتجار بالبشر وتقوم المافيا بشراء المقتنيات الثمينة والنفسية والعقارات بالأموال القذرة ومن ثم تبيعها مرة أخرى. حيث لا تشترط القوانين الألمانية حداً أعلى للدفع النقدي إلا عندما يتجاوز المبلغ (10000) يورو. عندها فقط يتوجب على المشتري إبراز أوراق هويته الشخصية.
وحدة مكافحة غسل العملة
ترتبط “وحدة مكافحة غسل العملة” بدائرة الجنايات الاتحادية من أجل تحسين عمل الوحدة. واعتزمت الحكومة الألمانية نقل الوحدة من دائرة الجنايات الاتحادية إلى دائرة الجمارك الاتحادية. وأعلنت السلطات الألمانية في 6 أبريل 2017 عن تعزيز “وحدة مكافحة غسل العملة” من خلال زيادة عدد العاملين في الوحدة من (25) إلى (65 ) موظفاً حتى سنة 2018.
أحالت دائرة الجمارك الاتحادية إلى وحدة مكافحة تبييض الأموال في عام 2016 (3600) تبليغ، من مؤسسات مالية وغيرها، حول الاشتباه بقضايا غسل عملة لصالح الجماعات الإرهابية. وتعذر تأكيد (60%) من هذه القضايا بسبب قلة عدد الكادر العامل. لاسيما أن الخلايا الإرهابية تنشط في عمليات بيع البضائع المقلدة، كالأحذية الرياضية والنظارات والجوالات من ماركات عالمية.
كشفت التقارير الحكومية الألمانية في عام 2017 عن (17) ألف قضية تهريب وغسل الأموال عملة ضد (22) ألف متهم. وارتبط عدد كبير من القضايا بأنشطة مالية مشبوهة لتمويل الجماعات الإرهابية كـ”داعش” و”بوكوحرام”. تعاني ألمانيا من عدم وجود قيود صارمة لديها، بشأن تحديد كمية النقد الأجنبي، التي يمكن إدخالها وإخراجها من البلاد، وحاولت الحكومة الألمانية جاهدة سن قانون من شأنه أن يحدد قيمة كمية النقود الواحدة المسموح باخراجها بـ (5) آلاف يورو، إلا أن محاولاتها باءت بالفشل خلال فبراير2016، بعد موجة استياء، أبداها الرأي العام.
دهم مدّعون ألمان مقر وزارتي المالية والعدل، في 9 سبتمبر 2021، في إطار تحقيق يتعلق باحتمال تورط الوكالة الحكومية لمكافحة غسيل الأموال في محاولات لعرقلة سير العدالة. ويتم التحقيق ما إذا كانت وحدة المخابرات المالية تقاعست عن التحرك بعد تحذيرات من البنوك بخصوص احتمال وقوع جرائم غسل أموال. وكشف متحدث باسم الادعاء العام عن بداية التحقيق بعد وصول شكاوى تفيد بعدم تحرك وحدة المخابرات المالية بخصوص معاملات مشبوهة بملايين اليورو، بما في ذلك مع إفريقيا بين 2018 و2020. ويقول ممثلو الادعاء: إن البنوك نبهت الوكالة بسبب المخاوف من ارتباط هذه الأموال بتهريب السلاح والمخدرات وتمويل الإرهاب، قائلين إن وحدة المخابرات المالية أُحيطت علمًا بالتقرير لكنها لم تنقله إلى وكالات إنفاذ القانون.
تدابير وإجراءات لمكافحة غسل الأموال في ألمانيا -مكافحة الإرهاب
أقر المشرعون الألمان مجموعة من الإجراءات لمكافحة غسيل الأموال في محاولة لمعالجة المشكلة وجعل البلاد تتماشى مع توجيهات الاتحاد الأوروبي. من بين التغييرات الأخرى، فرض التشريع لوائح أكثر صرامة تُلزم وكلاء العقارات والموثقين وتجار المعادن الثمينة ودور المزادات بالإعلان عن المعاملات المشبوهة.
قررت السلطات الألمانية في 14 أكتوبر 2020 تسهيل الملاحقة الجنائية لجرائم غسل الأموال. إذ يتم المعاقبة على إخفاء الأرباح المتحصل عليها من جرائم، بغض النظر عن الجريمة التي تم من خلالها الحصول على الأصول. وحتى الآن، لا يمكن مقاضاة أفراد في جرائم غسل أموال إلا إذا كانت هذه الأموال مُتحصل عليها من جرائم معينة مثل الاتجار بالمخدرات أو الاتجار بالبشر.
أكدت “كريستين لامبريشت” وزيرة العدل: “نريد أن نجعل الأمر أسهل بكثير على النيابات العامة والمحاكم لإثبات غسل الأموال ومحاسبة الجناة”، مؤكدة على أهمية هذه الخطوة لوقف الجناة الذين يخفون أرباحاً إجرامية ويهربون الأموال “القذرة” إلى الدورة الاقتصادية، مشددة على ضرورة “ملاحقة الجرائم المنظمة والجرائم الاقتصادية الخطيرة بكل حسم”.
أعلن الادعاء العام الألماني في فرانكفورت ، تغريم مصرف دويتشه بنك الألماني بنحو (13.5 ) مليون يورو بسبب التأخر في الإبلاغ عن الاشتباه في غسل الأموال عن طريق مصرف “دانسك” البنك الدنماركي في إستونيا. ووفقا لتصريحات الادعاء العام، فإن القضية تعلقت بأموال قادمة من أذربيجان يُعْتَقَد أنه تم توصيلها إلى غرب أوروبا عن طريق مصرف دانسك بنك استونيا بالتعاون مع دويتشه بنك بوصفه بنك المراسلة، وكانت هذه الأموال تذهب إلى غرب أوروبا لأغراض من بينها التأثير على الساسة في الاتحاد الأوروبي.
أعتقلت الأجهزة الأمنية الألمانية في 11 فبراير 2017 شخصا تورط في تهريب دعم بملايين العملات الأوروبية إلى جماعات إرهابية من خلال تهريب حاوية كبيرة محملة بسبعة ملايين سيجارة. وقضت محكمة كولون بالسجن على (8) أشخاص سرقوا محتويات كنائس وتم تحويل ثمن تلك المحتويات الذي بلغ حوالي (119) ألف يورو إلى منظمات إرهابية في سوريا. كما تورط تنظيمان إرهابيان بنقل سيارات إسعاف وتحميلها بالذخائر والأسلحة ومعدات إلى سوريا عبر تركيا تحت غطاء المساعدات الإنسانية وحظرت السلطات الألمانية تلك التنظيمين.
تقييم
تريد الحكومة الألمانية عبر التشريعات والقوانين الجديدة، منع عمليات غسيل وتهريب الأموال. فمن حيث المبدأ، لا ينطبق القانون الجنائي الألماني إلا على الجرائم المرتكبة في ألمانيا. ومع ذلك، يمكن أيضًا أن تكون الشركات الأجنبية عرضة للمقاضاة إذا كانوا نشطين في ألمانيا بأنفسهم أو على سبيل المثال، من خلال شركة تابعة.
تشير التقديرات إلى أن المليارات من الأرباح غير القانونية يتم ضخها في سوق العقارات الألماني كل عام وحثت منظمة الشفافية الدولية ألمانيا على إدخال إصلاحات بعد أن تم الإبلاغ عن استخدام ما يقرب من(30) مليار يورو من الأموال غير المشروعة في صفقات العقارات الألمانية في عام 2017. يؤثر تزايد عمليات غسيل الأموال المكتشفة في ألمانيا علي التعاملات الاقتصادية في الأسواق العالمية، كما أنه يعد انتكاسة كبيرة لسمعة ألمانيا على مستوى الاتحاد الأوروبي.
بات من المتوقع أن تعتمد السلطات الألمانية القوانين والتشريعات التي تجعلها تتماشى مع “أعلى المعايير الدولية في مكافحة غسيل الأموال من بين التغييرات الأخرى. خاصة أن هناك مؤشرات لاتخاذ الجماعات والتنظيمات الإرهابية ألمانيا ملاذا ضريبيًا ومكانًا لغسيل الأموال، لانطلاق عملياتها في غسيل الأموال من ألمانيا من أجل التمويل. ولذلك من المؤكد أن يتم منح وحدة الاستخبارات المالية الحكومية (FIU) صلاحيات أكبر وإمكانية الوصول إلى بيانات سلطات التحقيق الأخرى.