ٍَالرئيسيةتحقيقات - ملفات

“حبل نجاة” أميركي لـ معراب

 

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

في السياسة، يمكن تصنيف “الحكيم” سمير جعجع بـ”المزروك”. زادت من آلامه قضيتا “النيترات” و “المازوت” المهرّبين. رئيس حزب “القوات اللبنانية” الذي “صرع” الناس معارضةً وشرحاً في التهريب ودوافعه وأضراره، ظهر أن أفراد جماعته يحظون بـ”امتياز” نقل وتخزين المواد المهرّبة على إمتداد المناطق اللبنانية.

“الحصار” في الشارع ليس أقلّ وطأة على الحكيم. تتعمّد “القوات” تظهير أنها مستفيدة من عدة عوامل طرأت منذ 17 تشرين: إخفاقات العهد الحالي، تبلور نظرة شعبية وسياسية مختلفة، تكوّن جمعيات ذات طابع مدني وتروّج لحالة وعي سياسي على مستوى معين، حالة تميّز لافتة تنعم بها الساحة المسيحية، وأحياناً يشفع للقوات خروجها “المبكر” من “شرنقة” العهد، ولو أن قضايا خروجها لم تكن ذات خلافات سياسية عميقة طالما أن النظرة مع الخصم “التيار” متساوية من حيث “الإنقضاض” على المجتمع السياسي “المسيحي” ومحاولة اختزاله أو الاستئثار به، وكلنا يذكر كيف قامت “الثنائية المسيحية” على أساس التقسيم الإداري / التحاصصي للمراكز المسيحية ثنائياً. كل ذلك وعلى ما يتّضح، لم يتم “تجسيره” في خدمة نقاوة سياسية معينة، توحي مثلاً إلى اختلاف معراب “الجذري” عن مثيلاتها من أقرانها ضمن “مجتمعها”، وعملياً استطلاعات الرأي التي “تصرف” القوات –ومن هم خلف القوات- عليها من الجيبة الصغيرة، لم تفصح بشكل مريح عن نضوج تركيبة مسيحية صرف وحديثة مستقلة أو واسعة لصالح “القوات”، بل على العموم ولو أنجز الاستحقاق النيابي المقبل عام 2022، فلن تنعم معراب بأكثر مما لديها نيابياً اليوم، شأنها شأن “التيار” الخصم. وإذ كان ولا بدّ، فإن من سينعم هم “الخارجون” عن شور معراب السياسي، والذي يمثلون نسبة عداء قاسية ويشكلون “وجع رأس” لحزب “القوات”.

وفي الحقيقة، “معراب” تعاني من مشكلة داخلية ليست سهلة أخذت تتبلور منذ زمن ويمكن التعبير عنها اليوم بمجموعات سياسية متعددة ومنها “نحو الوطن”. صحيح أن هذه الأخيرة حديثة العهد و محسوبة على “الثورة” وليست فرعاً من “القوات”، لكن لا يمكن إخفاء معالم “قواتيّة” مسؤوليها، لكونها تضم ّحشداً لا بأس به من الخارجين عن شور معراب، والقواتيين الزعلانين، الذين لا يصحّ الإعتقاد بتخليهم عن نزعتهم القواتية – البشرية في ساعة.

إذاً، المعركة المقبلة ضمن الدوائر المسيحية المفتوحة والمقفلة، ليس في الضرورة أن تكون بين “ثنائي” متخاصم إنما أفضل توصيف يصلح إسقاطه هو معارك متداخلة ضمن البيئة الواحدة، بين تيارات ناشئة خارجة من رحم الحزبين المسيحيين الأكبر، “التيار” و”القوات”، والتباري هنا ليس إلاّ لكسر هؤلاء “الخوارج”، وبهذا المعنى ثمة من يقدّر أن “القوات” بالمعنى التنظيمي السياسي و”التيار” بالمعنى التنظيمي السياسي أيضاً، لديهما مصلحة مشتركة في كسر “الخوارج المزعجين”، وقد تقودهم المصلحة إلى تكريس “تفاهمات سياسية موضوعية” من تحت الطاولة لكسر هؤلاء “السذج” كما يصفهم أحد المسؤولين العونيين الكبار.

في الواقع، سمير جعجع لديه حساسية بالغة ومفرطة عادةً تجاه الأشخاص الذين يخرجون عليه. ويُنقل في هذا الصدد عن مسؤول قواتي “حديث العهد” في الخروج عن “الملاك”، اعترافه بمدى “ديكتاتورية جعجع” على صعيد نظرته إلى مسألة تداول السلطة ضمن الحزب أو ثقافة الحكم بشكل عام، وعليه فإن قائد “القوات” لا يخفي في تصرفاته “غرقه الدائم” في مستنقع “نظرية المؤامرة” وولعه بكسر المحيطين به وتقييد حضورهم أو نشاطاتهم على نحو لا يُتاح لهم التطور بأكثر من متطلبات القائد ومصلحته، حيث يصبح كل شخص يدور في محيطه “مشتبه فيه” حتى تثبت إدانته! وبهذا المعنى قد يكون ذلك هو السر الكامن خلف انغلاقه على نفسه في قصر عالق بين “سفحين”!

وأحياناً، طبيعة الإنغلاق تحتّم على شغالها أن يعلق في سلسلة أفكاره أو أن يكون أسير مواقفه، كما حال جعجع مؤخراً بقضية المازوت الإيراني. الرجل تقلّب في المواقف بدايةً من اعتباره قضية استقدام المازوت الإيراني صعبة و مستحيلة وليست سوى “كلاماً إعلامياً”، ثم تطوّر موقفه لاحقاً مع تطور الحالة تجاه الإقرار بحصول ذلك دون أن يعلن حين عقّب بادعاء أن المازوت الإيراني لا يكفي “إيران” أو أنه “سيء” إلى أن أوصلته مواقفه أخيراً حين اخترقت الصهاريج الحدود اللبنانية لأن يتبنّى نظرية استقدام المحروقات من إيران بتفاهم مشترك بين الدولتين اللبنانية والإيرانية وبموافقة دولية! أي المحروقات نفسها التي “سخّفها” جعجع كيميائياً وأقرّ بعدم جدواها.

في ضوء كل ذلك، كان لا بدّ من “انتشالة ما” لجعجع الغريق، سيّما بعدما دخلت قضيتا “النيترات” و “المازوت” في حمى الإستهداف المعرابي، وقد أصبحت نظرة كثر، سيّما من أبناء بيئة “القوات”، نحن نتحدث عن “قوات المضحّين” في البقاع مثلاً، دونية كثيراً لقيادة معراب التي حمت “لصوصاً” نعتوا غيرهم بما ابتلوا به، وها هم أصبحوا فارّين من وجه العدالة التي هم أكثر من ينادون بتطبيقها في لبنان، لتأتي الإنتشالة على شكل مقابلة تلفزيونية “سريعة وضرورية” على شاشة أميركية (الحرّة)، بترتيب مسبق من عوكر ودفع من قبل السعوديين، الذين يخشون بدورهم على حليفهم الأوّل، أتت على مبدأ محاولة “تخفيف انزلاقة معراب” السياسية ووقف نزيف “الرجالات” من محيطها، النائب سيزار معلوف أولاً وخليفته المفترض أسعد نكد “خوش آمديد” ثانياً، وإعادة تثبيت جعجع وتكريسه كحالة، ومنحه منبراً لمخاطبة جمهوره الضائع ومن خلفه “جمهور واشنطن” بعدما سُدّت بوجهه المنابر المحلية تقريباً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى