“ليبانون ديبايت” – علي الحسيني
ينقسم الرأي العام اللبناني بين مؤيّدٍ ورافضٍ، للمسار الذي يسلكه القاضي طارق البيطار، في التحقيق المتعلق بملف إنفجار المرفأ، ففي حين يرى فيه البعض خشبة الخلاص الأخيرة ضمن مسار البحث عن حقيقة التفجير وتحديد المسؤوليات والإتهامات، فإن البعض الأخر، يتّهمه بسلوك طريق تسييس القضية تماهياً مع توجّهات داخلية وربطاً بمصالح وخارجية، لكل منها مصالح وأهداف خاصّة.
فوجئ اللبنانيون بتبلّغ المحقّق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي البيطار، دعوى الردّ التي تقدم بها النائب نهاد المشنوق، والتي علّق البيطار على أثرها تحقيقاته بالإضافة إلى الإجراءات المتعلقة بكافة النواحي المتّصلة بانفجار مرفأ بيروت، إلى أن تبتّ محكمة الإستئناف برئاسة القاضي نسيب إيليا، بقبول الدعوى أو رفضها، وهو الأمر الذي اعتبره مقربون من البيطار، بمثابة ضرب أخر مسمار في نعش القضاء اللبناني، بعدما عجزت المنظومة السياسيّة الحاكمة، عن تطويعه لخدمة مصالحها وسط إصرار من القاضي “المُعتكف”، على متابعة عمله وفقاً للتحقيقات والمعلومات التي بين يديه، من دون أن تُرهبه “التهديدات” ولا أن تُغريه الترغيبات.
“إنها مسألة تقطيع وقت من قبل المنظومة التي تواجه سير التحقيق، للوصول إلى تاريخ موعد بدء الدورة العادية لمجلس النواب في 19 تشرين الأول المُقبل، حيث تُصبح بعدها أذونات التحقيقات بحاجة إلى إذن من مجلس النوّاب”. هذا ما يؤكده مرجع قضائي سابق، وبذلك سيكون القاضي بيطار أمام خيارين: إمّا أن يخضع للتسويف والمُحاربة، وإمّا أن يُقدم اعتذاره ويتخلّى عن الملف، وعلى الأرجح فإن القاضي بيطار سيعتذر لا لعجزه عن متابعة التحقيقات، إنما لإدراكه بأن العديد من العصي والمكائد السياسية تنتظر المسار الذي يسلكه في عملية التحقيق والتي رأينا جزءاً منها خلال اليومين الماضيين”.
وبحسب المصدر نفسه، “هناك قرار سياسي قد اتُخذ في البلد خلال الأيام الماضية، بالتضييق على عمل القاضي بيطار وحشره قدر الإمكان، في زوايا قانونية على قاعدة إحراجه ثم إخراجه. لكن هذا أيضاً، يُعدّ انتصاراً للقضاء اللبناني وأيضاً للمسار الذي يسلكه قاضي التحقيق، إذ أنها المرّة الأولى التي يلجأ فيها سياسيون لبنانيون بشكلٍ علني، لمراوغاتٍ قانونية، للهروب من وجه العدالة. وهذا الأمر يؤكّد للقاصي والداني، مسؤولية جزءٍ كبير من هذه السلطة، عن تفجير مرفأ بيروت، سواء بشكل مُباشر، أو من خلال التهرّب من المسؤوليات نتيجة عجزهم عن مواجهة قوى الأمر الواقع”.
وتُشير المصادر، إلى “إتفاقات سريّة بين أفرقاء في السلطة، قضت بإقصاء البيطار عن ملف التفجير وذلك بعد عدّة لقاءات مكّوكيّة حصلت في الأيّام الماضية على أثر موقفٍ لقيادي حزبي، هدّد من خلاله القاضي البيطار، وقد تمنّت خلالها إحدى الجهات إنهاء هذا الملف بأسرع وقت، بذريعة عدم السماح لأي طرف داخلي أو خارجي وتحديداً الأميركي عبر السفارة الأميركية في لبنان، الدخول على خط الإتهامات والتلاعب بمسار التحقيقات، ممّا قد يخلق بلبلة سياسية كبيرة في البلد يصعُب احتواؤها بسهولة”.
وخلص المصدر إلى القول إن التحقيقات في جريمة التفجير وفي حال تنحّي القاضي البيطار عن مهمته، يعني طمس الحقيقة، وما ستخرج به التحقيقات بعدها، لن يتعدّى تحميل بعض الجهات مسؤولية التقصير في الأداء، أو الحكم على أسماءٍ لا تُقدّم ولا تؤخّر في مسار العلاقات السياسيّة بين أركان السلطة. وهذا يعني، أن الوعود بالإصلاحات السياسية والقضائية، ما هي سوى محاولات من السلطة لكسب مزيد من الوقت، بهدف إعادة إنتاج نفسها، وإن بأسماء مُختلفة”.
أمّا في الشقّ القانوني، فيؤكد أستاذ القانون الدولي أنطوان صفير، أنه “حتّى الساعة، لا يُمكن توقّع القرار الذي سيصدر عن محكمة الإستئناف، لأنها قد تعتبر نفسها غير صالحة، وبهذه الحالة قد تردّه بالشكل ويستمر القاضي بيطار بالملف، أو أن تقبل الردّ وعندها يُصبح المُحقّق العدلي مرفوع اليد بشكل نهائي. وإلى حينه، لا يُمكن للمحقّق العدلي الإستمرار في الإجراءات حتى صدور القرار عن محكمة الإستئناف”.
وبحسب صفير، فإن “المهلة يُمكن أن تمتدّ لفترة طويلة لأن هناك أفرقاء سيتبلّغون وسيدلون بدلوهم خلال مهلة ثلاثة أيّام من تاريخ التبليغ، وسيكون هناك تعليقات مُتبادلة إلى حين صدور القرار النهائي عن محكمة الإستئناف في هذا الشأن. لكن شخصياً، أعتقد أن الملف قد جُمّد حتّى إشعار أخر، فإذا اتخذت المحكمة قراراً بردّ القاضي عندها يجب أن يتم تعيين مُحقّق عدلي جديد وعندها سنكون أمام ثالث محقق عدلي، وهذا يؤكد أن ثمة أمرٌ ليس في الصراط المُستقيم، أمّا إذا رفضت المحكمة طلب الرد فعندها يستمرّ القاضي البيطار بمهامه”.