حاول رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن “ينأى بنفسه” عن التعيينات الإدارية أمس في تصريحه بعد لقائه رئيس البرلمان نبيه بري، لإبعاد الحديث عن الخلافات التي يمكن أن تسببها في وقت تتنازع الكواليس الحكومية توجهات عدة في هذا المجال. فالبيان الوزاري للحكومة وعد بإجراء تعيينات في المراكز الشاغرة “من خلال تعيينات تعتمد الكفاءة والنزاهة بعيداً عن المحسوبيات…”.
ومن المبكر وضع هكذا بند على جدول أعمال مجلس الوزراء. فهناك توجه نحو اقتصار التعيينات الإدارية على الضروري جداً بما يتناسب مع مقاييس مطلوبة من قبل المجتمع الدولي في الإطار الإصلاحي مثل تعيين الهيئات الناظمة في قطاعات الكهرباء والاتصالات والطيران المدني، مع إعطائها صلاحيات تقريرية واسعة في إدارة هذه القطاعات بدل حصر الصلاحيات في يد الوزير ليتحكم إما لسبب سياسي أو لغرض نفعي بتفاصيل هذا القطاع. والهيئات الناظمة لم يتوقف ممثلو الدول عن المطالبة بها. وهناك توجه لطرح التعيينات التي يمكن التفاهم عليها واستثناء تلك التي سيحصل خلاف في شأنها، أو تنافس عليها، باعتبارها مغانم ورشوات انتخابية على بعد أقل من ستة أشهر من الانتخابات النيابية اذا تقرر تقديمها إلى 27 آذار كما يتردد. ربما لهذا السبب لم يأتِ البيان الوزاري على ذكر الهيئة الناظمة في قطاع الكهرباء وتفعيلها في عملية تأهيله، واكتفى بذكر الهيئة الناظمة في الاتصالات.
أما التوجه الثالث فهو الذي يتعلق برزمة تعيينات كبيرة تحت عنوان ملء الشواغر في الإدارات كافة وبحجة تفعيل الإدارة لملاقاة الإجراءات الاقتصادية والإصلاحية وغيرها من الحجج غب الطلب. التوجه الثالث هذا يستند إلى ما تردد عن توافق حصل بموازاة ذلك الذي أنتج قيام الحكومة ويقضي بتقاسم المراكز الرئيسة بحيث يستحوذ الفريق الرئاسي و”التيار الوطني الحر” على حصة الأسد فيها و”يهبج” ما تبقى من مراكز ومواقع تعود للمسيحيين في الإدارة قبل انتهاء العهد بحيث يضمن نفوذاً طويل الأمد يمتد سنوات. وفي المقابل تتقاسم الحصة الإسلامية من هذه المراكز القوى السياسية الشريكة في الحكومة ولا سيما ميقاتي مع مراعاة تيار “المستقبل” فيما يحصل الثنائي الشيعي على حصته المحفوظة التي ستقود هذه المرة إلى حصول “حزب الله” على حصة وازنة باعتبار أن حركة “أمل” كانت في التعيينات السابقة صاحبة الحصة الأكبر.
وإذا صحت المعطيات التي يتداولها الوسط السياسي فإن هناك لائحة مراكز إدارية في الفئة الأولى، بدءاً باستكمال أعضاء مجلس القضاء الأعلى والقيام بالتشكيلات القضائية قد يتجاوز عددها الـ 60 مركزاً، فيما يقول مصدر نيابي إنها بلغت قبل يومين الـ90 مركزاً يجري التحضير لها بنَهمٍ كبير من القيمين على الحكومة. ويضاف إليها وإذا صحت معلومات هذه المصادر فإنها تؤكد ما سبق أن قيل بأن التوافق الذي حصل بين الرئيس ميقاتي وبين رئيس “التيار الحر” جبران باسيل قبيل الإعلان عن الحكومة شمل التأكيد على سلة التعيينات.
الخشية عند مصادر نيابية وسياسية هي من استخدام هذه الخطوة رشوة انتخابية مرة أخرى، إلا إذا تراجع ميقاتي عنها خصوصاً أنها ستفتح عيون المجتمع الدولي الذي محضه دعماً مشروطاً بالإصلاحات التي هدفها تصحيح المالية العامة كشرط للمساعدات المالية، مع أن عمر حكومته لن يتيح تلقيها أي مساعدات مالية قبل الانتخابات النيابية. كما أن اتخاذ هذه التعيينات إذا حصلت بهدف الرشوة الانتخابية ستكون بعيدة عن الخطوات الإصلاحية التي تفترض أن تعتمد مقياس الكفاءة والحاجة الضرورية توفيراً على الخزينة، في وقت تقوم توصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على خفض كلفة القطاع العام ووقف الحشو فيه.