جان الفغالي-نداء الوطن
كان يحلو للبطريرك الراحل مارنصرالله بطرس صفير ان يردّد مثلاً يعكس التباين في إدارة الحكم في لبنان، فيشبّهه بعربة يجرّها حصانان: واحد الى الأمام وواحد الى الخلف.
هل بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون (ومعه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل) ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ما يمكن ان يطابِق هذا المثل؟
مَن يرصُد مواقف الرئيس ميقاتي قبل عودته إلى السراي الحكومي، ويقارنها بمواقفه اليوم، يجد ان دولته يطابق المثل القائل “كلامٌ للرعيَّة وكلامٌ للخوريَّة”، فمواقفه ما قبل العودة إلى السراي الحكومي كانت تشي بأنه كان أحد صقور نادي رؤساء الحكومات السابقين، بعكس كلامه اليوم الذي يشي بأنه “نعامة”.
في شباط الماضي، وفي عزّ الإحتقان بين عون وباسيل من جهة والرئيس المكلَّف السابق سعد الحريري، اجرت قناة “الحرة” مقابلة مع الرئيس ميقاتي في برنامج “المشهد اللبناني” مع الزميلة ليال الاختيار، في تلك المقابلة قدَّم الرئيس ميقاتي جوابين يُحسَبان له او عليه بحسب المتلقّي لهما:
الجواب الاول: “الممسِك بالقرار اللبناني اليوم، والكلمة الفصل هي لـ”حزب الله”.
الجواب الثاني: “بالمظهر العام، والمظهر العام هو الحقيقة، الوزير باسيل هو اليوم يُمسك بكل المفاتيح الاساسية والمراكز الاساسية في قصر بعبدا، وهو مَن يسيطر على القرار السياسي”.
هذا الكلام عمره سبعة اشهر: لا رئيس الجمهورية تغيَّر ولا الوزير باسيل تغيَّر، فهل مَن تغيَّر هو الرئيس ميقاتي؟
هل لَم يعد لـ”حزب الله” الكلمة الفصل؟
هل لم يعد الوزير باسيل يمسك كل المفاتيح الاساسية في قصر بعبدا؟
ما قاله الرئيس ميقاتي منذ سبعة اشهر هو الصحيح، فهل سيتعايش معه اليوم؟
ما بعد نيل الثقة، هناك محاولة، ولو صعبة، للتعايش، فمن المؤشرات التي تدل على ان الحكومة اليوم “عربة يجرّها حصانان واحد إلى الأمام وواحد إلى الخلف:
أول جلسة لمجلس الوزراء تزامنت مع دخول أول شحنة من المازوت الإيراني، الرئيس ميقاتي قال إنه “حزين ” لخرق السيادة، فيما أحد وزراء “حزب الله” وصف هذا التطور بأنه “يومٌ مجيد”.
“نقزة” ميقاتي الثانية جاءت من بعبدا من خلال التلميح إلى أن رئيس الجمهورية هو الذي يفاوض صندوق النقد الدولي استناداً إلى المادة 52 من الدستور التي تقول: “يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالإتفاق مع رئيس الحكومة”، علماً أن مراجع دستورية تعتبر أن التفاوض مع صندوق النقد الدولي ليس من أجل “عقد معاهدة” وبالتالي ليس رئيس الجمهورية هو “مَن يتولى التفاوض…”.
التفسير لهذه المادة من جانب قصر بعبدا لم ينزل “برداً وسلاماً” لدى الرئيس ميقاتي في السراي الحكومي، لكن على ما يبدو، الرئيس ميقاتي مرَّرها لأنه لا يريد أن يعرِّض نفسه “للشماتة” من جانب بيئته ولا سيما من أوساط بيت الوسط.
ويبدو أن بيئة رؤساء الحكومات السابقين أعطت فترة سماح قرابة شهرين للرئيس ميقاتي، وبعد ذلك ستنحو نهج المعارضة لأدائه خصوصاً أنها بدأت تلمس تنازلات من جانبه، وهي لم تستوعب بعد كيف سار في الثلث المعطِّل للحكومة.