كصرخة ضحية في وجه الجلاد، اختار ابراهيم حرب أن يختم جرحه النازف منذ 4 آب 2020 ليلتحق بقافلة شهداء انفجار المرفأ، في ذروة تكالب السلطة وتكاتف أركانها لهدر دمائهم ووأد العدالة وطمس معالم الحقيقة تحت أنقاض مسرح الجريمة. لم يستفق حرب من غيبوبته بعدما تيقن من استحالة استفاقة الدولة من غيبوبتها طالما بقيت تحت عناية طاقم مافيوي حاكم بالبطش والنهب والتهديد والترهيب، لا يردعه رادع ولا يرف له جفن أمام أهوال البلد والناس… ولا يتورّع عن دفن القتيل والعدالة في حفرة واحدة.
وككلمة حق في وجه سلطان جائر، يقف أهالي شهداء المرفأ اليوم لرفع الصوت أمام قصر العدل في بيروت ورفض الإمعان في سياسة تطويق القضاء والاستمرار في “قبع” المحققين العدليين، منعاً لإظهار الحقيقة وتحديد المسؤوليات الجرمية في القضية، وسط تأكيد أوساط الأهالي أنهم لن يهابوا ولن يتراجعوا “لأننا خسرنا أبناءنا ولن نقبل دفنهم مرتين”، متوعدين بخطوات تصعيدية “بدءاً من اليوم في إطار مواجهة اختارتها السلطة مفتوحة وعلنية ضدنا، مع لحظة المجاهرة بتهديد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار لثنيه عن متابعة مسار التحقيق”.
وأمس تجمهر عدد من أهالي الشهداء أمام منزل رئيس محكمة استئناف بيروت القاضي نسيب إيليا المعنيّ بالنظر في دعوى رد القاضي البيطار وكف يده عن الملف، رافعين شعارات تطالبه بعدم “لعب دور في مسرحية دفن العدالة”، في وقت توالت المواقف الأممية والدولية تنديداً بمحاولات تقويض العدالة من قبل السلطات اللبنانية الرسمية، بحيث شددت منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في لبنان نجاة رشدي على “الحاجة الماسة إلى إجراء تحقيق مستقل وحيادي وشفاف في تفجيرات مرفأ بيروت، وعلى حق عائلات الضحايا في معرفة الحقيقة وإحقاق العدالة”، بالتوازي مع إصدار منظمة العفو الدولية بياناً تعقيباً على قرار تعليق التحقيق العدلي في انفجار مرفأ بيروت، أكدت فيه على أنّ “هذا القرار هو دليل جديد على أن القيادة السياسية كان لها هدف واحد منذ اليوم الأول من هذا التحقيق وهو إيقافه، وهذا دليل آخر على تجاهلها الصارخ لحقوق الضحايا والناجين وأسرهم”، مطالبة إزاء ذلك مجلس حقوق الإنسان المنعقد حالياً “بإنشاء آلية لتقصي الحقائق، والاستجابة لدعوات عشرات المنظمات وأهالي الضحايا، بما في ذلك توصيات من خبراء حقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة”.
حكومياً، يدشن مجلس الوزراء الجديد أعماله اليوم في قصر بعبدا ويستهل أولى جلساته بعد نيل الثقة بجدول أعمال “ترقيعي” كما وصفته مصادر وزارية، موضحةً أنّ المطروح بأغلبه في الجلسة يتعلق بالمصادقة على مئات القرارات الاستثنائية لحكومة تصريف الأعمال، فضلاً عن نقل اعتمادات مالية من الموازنة على أساس القاعدة الإثنتي عشرية، والموافقة على مشاريع مراسيم تجيز لعدد من الوزراء الاحتفاظ بوظائفهم، وهم وزير العمل مصطفى بيرم (ديوان المحاسبة)، وزيرا الداخلية والثقافة بسام مولوي ومحمد مرتضى (في ملاك القضاء العدلي) ووزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية نجلا رياشي (في ملاك وزارة الخارجية والمغتربين).
أما على مستوى القرارات الحكومية الجديدة، فأكدت المصادر الاتجاه إلى إقرار بند إحالة جريمة انفجار صهريج البنزين في منطقة التليل إلى المجلس العدلي، بالإضافة إلى بند آخر يتعلق بالانتخابات الفرعية، وبند بيئي متصل بتلوّث نهر الليطاني.