محمد بلوط-الديار
لم يات القرار الاردني بتحرير وتشريع الابواب اليوم مع دمشق من عبث ، ولا هو مجرد خطوة ثنائية بين البلدين الشقيقين.
اليوم بدأت عمان مرحلة جديدة من التعاون القريب مع دمشق لتامين مصالح البلدين الامنية والاقتصادية والاجتماعية ، متجاوزتين مرحلة من الانحباس الحدودي بينهما دام اكثر من عشر سنوات بسبب سيطرة ميليشيات متنوعة من الارهابين والمعارضين للنظام السوري ثم حالة اللااستقرار التي سادت في السنوات القليلة الاخيرة في تلك المنطقة، وقرار الحصار الاميركي الذي كان يهدف الى ضرب دمشق من الخاصرة الجنوبية الشرقية.
وبات واضحا وجليا انه بعد مجيء ادارة بايدن بدأت واشنطن تعتمد سياسة مختلفة عن تلك التي اعتمدتها ادارة سلفه ترامب تتمحور حول تخفيف الاعباء والخسائر الامنية والمادية والسياسية الناجمة عن تدخلها وانتشارها العسكري المباشر في الشرق الاوسط .وتجلى ذلك في انسحابها المريع من افعانستان بغض النظر عن حساباتها من هذا الانسحاب وتفخيخه بطالبان كقنبلة موقوتة بوجه الدول المجاورة لهذا البلد.
من هنا يعتقد المراقبون ان هذه السياسة الجديدة لادارة بايدن ساهمت في تشجيع وتحفيز الاردن على فتح افاق التعاون مع دمشق من خلال المعابر المشرعة بين البلدين باشراف السلطات الرسمية وفي اطار خطة سبقتها سيطرة الجيش العربي السوري بشكل كامل ومعزز على مناطق درعا ومعالجة كل ما جرى فيها بعد نبذ الميليشيات والمجموعات المتشددة.
ويرى المراقبون ايضا ان الخطوة الاردنية تعكس مناخا متطورا ومرحلة جديدة للعلاقات المنتظرة بين دمشق والدول العربية ، مع العلم ان بعضها كان قطع شوطا لا باس به في السنتين الماضيتين على غير صعيد رغم سيف قرار الحصار الاميركي على سوريا وربما بعلم او بتغاضي واشنطن عن هذا التواصل الدبلوماسي والامني والتعاون الاقتصادي المحدود.
ومما لا شك فيه ان نجاح دمشق في الصمود بوجه هذا الحصار بعد ان كانت قد ربحت الحرب وفرضت قواتها العسكرية سيطرتها على معظم المناطق السورية، غيّر المشهد الداخلي والخارجي واحدث واقعا جديدا لا يمكن تجاهله او شطبه من الحسابات السياسية والامنية في المنطقة ، وبالتالي احرج منظومة الجامعة العرب المترهلة اصلا واضعف منطق الدول العربية المتشددة تجاه سوريا لا سيما الخليجية منها.
وبالاعتقاد ان قرار اعادة او عودة دمشق الى جامعة الدول العربية صار امرا واقعا لا يمكن تجاهله او الوقوف بوجهه ، لكن تاخير الخطوة هو مجرد محاولة للتفتيش عن طريقة لحفظ ماء وجه البعض ، او ربما بانتظار استئناف المفاوضات الاميركية – الايرانية التي يبدو انها على الابواب وفق تصريحات مسؤولي البلدين.
وبغض النظر عن الخطوات الشكلية او العملانية لعودة العلاقات بين سوريا والدول العربية او الجزء المقاطع لها ، فان المرحلة اليوم هي مرحلة خروج دمشق من دائرة الحصار الاميركي والغربي وان بشكل دقيق وغير سهل .وهذا يجعل لبنان معنيا بالدرجة الاولى نظرا للعلاقات المميزة التاريخية بين البلدين والشعبين ولطبيعة العلاقة والتواصل الجغرافي الذي يفرض نفسه عليهما في كل المجالات والصعد.
واذا كانت خطوة التواصل والتعاون التي بدأت بين بيروت ودمشق بشأن مد الغاز المصري للبنان عبر الاردن وسوريا تعتبر بداية جيدة في تصحيح مسار العلاقة بين الدولتين على المستوى الرسمي بعد زيارة الوفد الوزاري الرسمي اللبناني مؤخرا لدمشق والتحضير لزيارة مماثلة قريبا لها في ظل حكومة ألرئيس ميقاتي الجديدة فان هذا التواصل والانفتاح يجب ان لا يقتصر على مشروع الكهرباء او الترانزيت او غيرها بقدر ما يفترض ان يكون في اطار تجاوز المرحلة الماضية من التشويش والسلبيات والبدء باوسع تعاون بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات في اطار المصالح المشتركة والاحترام المتبادل بدءا من ملف النازخين والملفات الامنية المتعلقة بحماية استقرار البلدين مرورا بالتعاون الاقتصادي وفي مجال اعادة اعمار سوريا وغيرها من القطاعات الحيوية والانمائية.
وبرأي مصدر سياسي بارز ان خطوة فتح الابواب السورية الاردنية مؤشر واضح على فشل سياسات الحصار ، وان خوف بعض المسؤولين والقوى او تناغمهم مع هذه السياسة لم يعد مبررا او مقبولا باي شكل من الاشكال.
ويضيف ان عقدة البعض تجاه العلاقة مع سوريا لا يجب ان تحجب الرؤية عن الواقع والتطورات المتسارعة، التي جعلت العديد من الصحف ووسائل الاعلام الغربية تتحدث اليوم صراحة عن قوة وثبات القيادة السورية واستعادتها واستلامها لزمام المبادرة ليس في الداخل السوري فحسب بل ايضا على مستوى تحسين ادائها ودورها في المنطقة واعادة تفعيل تواصلها مع الخارج.
ويؤكد المصدر ان سياسة تشريع الابواب والتعاون المفتوح مع دمشق يجب ان تكون في اول جدول حكومة الرئيس ميقاتي من دون عقد او هواجس او مخاوف.