نون- اللواء
ما يجري في مسار التحقيقات في الإنفجار الزلزالي لمرفأ بيروت، يطعن بآخر الرهانات على قدرة القضاء اللبناني القيام بمثل هذه المهمة الوطنية بإمتياز، بعيداً عن أية ضغوطات سياسية أو تهديدات أمنية، وبمستوى مهني مميز على قدر المآسي والجروحات التي خلفتها الكارثة في البشر والحجر.
قد يؤخذ على القاضي طارق البيطار إستعجاله في إصدار مذكرات الجلب بحق عدد من السياسيين. وثمة من يعتبر أن تركيز المحقق العدلي على شخصيات معينة دون غيرها، هو إستنساب يُسيء إلى موضوعية التحقيق، وفريق ثالث يتساءل عن معايير إستدعاء بعض الوزراء ومسؤولين سابقين دون غيرهم من الذين جاؤوا بعدهم إلى مواقع المسؤولية، ما يطرح شكوكاً حول تسييس مُحتمل للتحقيقات لمصلحة فريق معين في السلطة. غير أن كل تلك الملاحظات، وما تحمله من مآخذ على أداء البيطار، لا يُبرر الحملة الممنهجة التي يتعرض لها، والتي تُمهد لقرار سياسي كبير للإطاحة به، كما أطيح بسلفه القاضي فادي صوان، وبأسلوب يوحي وكأن المقصود هو طمس الحقائق المحيطة بأسباب ومسببات الكارثة، وإيقاف التحقيق عند نقاط مبهمة، وعدم إيصال الوقائع الموثقة إلى الرأي العام في الداخل والخارج، وبالتالي تجهيل المسؤولين الحقيقيين عن هذا الدمار الواسع الذي أصاب سيدة العواصم وأحياءها التراثية الجميلة.
خطورة رد القاضي البيطار عن التحقيق الذي كان ناشطاً حتى ظهر أمس، أنه يتم في عطلة مجلس النواب حيث لا حصانات تحمي النواب المستدعين للتحقيق حتى تاريخ إنعقاد الدورة العادية في ١٥ تشرين الأول المقبل.
والأخطر من ذلك، أن إعفاء البيطار من مهمته يتم في وقت لا وجود فيه لمجلس القضاء الأعلى، بعد إنتهاء ولاية المجلس الحالي، وتعذر تعيين مجلس جديد بسبب الخلاف على المحاصصات السياسية، ما يحول دون تعيين محقق عدلي جديد بغياب مجلس القضاء، الأمر الذي سيُبقي هذه المهمة الأساسية في التحقيق مُعلقة إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً وتتم ولادة مجلس قضاء جديد.
إنفجار المرفأ، الثالث من نوعه في العالم، مرشح بأن يلحق بملفات بقية الإنفجارات والإغتيالات التي هزت لبنان طوال الخمسين سنة الماضية، وتم تجهيل المخططين والمحرضين والمنفذين … الخ الخ!!