الحدث

أزمة الطاقة في الشرق والغرب… صناعة محلية!

أزمة طاقة خانقة في أوروبا وانقطاع منظم وكامل للكهرباء في بعض المدن الصينية. قبلهما انقطاع للكهرباء في كاليفورنيا. بريطانيا تعاني عجزاً في إمدادات الكهرباء وارتفاعاً شديداً في أسعار الكهرباء و الغاز و الفحم ، ثم اختفاء البنزين من كثير من المحطات، إذ تشير البيانات إلى أن أكثر من 50 في المئة من المحطات غير الواقعة على الطرق السريعة ليس لديها بنزين، وأن نحو ثلث محطات شركة “بي بي” ليس لديها بنزين.

الصين بدأت تنظيم قطع الكهرباء عن المدن وأجبرت المصانع على تخفيض أنشطتها، في محاولة لتخفيف الضغط على مصادر الطاقة المختلفة، كي لا تستمر أسعارها بالارتفاع.

الولايات المتحدة تعاني ارتفاعاً كبيراً في أسعار البنزين بسبب إعصار “أيدا” في خليج المكسيك. وهذا يرعب إدارة الرئيس جو بايدن، لأسباب عدة، أهمها شبح عودة دونالد ترمب أو أتباعه إلى الحكم في انتخابات 2022 و2024، خصوصاً أن ترمب كان يدعو دائماً إلى خفض أسعار البنزين، وساعدته الظروف في تحقيق ذلك.

كاليفورنيا عانت انقطاع الكهرباء، وستكرر هذه المعاناة مرتين في السنة ولسنين طويلة بسبب سياساتها المناخية المتطرفة، وبسبب الجفاف الذي ضرب الولاية والولايات المجاورة وخفض توليد الكهرباء من الطاقة الكهرومائية.

كل هذه المعاناة صناعة محلية لا علاقة لدول ” أوبك+ ” بها، فدول المجموعة تهتم بالنفط الخام ولا علاقة لها بالغاز.

هناك أسباب عدة لارتفاع أسعار الغاز لا علاقة لها بالدول المنتجة. من أهم هذه الأسباب سياسات الحياد الكربوني التي يتم تطبيقها بسرعة من دون النظر إلى آثارها في أرض الواقع. فقد تم التخلص من الفحم و الطاقة النووية بسرعة كبيرة واستبدال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بهما. المشكلة أن الطاقة المتجددة متقطعة، إذ إن طاقة الرياح موجودة طالما أن الرياح تعصف، والطاقة الشمسية موجودة خلال النهار المشمس. ما الذي سيعوض أثناء عدم وجود شمس أو رياح في ظل عدم وجود قدرة على تخزين الكهرباء؟ الفحم أو الطاقة النووية أو الغاز أو النفط؟

وبما أنه تم التخلص من الفحم والطاقة النووية أو تم تقليصهما، فإن البديل في الغالب هو الغاز. ومع تعافي اقتصادات الدول الأوروبية في الشهور الماضية، زاد الطلب على الغاز بشكل كبير، فارتفعت أسعاره. مع ارتفاع أسعار الغاز تم التحول إلى مصادر الطاقة الأخرى، مثل الفحم، فارتفعت أسعاره أيضاً. في ظل هذا الارتفاع، أفلست بعض شركات الكهرباء. وما زاد الطين بلة هو انقطاع الكيبل البحري الذي ينقل الكهرباء من فرنسا إلى بريطانيا.

تعافت الصين من كورونا قبل غيرها لإصابتها به مبكراً، فعادت إلى الحياة الطبيعية أبكر من غيرها وارتفع طلبها على المصادر الطبيعية كلها فارتفعت أسعارها. ثم حصل خلاف تجاري بينها وبين أستراليا، فقررت بكين وقف استيراد الفحم الأسترالي وتحولت إلى استيراد الفحم من الولايات المتحدة وغيرها، فارتفعت أسعاره. في الوقت نفسه، زاد الطلب على الغاز الطبيعي عالمياً بسبب الانتعاش الاقتصادي وبسبب الشتاء القارس الذي تلاه صيف حارق. وفي الوقت نفسه، ارتفعت أسعار النفط فوق المستوى الذي تريده الصين. فاستخدمت بكين وسائل شتى لتخفيض أسعار مصادر الطاقة، منها الترشيد في الاستهلاك الذي يضمن قطع الكهرباء، واستخدام احتياطي النفط الاستراتيجي. سياسات الإنعاش الصينية أسهمت في تفاقم أزمة الطاقة، وسياستها الخارجية تجاه أستراليا زادت الطين بلة.

لا شك في أن هناك أسباباً أخرى، ولكن الفكرة هنا هي أن الأزمة هي صناعة محلية بامتياز ولا علاقة لدول “أوبك+” بها.

أزمة البنزين في بريطانيا

لاعلاقة لدول “أوبك+” بأزمة البنزين البريطانية. فالسبب الرئيس للأزمة هو عدم وجود عدد كاف من سائقي الصهاريج لتوزيع البنزين في أنحاء البلاد. ولكن هذا ليس كافياً لإحداث أزمة خانقة في البلاد. وما فاقم الأزمة هو وسائل الإعلام التي تناقلت أخبار عدم وجود بنزين في بعض المحطات، فتسببت بخوف جعل الناس يشترون البنزين ويخزنونه. ومع زيادة عدد المحطات التي نضبت فيها مخزونات البنزين، واستمرار التغطية الإعلامية، تحول تخوف بعض الناس من نقص الإمدادات إلى هلع عام، فصار الناس يشترون أي بنزين يمكنهم شراؤه وتخزينه.

تواتر الأحداث كلها في وقت واحد سمح لنظريات المؤامرة بالانتشار: توافق ارتفاع شديد في أسعار الكهرباء والغاز، عجز في البنزين والمواد الغذائية، في وقت تصر فيه الحكومة على تبني سياسة تغير مناخي أكثر تشدداً. وقبل انعقاد مؤتمر المناخ العالمي للمناخ (كوب 26) في جلاسكو في اسكتلندا، قد يكون سياسة حكومية مقصودة لتمرير سياسات مناخية، ليس في بريطانيا فحسب، وإنما حول العالم. ليس هناك أي إثبات على هذه النظرية، بل على العكس، ما حصل هو نتيجة فشل هذه السياسات والحكومة البريطانية مصدومة مما حصل. ولكن السؤال هنا: لماذا لا يوجد عدد كافٍ من سائقي الصهاريج… أين ذهبوا وتلاشوا فجأة؟

مشكلة نقص عدد سائقي الشاحنات والصهاريج عامة في الدول الصناعية، بما في ذلك الولايات المتحدة. فبعد إغلاق اقتصادات معظم الدول، كان سائقو الشاحنات والصهاريج الأكثر تأثراً، خصوصاً مع انخفاض الطلب العالمي على المشتقات النفطية بملايين البراميل يومياً، فتم تسريحهم من العمل.

ثم قدّمت الحكومات المختلفة إعانات ضخمة لمن خسروا وظائفهم، لدرجة أن الإعانات كانت أكبر من دخل بعض الوظائف، فلماذا يعود العامل أو الموظف إلى العمل ليتعب ويبذل جهداً كبيراً ليحصل على راتب أقل؟

لهذا، فضل كثير من العمال في المهن ذات الرواتب المنخفضة البقاء في البيوت والاعتماد على الإعانات الحكومية. هذا الأمر ينطبق على عدد كبير من السائقين. ربما لم تكن الإعانات أكبر من الرواتب، ولكنها مجزية لدرجة أن السائق يفضل عدم العمل على قيادة الشاحنة أو الصهريج. ولهذا، فإن الأزمة لن تنتهي إلا إذا توقفت الحكومات عن تقديم الإعانات أو خفضتها بشكل كبير.

ولكن مشكلة بريطانيا أعمق من ذلك لأن عشرات الآلاف من السائقين من دول الاتحاد الأوروبي اضطروا إلى مغادرة بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، ولا يمكنهم العودة حسب القوانين الحالية. لهذا لن تنتهي الأزمة إلا إذا تم تعديل القوانين للسماح لسائقين من دول معينة بالعمل في بريطانيا.

بالنظر إلى ما حصل في بريطانيا وبقية الدول الأوروبية، نجد أن السبب الرئيس لأزمة الطاقة هو التدخل الحكومي الزائد في الاقتصاد… والجزء الأكبر من هذا التدخل يعود إلى سياسات الحياد الكربوني التي تحاول الحكومات إجبار الناس والأسواق عليها.

هذا التدخل الحكومي المبالغ فيه، ومبالغات وكالة الطاقة الدولية والإعلام “الموالي”، أسهما في إخافة رجال الأعمال والشركات من الاستثمار في النفط والغاز. ولهذا، فإن إمدادات الغاز قد تبقى محدودة حتى تعود الاستثمارات للقطاع.

خلاصة القول إن أزمة الطاقة في أوروبا صنعها السياسيون ووكالة الطاقة الدولية، التي تحولت على أرض الواقع إلى “وكالة البيئة الدولية”.

المصدر: اندبندنت


 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى