منير الربيع|المدن
لم يعد أمام اللبنانيين غير خيار الانتخابات. إنها المتنفس الوحيد الذي ينتظرونه للتعبير عن غضبهم، وتوجهاتهم في رفض الممارسات السياسية لمختلف القوى الحزبية الحاكمة، وتسعى لصوغ التسويات بين بعضها البعض، لإعادة إنتاج نفسها.
المعركة المبكرة والمغتربون
طبعاً هذا طموح لشريحة واسعة من الشعب اللبناني، والتي يُطلق عليها وصف “الأكثرية الصامتة”. ولم يعد لدى القوى السياسية غير الانتخابات كاستحقاق سياسي تركّز عليه منذ الآن. وقد فتحت معركته باكراً، خصوصاً أن كل طرف سيسعى إلى تعزيز حضوره أكثر، بحثاً عن إعادة تدوير نفسه وتعويم وضعيته السياسية.
نظرياً، فتح السباق الانتخابي باكراً. والحكومة ستكون محكومة بمعايير الانتخابات وحساباتها المالية والاقتصادية. كما أن حسابات القوى السياسية ستتركز حتماً على الاستثمار في تسعير الخطاب المذهبي والطائفي.
قبل أيام، فتح سجال حول تطبيق المندرجات الكاملة للقانون الانتخابي الذي أقر في العام 2018، والذي يتضمن مادة واضحة حول تخصيص ستة مقاعد لنواب لبنانيين يمثلون الإغتراب. بدأ الهمس بوضوح حول تعديل القانون للإطاحة بهذا البند، لاعتبارات متعددة. فبعض القوى تعتبر أن الخارج كله يعارضها، ونتائج الانتخابات الاغترابية لن تصب في مصلحته. والنتائج ستكون انعكاساً لحقيقة الموقف اللبناني الذي لا تتمكن القوى السياسية من التأثير على الناخبين بشأنه، على العكس مما هو الحال داخل لبنان. كذلك ستستخدم نتائج انتخاب المغتربين كمعيار حقيقي وأكثر دقة من الانتخابات الداخلية، التي تتمكن الأحزاب فيها من التأثير على رأي الناخبين، والضغط عليهم أو إغرائهم بخدمات صغيرة.
الانقسام الإسلامي المسيحي
إلغاء هذا البند يحتاج إلى تعديل القانون. وبمجرد فتح هذا الباب، ستخرج قوى أخرى تطالب بإجراء تعديلات مختلفة على القانون، مثل اعتماد صوتين تفضيليين بدلاً من صوت واحد. ولكن ذلك موقف يرفضه بشكل كامل الطرف المسيحي، الذي يعتبر أن الصوت الثاني سيمنح المسلمين تأثيراً أكبر في الدوائر، ويكون قادراً على التأثير بشكل جذري على نتائج الانتخابات. فيما قوى أخرى تعتبر أن حزب الله سيكون الطرف الأكثر استفادة من هذا الطرح، لأنه سيتمكن من تجيير كمية أصوات كبيرة في كل الدوائر إلى مرشح ثان.
سيشكل عنوان إلغاء انتخاب المغتربين لستة ممثلين عنهم، وتعديل الصوت التفضيلي عنواناً لانقسام إسلامي مسيحي في لبنان. هنا تكون الحجة والذريعة كاملة ربما لتأجيل الانتخابات، بذريعة الحفاظ على الوحدة الوطنية، ومنع الإنقسام المذهبي والطائفي، على أن يقرن ذلك بتعهد جديد يرتبط بإقرار قانون انتخابي جديد.
حتى الآن، هناك استبعاد لحصول مثل هذا السيناريو، على الرغم من أنه قابل للحدوث في أي لحظة. في المقابل، تتعاطى القوى السياسية وكأن الانتخابات واقعة في مواعيدها. وكل المواقف الدولية والديبلوماسية تركّز وتشدد على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها. وعلى هذا الأساس تعمل القوى المختلفة، لأنها تعتبر نفسها أمام فرصة أساسية لإعادة إثبات حضورها، وكسر الصورة التي تكرست منذ ثورة 17 تشرين، بأن القوى السياسية تراجعت إلى حدود الانتهاء، وستصاب بهزائم كبيرة.
الساحتان المسيحية والسنّية
العدّة الانتخابية جاهزة في هذا المجال، وهي تسعير الخطاب المذهبي والطائفي. فيما كل المؤشرات تقود إلى أن المعركة الأساسية ستكون على الساحتين المسيحية والسنّية، طالما أن حزب الله يضبط وضع بيئته بشكل كامل، وهناك استحالة لحصول أي متغيرات في ظل هذا القانون وهذه الظروف. أما درزياً، فالوضع شبه محسوم أيضاً. ستكون المعركة في الأساس داخل البيئتين المسيحية والسنّية. مسيحياً المعركة محتدمة بين القوى السياسية، وتحديداً التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية من جهة، وسوياً بوجه قوى أخرى متعددة من جهة ثانية، بينها قوى مجتمع مدني، زعامات محلية وغيرها. هنا سيعمل حزب الله بكل قوته إلى جانب حليفه التيار الوطني الحرّ، مع تجنّب أخطاء وخلافات وقعت بينهما في انتخابات 2018، كما حصل في جبيل أو في بعلبك الهرمل. سيعمل حزب الله بكل قوته لتشكيل رافعة لحليفه.
أما سنياً، فأيضاً يعدّ حزب الله عدته للتأثير بشكل كبير في مجريات العملية الانتخابية، بالتركيز على العلاقة مع بعض الزعماء المحليين. في البقاع الغربي، عبد الرحيم مراد أو نجله حسن، أو في المنية الضنية مع جهاد الصمد وكمال الخير. كما أن الحزب سيكون صاحب الصوت الأكثر ترجيحاً في بيروت مثلاً، بالإضافة إلى مجموعات يؤثر عليها في طرابلس وعكار. وبحال سلكت الأمور وفق ما يرسمه الحزب، ستكون النتائج كما يريدها، وهو الذي نجح على مدى السنوات الماضية بتشتيت كل خصومه، وجعلهم بحاجة إليه.
يصرّ حزب الله على الاستعداد بكل قوته لخوض المعركة الانتخابية، تحت شعار أساسي لديه وهو الإنتهاء من نظرية “تراجع شعبيته”. وهو سيستغل الانتخابات ليخرج ويقول إنه أعاد تكريس نفسه بإعتراف الناس وأصواتهم، وعلى القوى السياسية الداخلية والقوى الخارجية الاعتراف بذلك.