بسام مقداد|المدن
مروحة الآراء والتصريحات التي يطلقها السياسيون والإعلاميون الروس، عشية قمة بوتين إردوغان في سوتشي في 29 من الجاري، شديدة التنوع، بل ومتناقضة. لكنها تجمع على أن إدلب ستكون على رأس جدول أعمال القمة. وبين التصريح ـــــ الإنذار لوزير الخارجية لافروف بشأن إدلب، وتصريح الناطق بإسم الكرملين بشأن تأكيد إردوغان من منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة عدم الإعتراف بالقرم روسياً، تراوحت الآراء بين القول بالمواجهة بين الرئيسين، والقول بأنهما سيخرجان بإتفاق جديد بشأن إدلب، والتأكيد بأن القمة لن تخرج بشيئ.
وكالة نوفوستي، وفي نص بعنوان “”هذا سوف يكون مذبحة”. ما الذي بدأ في إدلب السورية”، قالت بأن الوضع في شمال سوريا قد يتصاعد بشكل خطير في الأيام القريبة القادمة. وتنقل عن مصادر في الحكومة التركية قولها ل Bloombergبأن أنقرة تنقل إلى الشمال السوري آلاف العسكريين ومئات الاليات العسكرية. وفي الوقت عينه إنتشرت أنباء عن إستعداد الجيش السوري لشن هجوم كبير في إدلب.
ونقلت نوفوستي عن الوكالة رأيها بأن إردوغان نقل القوات إلى سوريا ليمسك بورقة رابحة في لقائه مع بوتين في سوتشي. ومن المتوقع أن تتناول المفاوضات، بشكل أساسي، معالجة “مسألة إدلب”، ولن يكون من السهل على الطرفين التوصل إلى توافق.
وفي إشارة منها إلى موافقتها على رأي الوكالة الأميركية، تقول نوفوستي بأن لدى موسكو وأنقرة مصالح متناقضة كلياً في إدلب. ففي حين تريد موسكو مساعدة الأسد على تنظيف المحافظة من المقاتلين وإعادتها إلى سلطته، يحاول إردوغان المحافظة على الوجود العسكري والنفوذ في سوريا. إلا أنه يخشى موجة مهجرين جديدة إلى المناطق التركية المحاذية لسوريا، سيؤدي إليها حتماً بدء الأعمال القتالية. وتنسب نوفوستي إلى Bloomberg قولها بأن الهدف الرئيسي من نقل القوات التركية إلى إدلب هو إجبار دمشق على التخلي عن هجوم واسع.
تشير نوفوستي إلى أنها ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها الإعلام الغربي عن هذه العملية. ومن دون أن تحدد من يقوم بذلك، تقول بأنه منذ أكثر من شهر ينقلون إلى حدود “المحافظة المشكلة” وحدات كبيرة، تقوم دورياً بتوجيه ضربات إلى مواقع الإرهابيين. كما نشط جداً في الأسابيع الأخيرة الطيران الروسي الذي يشن يومياً غارات على مواقع الإرهابيين. إلا أن لا دمشق ولا موسكو اعلنتا “حتى الآن” عن الإعداد لهجوم.
تقول الوكالة بأن تعاون تركيا مع المقاتلين في إدلب ليس سراً لأحد منذ زمن طويل. وترى بأنه لولا أنقرة لكان السوريون قد تمكنوا منذ زمن طويل من تحرير المحافظة. وليس من الواضح إلى ما سيفضي إليه التصعيد في شمال غرب سوريا، لكن من الواضح أن المفاوضات في سوتشي “سوف تكون صعبة”. إردوغان مصمم على المواجهة، وليس عازماً على التراجع. وهذا ما يؤكده حديثه “المتشدد بشكل غير متوقع” في الجمعية العامة للأمم المتحدة ، من أن انقرة لن تعترف ابداً بالقرم روسياً. وتعتبر نوفوستي أن هذا التصريح “ليس الأكثر دبلوماسية قبل الإجتماع مع بوتين”.
صحيفة “Gazeta.ru” جمعت آراء اكثر من بوليتولوغ حول “الإتفاقات المحتملة بين بوتين وإردوغان في سوتشي”. ونقلت عن رئيس تحرير الدورية الروسية “روسيا في السياسة الدولية” فيودور لوكيانوف قوله بان بوتين وإردوغان يفهمان بعضهما جيداً، إلا أنه مع ذلك “لا يمكن توقع إتفاقيات حقيقية من هذا اللقاء”. وقال بان الرجلين لم يلتقيا يوماً فقط لمصافحة بعضهما. لدى روسيا علاقات متنوعة مع الدول الأخرى، بما فيها العلاقات الشكلية، “لكنها مع تركيا ليست شكلية”.
الإجتماعات بين الرجلين مليئة دائماً بالمسائل الحقيقية، التي ينبغي دوماً القيام بمساومة صعبة بشأنها، لكنها تدخل أحياناً بطريق مسدود، وحينها يكون “اللقاء بين الزعيمين ضروريا، على قول لوكيانوفً. لكنه مقتنع بأنه لا يوجد حل توافقي في أزمة إدلب، لأن لروسيا وتركيا مصالح “متناقضة كلياً” في المنطقة. فجميع الإتفاقات التي تم التوصل إليها أكثر من مرة بشأن سحب تركيا للمقاتلين من إدلب، بقيت معطلة. بعد المفاوضات تقوم تركيا بعملية واسعة، ثم تأتي بعدها مرحلة الضغط العسكري من قبل روسيا، بما فيها قصف الطيران، بعد ذلك “يجلسون إلى طاولة المفاوضات”. ويرى لوكيانوف أن “لا حل هنا”، بل ثمة عملية لا نهاية لها. ويعتبر أن هذا لا يشير إلى أن “كل شيئ سيئ”، بل على العكس “كل شيئ جيد”. فمنذ ست سنوات، وبمعجزة ما، يتم الحؤول دون صدام مباشر بين تركيا وروسيا.
بدوره الباحث في معهد الإستشراق آمور غادجييف يقول للصحيفة بأن الوضع في سوريا “يبقى بعيداً عن النهاية”، وذلك لأن تركيا، ولأسباب موضوعية وغير موضوعية، ليست مستعجلة في تنفيذ إلتزاماتها. وهو يعتقد بأن الرئيسين سوف يوقعان “وثيقة جديدة” بشأن إدلب، فهما لن يلتقيا عبثاً، بل سوف يوقعان على “شيئ وازن”، على إتفاقيات تلقي الضوء على العملية اللاحقة للتسوية في إدلب، لأن العمل على الصعيد الدبلوماسي كان “مكثفاً جداً”.
وبعد أن بذكر بأن لقاء الرئيسين سوف بتطرق إلى أفغانستان وناغورني كتراباخ وليبيا ونفط شرق المتوسط وشراء تركيا دفعة جديدة من صواريخ S-400، يرى غادجييف أن موضوع القرم والجدال الذي دار حول كلام إردوغان بشأنه ، لن يبحث في مفاوضات سوتشي. فالقرم “مسألة منتهية”، وتركيا تدرك جيداً أن “القرم روسي”، والكلام كان يحمل طابعاً شعبوياً صرفاً، ولن يترك تأثيراً مباشراً على جو المفاوضات.
ويتفق فيودور لوكيانوف مع غادجييف، ويضيف يأنه ليس من المفهوم لماذا تناول إردوغان مسألة القرم من منبر الأمم المتحدة. ويضيف بأنه يبدو أن ثمة حاجة للتذكير من وقت لآخر بانتماء ما للغرب.
عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الروسي (الدوما) سفتلانا جوروفا أكدت للصحيفة أن بوتين وإردوغان “قد يبحثا” موضوع القرم، لكن بوتين سوف يرد بأن “القرم أرض روسية”. وعلى الرغم من الإختلاف بشأن القرم و”المسائل الأخرى”، إلا أن روسيا وتركيا تبقيان “شريكين إستراتيجيين”.
صحيقة “MK” الروسية تنقل عن المجلة الأميركية The National Interest قولها بأن الرئيسين سوف يبحثان، على الأغلب، تجدد العمليات الحربية في شمال شرق سوريا. وتنقل عن صحافي تركي غرّد قائلاً بأن أكثر خطوة صحيحة يمكن أن تقدم عليها تركيا في إدلب، هي أن تسحب جنودها من المناطق التي تتعرض لقصف الطيران. وقد يبدو هذا مذلاً، إلا أن أمن العسكريين يأتي بالمرتبة الأولى، و”نحن لم ننس حتى الآن 34 عسكرياً استشهدوا على يد روسيا”.
مشارك آخر في موقع تركي على الشبكة الإجتماعية، نقلت عنه الصحيفة قوله بأن تركيا في قمة الرئيسين سوف تكون منذ البداية في موقع الخاسر. ففي تصريح إردوغان لدى عودته من الولايات المتحدة، قال بأنه سيتوجه إلى روسيا بإقتراح عقد صداقة. وقال الموقع بأنه سوف يتابع بانتباه ما هي التنازلات التي سيقدم عليها إردوغان، وعن ماذا ستتخلى تركيا، وأي ثمن ستدفعه. ويتساءل ما إن كانت تركيا ستتمكن من أن لا تخسر شيئاً في القمة المقبلة؟