عن التطبيع والكرد وحسرة القائد الأمريكي
عُقد في مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، يوم الجمعة 24 أيلول / سبتمبر، مؤتمر بعنوان «السلام والاسترداد». حضر المؤتمر الذي نظمه مركز يدعى « اتصالات السلام الأمريكي» عدد من عراقيين تم وصفهم بأنهم « شيوخ عشائر وكتاب ومثففون».
تزامن عقد المؤتمر الداعي إلى اعتراف العراق بكيان الاستيطان الصهيوني مع الذكرى السنوية الأولى لـ ( إتفاقات إبراهيم) التي أبرمتها الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، بمباركة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وتواصل الولايات المتحدة برئاسة الديمقراطي جو بايدن سياسة الجمهوري ترامب الداعمة للاحتلال الصهيوني على حساب إبادة الشعب الفلسطيني. حيث أكد وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن، يوم الجمعة، في أجتماعه مع وزراء خارجية دول « إتفاق إبراهيم» الدعم الأمريكي المستمر للاحتلال من خلالهم. وإذ يتغنى بلينكن بفائدة الاتفاقات لشعوب المنطقة، فإنه لاينسى تهديد الحكام بنعومة شرطي العالم بأنه» من مصلحة دول المنطقة والعالم أن يتم التعامل مع إسرائيل كسائر الدول». لا غرابة، إذن، أن ينعقد، في اليوم، نفسه، مؤتمر يدعو بلسان متحدثته الرئيسية المدعوة سحر الطائي « لابد للعراق اليوم أن يغير سياسته. بات أمرا ضروريا ولابد منه الاعتراف بإسرائيل كدولة صديقة «.
تدل التقارير ألتي نُشرت عن المؤتمر وأشرطة الفيديو، بالاضافة إلى خطب المتحدثين، إلى أن الحاضرين الذين تفادوا إظهار وجوههم أمام الكاميرا، لا يمثلون، كما ادعى منظمو المؤتمر، الشرائح المجتمعية والدينية أو المراكز أو المنظمات، أو العشائر العراقية، التي يدّعي منظم المؤتمر انهم يمثلونها. فالسيدة سحر الطائي القائلة « لا يحق لأي قوة، سواء كانت محلية أم خارجية، أن تمنعنا من إطلاق مثل هذا النداء» والتي تم تقديمها وكأنها ناطقة رسمية بإسم وزارة الثقافة، مثلا، دفعت وزارة الثقافة إلى إصدار بيان تكذيب سريع نفت فيه «صلتها بالتصريحات ألتي صدرت عن إحدى الموظفات تدعِّي شَغلِها لمنصب في وزارة الثقافة».
وأوضحت الوزارة إنها « ترفض انعقاد مؤتمرٍ للتطبيع مع إسرائيل على أرض أربيل في كردستان العراق، معتبرة أن انعقاد هذا المؤتمر سابقةٌ خطيرةٌ تتعدى على الدستور ورأي الشعب العراقي، وتمسّ كرامة القضية الفلسطينية وحقوق شعبها، وهو ما لايرضى به العراقيون حكومةً وشعباً، مؤكدة وقوفها المنيع مع أبناء الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة «.
أكد البيان موقف الشعب العراقي، التاريخي والحاضر، ألذي يرى في فلسطين قضيته العادلة، التي لا تسقط بالتقادم. وأن فلسطين هي البوصلة الأخلاقية بالأضافة الى القانونية الدولية والأنسانية. وسارعت، عديد الجهات الشعبية، والمسؤولين الحكوميين، وحتى قيادة الجيش، إلى إستنكار إنعقاد المؤتمر. وهو موقف جماعي غاضب، قلما توصل اليه العراقيون حول قضية ما، منذ غزو العراق، بقيادة أمريكا، في 2003، ومأسسة محاصصة الطائفية والعرقية. وجاء موقف حكومة إقليم كردستان التي إدّعت أن الاجتماع تم دون علمها وموافقتها ومشاركتها، مثيرا للتهكم، فالمعروف للجميع أن أي إجتماع، مهما كان حجمه، لا يتم بدون موافقة الجهات الأمنية، فكيف إذا كان مؤتمرا كهذا، وهو يتماشى مع موقف قادة الإقليم من الكيان الصهيوني وزياراتهم وحجم توسع المصالح الإسرائيلية المؤيدة لأنفصال الإقليم عن العراق.
مع هذا، إذا كان الغرض من إقامة المؤتمر، كما يبدو، هو جس نبض الحكومة العراقية، بناء على الارتباط بأمريكا، وفق إتفاقية الاطار الاستراتيجي، فان النتيجة جاءت معاكسة تماما لما كان متوقعا من قبل المنظمين، حيث استردت القضية الفلسطينية أولويتها، بقوة الأرادة الشعبية وعمق العلاقة بين الشعبين الفلسطيني والعراقي، خلافا لعنوان « السلام والاسترداد».
كما كانت النتيجة، إفراغ المؤتمر من هدفه، بفضل المتحدثين، أنفسهم، حين فشلوا في تقديم خطاب موحد يتماشى مع سياسة المركز الذي تكفل بدعوتهم ودفع إجورهم. إذ إختلط، في خطبهم الركيكة، التأجيج الطائفي ( بين السنة والشيعة) وأهمية الفيدرالية وتقسيم العراق، والخلط ما بين الدين اليهودي والصهيونية، ومهاجمة إيران إلى حد تناسوا فيه، أحيانا، التركيز على «السلام الإسرائيلي».
« السلام» الذي بات مفردة كريهة لحدة تناقضه مع واقع الاحتلال، وسياسة الاستيطان، والتمييز العنصري، ومنع حق العودة لأهل البلد الشرعيين. وهو واقع رافق الكيان الصهيوني منذ لحظات تأسيسه الأولى وأصاب رشاشه العراقيين كما الفلسطينيين. ففي لقاء بين رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي يغئيل يادين والقيادة العليا للجيش الإسرائيلي، عام 1950، كما جاء في كتاب «عزيزتي فلسطين» لشاي هازكاني، أعرب يادين عن قلقه من أن معظم الجنود اليهود الذين كانوا مهاجرين حديثًا من العراق، لم يُظهروا مستوى العداء الذي توقعه تجاه العرب. وحث الاجتماع قائلا: «علينا أن نحفز مشاعر الكراهية ضد العراقي العربي حتى في أوقات السلام. ليس لدينا أوقات سلام. بل وعلينا تشجيع روح الانتقام ضد العراقيين».
نظّم مؤتمر أربيل المدعو جوزيف براود، رئيس مركز « إتصالات السلام الأمريكي» في نيويورك، الذي « طّور لغته العربية خلال عمله مدة سبع سنوات في الإذاعة الوطنية المغربية وتعلم الفارسية كطالب دراسات عليا في جامعة طهران» ويهدف في نشاطاته مع آخرين، بينهم صحافية لبنانية ومغن تونسي، وناشط مدني عراقي كردي، على مكافحة «معاداة السامية» وعلى تطوير «استراتيجية حول كيفية دحر أجيال من الرسائل المعادية للسامية والرفض في وسائل الإعلام والمساجد والمدارس العربية» حسب كتاب لبراود.
وقد حاول براود، عبثا، والحق يقال، تلميع صور المساهمين من العراقيين وإضفاء أهمية كبيرة على مراكزهم ودورهم، أثناء مقابلاته مع أجهزة الأعلام، تبريرا لالتقاطه إياهم، إلا أن تخبطهم في إيصال دعوته الى العراقيين لتشجيع التطبيع مع الكيان الصهيوني، لا بد وأن ذكّره بما قاله قائد إحدى فرق جيش الاحتلال الأمريكي، عام 2006، حين سأله صحافي عن فشل القوات الأمريكية، بالقضاء على «المتمردين العراقيين» على الرغم من التفوق العسكري الأمريكي وتجنيد عملاء عراقيين، فأجابه القائد متحسرا : «المشكلة هي أن أفضل الناس يقاتلون في الجانب الآخر».
كاتبة من العراق