“الملف المستحيل” هل ينتهي بتنحية البيطار؟

غادة حلاوي-نداء الوطن

 

إثر تبلغه دعوى الرد التي تقدم بها النائب نهاد المشنوق وآخرون، أوقف المحقّق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار تحقيقاته، بانتظار ان تبت محكمة الاستئناف برئاسة القاضي نسيب إيليا بقبول الدعوى أو رفضها. وقبيل تبلغه القرار تقدم البيطار من النيابة العامة التمييزية بطلبين جديدين موجّهين منه الى وزير الداخلية وإلى الامانة العامة لمجلس الوزراء، لطلب اذن بملاحقة كل من اللواء عباس ابراهيم واللواء طوني صليبا، ما فهم على أنه رد على “حزب الله” بعد التهديدات التي قيل ان “حزب الله” وجهها اليه، لكن وجهة نظر أخرى قالت إنه لو كانت الرسالة موجهة لـ”حزب الله” فكيف تشمل اللواء صليبا المقرب من العهد؟

بات التحقيق في عهدة محكمة الاستئناف التي سيفتح قرارها الباب في الاتجاهين على انقسام سياسي في البلاد، فكفّ يد البيطار له ارتداداته المحلية والخارجية فيما استمراره في التحقيق سيجعله في مواجهة مع فريق سياسي لا يريد له الاستمرار في مهامه ويشكك في مسار تحقيقاته القانونية.

وفي محاولة لتطويق الازمة زار رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود عين التينة قبل يومين وكان التحقيق ومساره مثار بحث مستفيض مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، فيما طلب من رئيس “الحزب الاشتراكي” وليد جنبلاط القيام بمحاولة حلحلة رفضها بعد تحول القضية الى قضية رأي عام. وحتى يوم امس كانت الازمة ازدادت تعقيداً بعدما باتت رهن محكمة الاستئناف التي عادة ما تخرج قراراتها بالتصويت بأكثرية صوتين من ثلاثة (الرئيس ومستشاران). والخشية الا تتوافر الغالبية لصالح التنحي ولو ان الوجهة القضائية ترجح خيار التنحي على غيره. وفي الحالتين الموضوع لم يعد سهلاً مع وجود اكثر من طرف سياسي يؤيد تنحية البيطار عن استكمال تحقيقاته. وكما في التعقيدات القضائية كذلك في السياسة.

وبفعل التطورات التي حصلت انتقلنا الى مرحلة النزاع القضائي وأولى ضحاياه تجميد التحقيق في قضية انفجار المرفأ. تلقائياً ولمجرد تبلغ القاضي البيطار طلب الردّ يعني وقف تحقيقاته، ولا يمكن له بحكم القانون استكمالها بانتظار البت بطلب الرد المقدم من المشنوق وآخرين. يمكن للبيطار ان يبدي ملاحظاته حول طلب الرد ونصبح امام دعوى نزاعية ضد المحقق العدلي.

لا يختلف اثنان في قصر العدل على نزاهة البيطار ومناقبيته في عمله لكن انقساماً حصل حول مسار تحقيقاته في قضية المرفأ في مسألتي المعايير التي وضعها. فهل كانت انتقائية؟ ثمة وجهة نظر يستند اليها المدعى عليهم تقول ان المعيار الذي اعتمد عليه قائم على مسألة العلم بوجود النيترات، وهذا ما جعله يذهب مباشرة الى رئيس الحكومة السابق حسان دياب ولا يطلب رؤساء حكومات سابقين، ورؤساء أجهزة امنية حاليين وليس سابقين فهل عدم العلم يعفي من المسؤولية؟ وحسب مصادر قضائية مناهضة لتوجهات البيطار فإن الاتجاه المطلوب ان ينتهي اليه التحقيق، يقضي بالقول إن النيترات تابعة لـ”حزب الله” كسيناريو سياسي أكثر منه قانونياً مرتكزاً الى وقائع سياسية.

فرضية اثارت ضجة، سببها ذاك التهديد الذي قيل ان “حزب الله” ومن خلال زيارة مسؤول وحدة الامن والارتباط فيه الحاج وفيق صفا وجهه الى القاضي البيطار. اذا كان حصل التهديد او لم يحصل فالرسالة وصلت فيما لم يتفوه “حزب الله” بكلمته الفصل بعد وهو اعتاد التزام الصمت في مثل هذه الحالات، لكن من يلتقي البيطار ينقل عنه الرواية بحرفيتها مسلماً بأنه تبلغ بتهديد مباشر شديد اللهجة. مصادر قضائية متابعة لسير القضية قالت إنه سبق لـ”حزب الله” وابلغ المعنيين اعتراضه على سير التحقيقات التي ينتهجها البيطار، متهماً اياه بالانتقائية في اختيار الاشخاص المطلوبين للتحقيق والبناء على اسباب سياسية بعيداً من الوقائع الميدانية.

التحقيق الذي تحول الى قضية رأي عام بات محرجاً للفرقاء السياسيين ومدعاة تمايز في المواقف حتى بين الحلفاء. عالمون بموقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والفريق السياسي المحسوب عليه وان كان لديهم مآخذ على مسار المحقق العدلي وتركيزه على السلوك الوظيفي، بدل التركيز على مستورد النيترات والبعد الجرمي للقضية، الا انهم يعارضون المس بمسار التحقيق او عرقلته. ومن وجهة نظر الرئيس يفترض ان يكون القضاء بمجمله وليس المحقق العدلي فقط بل المحكمة التي ستنظر في عمل القاضي البيطار، ان تضع في بالها ان الاولوية هي لاستكمال التحقيق وعدم اضاعة الوقت وتفويت فرصة المحاسبة.

ثمة مخاوف لدى السلطة من ان اقالة القاضي البيطار من منصبه ستسلط الضوء على التدخل السياسي بعمل القضاء، وستكون بمثابة اشارة سيئة للمجتمع الدولي مع تشكيل الحكومة وضرب لسمعة القضاء ومنح الراغبين حق المطالبة بالتحقيق الدولي.

في أروقة العدلية ولدى القضاة، لملف تفجير المرفأ اسم مغاير هو “الملف المستحيل” و”حقل الالغام”. قبل القاضي طارق البيطار عرض الملف على احد القضاة ممن غادروا البلاد للعمل في الخارج فرد على محدثه ضاحكاً: هل تريدون تحويلي الى ملهاة للناس؟ وحين عرض على البيطار رفض ثم وافق شرط رفع الضوابط ولكنها لم ترفع.

لا يختلف اثنان في العدلية على مناقبية البيطار وان الرجل يتصرف وفق المعطيات المتوافرة لديه. قد يستمر في تحقيقاته وقد تكف يده وفي الحالتين خرج من المعركة منتصراً، فمن يعرف القانون يدرك ان اكثر ما يمكن قد بلغه في ظل قوانين وضعت لحماية الطبقة السياسية على حساب مصلحة البلد.

Exit mobile version