مع تمهيدها لانسحاب قواتها من العراق أواخر السنة الحالية، تسعى واشنطن لترك نفوذ سياسي لها في الحكومة والبرلمان العراقي من خلال التدخّل بمراقبة العملية الانتخابية المقرّرة في العاشر من الشهر الحالي بما يتناسب في النتيجة مع مصالحها، منتهكةً بذلك السيادة العراقية، وتضخّ الولايات المتحدّة ملايين الدولارات للحملات الانتخابية لجمعيات المجتمع المدني التي ترعاها كما لمراقبين دوليين بـ “موافقة” بعض الجهات العراقية واعتراض أخرى.
وصرّحت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت بأن “المساعدة التي ستقدمها الأمم المتحدة لانتخابات العراق ستكون الأكبر على مستوى العالم بأسره”.
أعداد موظفي الأمم المتحدة الذين سيتم نشرهم يبلغ خمسة أضعاف الأعداد في انتخابات عام 2018 في العراق إضافة إلى مشاركة 130 خبيرًا دوليًا.
وفي خطوة مثيرة للجدل، دعا مسؤولو وزارة الخارجية العراقية والمفوضية العليا للانتخابات القوات الأجنبية لمراقبة العملية الانتخابية. وكتب وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين رسالة في 11 فبراير/شباط 2021 دعا فيها إلى مراقبة دولية للانتخابات العراقية. كما أرسلت المفوضية العراقية العليا المستقلة للانتخابات 75 دعوة إلى سفارات الدول العربية والأجنبية والمنظمات الدولية لمراقبة عملية الانتخابات العراقية. ومع ذلك، فقد تم الاعتراض على هذا النهج من قبل تيارات سياسية مختلفة، كما دعا رئيس المفوضية العليا المستقلّة للانتخابات لـ “مشاركة كبيرة وفاعلة في الانتخابات العراقية المقبلة من خلال الوجود الكثيف والمباشر للمراقبين”.
من هم فرق المراقبة الدولية التي ستشرف على الانتخابات؟
فرق المراقبة الدولية هم جهات من دولة حكومية كالهيئات الدبلوماسية (السفارات والقنصليات)، وجهات غير حكومية كالجمعيات والمنظمات الانتخابية الأخرى المعتمدة لدى المفوضية.
إن دعوة المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة والدول الأجنبية، لمراقبة الانتخابات العراقية لا تعكس ولا بأي حال من الأحوال الإرادة الحقيقية للشعب العراقي. في الواقع، يعتقد العديد من التيارات السياسية أن أي رقابة خارجية تنتهك سيادة العراق وإرادته الوطنية ولا يمكن أن تكون في المصلحة الوطنية للعراق. لطالما كانت التدخلات الخارجية في العراق ودورها في تطورات الأوضاع في السنوات التي تلت عام 2003، من الموضوعات التي لاقت انتقادات من الرأي العام والمواطنين ومعظم التيارات السياسية. كما يعتقد العديد من المراقبين السياسيين وعامة الشعب العراقي أن السبب الأهم لانعدام الأمن وعدم الاستقرار في هذا البلد هو السياسات المدمرة للأجانب. في مثل هذا الوضع، فإن وجود مجموعات معينة تعمل على تنشيط وجمع المؤيدين لإثارة مسألة الحاجة إلى الرقابة الخارجية بحجة انعدام الشفافية في الانتخابات، لا يمكن أن تكون في المصلحة الوطنية للعراق، ولكنها تصب أكثر في مصلحة بعض الفئات الصغيرة والمحدّدة.
من ناحية أخرى، يمكن تقييم مسألة مراقبة الانتخابات أنها تأتي لتنفيذ رغبات تتماشى مع هدف الولايات المتحدة وبريطانيا والغرب للتأثير على الانتخابات البرلمانية المقبلة في العراق. ويبدو أنه بعد فشل الغربيين في موضوع تأجيل الانتخابات، تحولوا الآن إلى موضوع الحاجة إلى رقابة دولية.
مؤخراً، أعرب ستيفن هيكي، السفير البريطاني في العراق، في مقابلة مع شبكة تابعة للسعودية، عن شكوكه في إجراء انتخابات نزيهة في العراق، وبالتالي دعا إلى انتخابات مبكرة. وبالطبع، قوبلت تصريحات السفير البريطاني برد فعل قوي من الغالبية العظمى من التيارات السياسية، وتمت إدانته بتعبيرات مثل “الإملاء الخارجي”، و”أمثلة على التدخل الأجنبي”، و”ادعاءات لا أساس لها من الصحة”، ووصفت تصريحاته من الشعب والحكومة العراقية بأنها تدخل غير مقبول. أدت هذه الأمور مجتمعة إلى فشل الخطة “أ” للغرب، ويبدو إجراء الانتخابات في 10 أكتوبر أمرًا مؤكدًا؛ في مثل هذه الظروف نشهد بداية الخطة “ب “، وهي خطة ضرورة إدخال مراقبين أجانب في الانتخابات المبكرة في العراق.
في هذا الصدد، ونظراً للتأثير الخاص للولايات المتحدة وبريطانيا في المؤسسات الدولية، ولا سيما الأمم المتحدة، فإن مناقشة ملاحظاتها عن الانتخابات العراقية يؤكد بأنهما يسعيان إلى إدارة المشهد بما يتماشى مع رغباتهما ومصالحهما. وهذا يعني أنه إذا كانت نتائج الانتخابات لا تتوافق مع رغبات هذه الدول – فإنه وحتى في ظل وجود احتمال أكثر من أي وقت مضى لنجاحها، لكن مع إمكانية فوز تيارات تابعة للمقاومة ومعادية لأمريكا – فمن الممكن طرح مسألة التلاعب بنتائج الانتخابات وعدم شرعيتها وبطلان الأصوات، لإثارة الفتنة والتفرقة بين التيارات السياسية العراقية.
وما يثبت وجود تدخل أمريكي في الانتخابات العراقية هو ما قدّمته الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية من مبلغ وقدره 9.7 مليون دولار بهدف “بناء القدرات داخل المفوضية العليا المستقلة” و”مساعدة المراقبين الدوليين على التنفيذ الفعال لأنشطتها الانتخابية”.