«الشمس طالعة الناس قاشعة»…
} أحمد بهجة*-البناء
ليس من تأثير يُذكر للحملة السياسية والإعلامية التي تتولى تمويلها والقيام بها أكثر من جهة ضدّ قيام حزب الله باستيراد المحروقات الإيرانية عبر سورية، خاصة أنّ الرأي العام يرى ويسمع ويلاحظ أنّ هناك التزاماً تامّاً بالخطة وبالتعليمات ودون أيّ خطأ في توزيع مادة المازوت بالطريقة العلنية الواضحة وبشكل مدروس على القطاعات الحيوية الأساسية في كلّ المناطق.
الناس لم تعد تعطي أيّ اهتمام للشعارات والبروباغندا الإعلامية السلبية، بل جلّ اهتمام المواطنين محصور هذه الأيام في كيفية توفير الحاجات الحياتية لهم ولعائلاتهم، لا سيما المحروقات على اختلافها من دون الاضطرار للوقوف ساعات طويلة في الطوابير، وكذلك تأمين الدواء والاستشفاء والطبابة، وبقاء التيار الكهربائي لأطول فترة ممكنة من ساعات الليل والنهار وبكلفة لا تقصّ الظهر كما يُقال… وغير ذلك من أمور لا غنى عنها، خاصة أننا على أبواب عام دراسي جديد والكلّ يعلم ماذا يحتاج هذا الأمر من متطلبات ليس بمقدور الغالبية الكبرى من اللبنانيين تأمينها.
إذن… ما يهمّ المواطنين هو أن تتوفر لهم القدرة على تأمين الحاجات المذكورة آنفاً، وهو ما يتمّ تحقيق جزء كبير منه من خلال توزيع المازوت الإيراني، وبشكل بعيد تماماً عن أيّة حسابات سياسية، ومعلوم أنّ توفّر مادة المازوت بهذا السعر المقبول بالليرة اللبنانية يعني استمرار الخدمات الأساسية في المستشفيات الحكومية والخاصة، ويعني استمرار عمل مصانع الأدوية والأمصال، واستمرار عمل الأفران لإنتاج الخبز وغيره، ويعني ساعات كهرباء أكثر طالما لم يعد هناك أيّ حجة لدى أصحاب المولدات تبرّر إطفاء مولداتهم لساعات وساعات كما كان يحصل خلال الأشهر الماضية.
هذا مسار انطلق ولن يتوقف بل على العكس تماماً سوف يتوسّع أكثر فأكثر، خاصة إذا استمرّ التلكّؤ الرسمي عن القيام بأبسط الواجبات المفترض أن تقوم بها الدولة، لا سيما أنّ التعريف الأساسي للدولة هو أنّ عليها «الإشراف على أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية تهدف إلى تقدّمها وازدهارها وتحسين مستوى حياة الأفراد فيها».
البداية كانت من استيراد المازوت لأنه يمثل حاجة مهمة لتسيير أكثر من قطاع كما أسلفنا، وقريباً جداً ستكون الحاجة إليه أكبر مع اقتراب موسم الشتاء وضرورة تأمينه للتدفئة، وبعد أيام قليلة تصل باخرة البنزين الأولى التي يُعتقد أنها ستُخصّص لوسائل النقل المعنية بنقل التلاميذ إلى المدارس والجامعات، لأنّ كلفة النقل مرتفعة جداً وباتت تشكل عائقاً كبيراً أمام سير القطاع التربوي، ولا بدّ من إيجاد الحلول المناسبة لهذه المشكلة، والبنزين الإيراني يشكل البداية ويعطي النموذج الصالح لكيفية إيجاد مثل هذه الحلول.
هذا في ما يخصّ قطاع المحروقات، لكن هناك في لبنان أزمات كثيرة تحتاج إلى حلول إنقاذية وقرارات كبيرة وجريئة، تبدأ من قطاع الكهرباء ولا تنتهي بقطاع النقل العام والخاص، وفي هذا السياق لا بدّ من التذكير بأن أصدقاء لبنان الإيرانيين والروس والصينيين قدّموا عروضاً سخية ومهمة جداً ومن شأنها إيجاد الحلول السريعة لكلّ ما نعاني منه من أزمات، ومن دون تحميل الخزينة اللبنانية أيّة أعباء مالية هي أصلاً عاجزة عن تحمّلها، ذلك أنّ العروض الإيرانية لبناء معامل ومحطات توليد الكهرباء، والعروض الصينية لإنشاء السكك الحديد من الجنوب إلى الشمال ومن بيروت إلى البقاع إضافة إلى نفق حمانا ـ شتورة، والعروض الروسية لإنشاء أو لتأهيل مصفاتي الزهراني وطرابلس… كلّ هذه العروض هي على طريقة الـ bot، وبالتالي يمكن تخيّل حجم الاستثمارات التي ستضخها في لبنان كلّ دولة من الدول الثلاث لكي تبني ما تقترحه من مشاريع، ثم حجم العائدات الاقتصادية التي ستأتي بها هذه المشاريع حين تبدأ بالعمل والإنتاج… لا سيما أنها تفتح الباب واسعاً أمام لبنان باتجاه محيطه الطبيعي في سورية والأردن والعراق ومنها إلى الدول العربية كافة، مع ما يعنيه ذلك من إمكانيات اقتصادية هائلة يستفيد منها لبنان واللبنانيون في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات…
هذا كله يعني أننا لسنا بحاجة إلى المزيد من الاستدانة، ولسنا بحاجة إلى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وما تفرضه على لبنان من إجراءات لا يستطيع احتمالها، ومعها شروط سياسية مرفوضة بالمطلق.
طبعاً هذا لا يعني أننا لسنا بحاجة إلى إصلاحات كبيرة، خاصة في ما يتعلق بالمالية العامة وبالقطاع المصرفي الرسمي والخاص، والذي ارتكب بحق اللبنانيين جريمة كبرى غير مسبوقة في تاريخ البشرية، وللبحث صلة…